بل الدم

ذو سنوات ست..قال الأطباء إنه يعاني من مرض التوحد.. الأطفال من حوله يسرحون ويمرحون.. رغم تلك القنابل التي تدوي.. ورغم تلك الدبابات التي تلعب معهم لعبة الاختباء.. وهو يجلس وحيدا في نفس المكان..

ربما هم مستمتعون بتلك اللعبة.. يلمحون الدبابة من بعيد.. يختبئون خلف إحدى الأسوار الخشبية المتهتكة.. يلتقطون حجرا مدبب الأطراف ويرمون به تلك الدبابة.. يستمتعون بصوت الارتطام البسيط.. وما يثير ضحكهم.. شكل الدبابة التي تستدير بقاذفتها يمنة ويسرة تبحث عن رامي الحجر.. ظانة أنها قنبلة ستنفجر..

تتعالى ضحكاتهم البريئة.. ويرفعون صوتهم قائلين: \"جبناء\"..

حقا جبناء.. كل يوم أرقب تلك اللعبة.. وآسَفُ على ولديº لأنه لا يشاركهم.. ولا يلعبها.. يكتفي بالجلوس وحيدا يضم بذراعيه ساقيه.. يحدق في التربة تارة وفي السماء تارة وفي أشجار الزيتون تارة أخرى..

أحدثه فيجيبني إجابات مقتضبة.. أسأله عن السبب فلا يرد.. حائرة أنا ماذا أصنع؟..

ذات صباح.. فاجأني إذ وقف بباب الحجرة يناديني: \"أمي\"..

نظرت إليه أسأله: \"ما بالك حبيبي؟ أتتألم من شيء؟ \"..

تجاهل سؤالي وسألني: \"ألا ينمو شجر الزيتون بدون أن نسقيه؟! \"..

تنهدت وقد اختفى قلقي وقلت.. \"بالطبع.. يجب أن نسقيه\"..

قال يعقب: \"أسقياه هو الدم؟! \"..

نظرت متعجبة.. وقلت: \"بل الماء\"..

قال يكذبني: \"بل الدم\"..

سألته: \"لم الدم؟! \"..

أشاح بوجهه عني.. ومضى إلى مكانه المعهود..

جلست أفكر: \"لقد جفت الأرض من الماء.. ولم نعد نجد ما نسقي به الشجر.. ولدي المريض أدرك أن دم الشهداء الذي لا ينتهي هنا في \"جنين\" هو من يسقي الشجر.. ربما معه حق\".. !

شعرت براحةº لأنه يفكر بعقله حين يكون وحيدا.. مؤكدا أنه سيشفى مادام يستخدم عقله..

\"الحمد لله\"..