الهندسة القيمية: إدارة بإبداع


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  

كثر الحديث أخيراً عن الهندسة القيمية وتطبيقاتها والنجاح الذي حققته على المستوى العالمي والمحلي . والهندسة القيمية ليست تخصصاً هندسياً - كما هو الحال في علوم هندسة الحاسب الآلي أو الهندسة الكهربائية أو المدنية-، بل هو أسلوب و منهجية منظمة لحل المشكلات، سواء كانت إدارية ، أو هندسية ، أو تصنيعية .
في هذا المقال، سنوضح بعض المفاهيم التي تخص هذه التقنية وكيفية عملها كأسلوب منهجي منظم، ومن ثم نتطرق إلى بعض التطبيقات التي تهم الإداريين والقياديين وبالذات في اتخاذ أو صنع القرار .
البدايات التاريخية لهذه الطريقة :
ظهر مفهوم \" التحليل القيمي Value Analysis\" أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في العام 1947 وعلى يد المهندس (لاري مايلز) الذي يعمل في شركة (General Electric ) الأمريكية وكانت مهمته أو شغله الشاغل -كما يقال-، هو توفير البدائل نتيجة لشح قطع الغيار لبعض الأجهزة والمعدات في الشركة بسبب الحرب، وبدأ يركز على الوظيفة (Function ) لكل منتج، ومن هنا كانت نشأة طريقة \" القيمية\" المعتمدة على التحليل الوظيفي ( Function Analysis) والذي يميزها عن غيرها من التقنيات الإدارية الأخرى. وفي العام 1954 انتقل تطبيق هذه الطريقة ( أو الهندسة القيمية / Value Engineering) لتعكس طبيعة العمل الهندسي لهذه التقنية إلى مرحلة التصميم، ومن ثم تأسست الجمعية الأمريكية لمهندسي القيمية ( save ) في العام 1958 ومن بعدها انتشرت على مستوى الولايات المتحدة وبالذات في مجال الهندسة والإنشاءات وذلك في العام 1963م .
ومن ثم انتشرت في كافة أنحاء العالم وتم الاستفادة منها على نطاق واسع .
مفهوم عمل القيمية :
لدراسة أي مشروع هندسي أو إداري أو منتج بغرض تحسين الأداء والرفع عن مستوى الجودة ، لا بد من اتباع ما يسمى بـ ( خطة عمل الدراسة القيمية Job Plan( وهي عادة ما تتكون من خمس خطوات منطقية تسلسلية كالتالي :
01
 مرحلة جمع المعلومات
02
 مرحلة التحليل الوظيفي
03
 مرحلة الإبداع وطرح الأفكار
04
 مرحلة تقييم الأفكار وتطويرها
05
 مرحلة العرض والمتابعة
وأهم ما يميز هذه التقنية عن غيرها من أسلوب حل المشكلات هي الخطوة رقم (2) أي ما يسمى بالتحليل الوظيفي والذي يُعد \" لب القيمية \".
ولتطبيق هذه المنهجية أو خطة العمل فلا بد لأخصائي القيمية المعتمد (cvc) من المنظمة العالمية ( Save-Inte) أن يشكل الفريق الخاص بتلك المهمة،فإن كان مشروعاً هندسياً، يفضل أن يختار مجموعة من المهندسين المختصين في مجال الهندسة ( مهندس معماري وإنشائي وكهربائي وهكذا)، أما إذا كانت الدراسة تهتم بمجال الإنتاج والتصنيع ، فيتم اختيار الفريق ( عادة من 5-7 أفراد) من لهم علاقة جيدة بطبيعة المنتج .
التطبيقات الإدارية القيمية :
يجب أن نفهم تماماً بأن مصطلح \" الهندسة القيمية Value Engineering\" قد شاع استخدامه ( مثله مثل الهندرة، والمقارنة المرجعية ... ) ولا يعني بالضرورة أن يكون تخصصاً هندسياً يعالج فيها فقط المشروعات الهندسية من أبنية وتشييد مطارات، بل هو أسلوب إداري لحل المشكلات، مثله مثل باقي التقنيات أو المفاهيم الإدارية التي تهتم بالإدارة والقيادة ، وفيما يلي بعض التطبيقات التي يمكن لهذه التقنية أن تلعب دوراً مهماً فيها :
01
 المشاكل الإدارية التي لها علاقة بتخفيض عدد الموظفين.
02
 المشاكل الإدارية التي تهتم بترشيد الإنفاق في الإدارات الحكومية.
03
 حل المعوقات والصعوبات التي تعترض سير العمليات الإدارية .
04
 تحسين مستوى الأداء وزيادة وتعظيم الربحية في القطاع الخاص.
05
 تعظيم إنتاجية الموظفين في الإدارات الحكومية والخاصة.
06
 تحديد احتياجات التدريب وتقييم البرامج التدريبية.
07
 هيكلة المنظمات.
وغيرها من التطبيقات الإدارية الأخرى، تلعب \" القيمية\" دورها هنا في تحقيق التوازن الوظيفي \" Function Balance\" بين الجودة والأداء والتكلفة، حيث تدور حولها معظم المشكلات الإدارية .
ولعلنا نذكر في هذا السياق أحد الأمثلة (لحالة عملية) شاركتُ فيها وهي استخدام تقنية \" القيمية\" في حل مشكلات النظافة على مستوى المملكة، عندما كنت أعمل في برنامج الدراسات القيمية بوزارة الشؤون البلدية والقروية، وبعد دراسة استمرت لمدة أسبوعين تمت فيها دعوة مديري عموم النظافة في الأمانات الثلاث ( الرياض ، جدة، الدمام) وبمشاركة أكثر من 10 مهندسين وأخصائيين في البيئة ( و 2 من الخبراء الأجانب من خارج المملكة) ، تم التوصل إلى أكثر من 20 مقترحاً أدت إلى تحسين مستوى الأداء ورفعت من جودة العمليات وأوجدت العديد من البدائل (ذات التكلفة الأقل) لعمليات التجميع والنقل والتخلص من النفايات البلدية في تلك المناطق .
ومن المفيد ذكره أن تفوق أسلوب \" القيمية\" عن غيره يرجع إلى كونه متعلقاً بإنجاز المهمة في وقت قياسي (من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع)، ويمكننا تلمس النتائج، بعكس الأساليب الأخرى كإدارة الجودة الشاملة (TQM) أو إعادة هيكلة العمليات (BPR) والتي تستغرق شهوراً عديدة وربما سنين لبناء ثقافة المنشأة أولاً، ومن ثم التعامل مع التقنيات الحديثة وتدريب الموظفين وهكذا .
وغالباً ما يلجأ صناع ومتخذي القرار إلى مراجعة البدائل ودراستها قبل الوصول إلى القرار النهائي والحاسم في أي مشروع بعد مفاضلة الحلول والمقترحات البديلة والتي يصاحبها جميع المؤشرات من جودة وأداء وتكلفة ومعلومات تفصيلية عن العمر الافتراضي، ودورة حياة المشروع والعائد الاقتصادي وهكذا، ومن هنا كانت الميزة التنافسية لهذا الأسلوب وهناك أمثلة كثيرة في هذا السياق.
وأخيراً فإن شعبة الهندسة القيمية باللجنة الاستشارية الهندسية على استعداد للإجابة على جميع الاستفسارات والمشاركة في تقديم الاستشارات الإدارية والفنية اللازمة بهذا الخصوص .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply