\"كتبت هذه الخاطرة يوم أن كنت أقف في ساحة المدرسة عند خروجهن من بوابة المدرسة وقت مناوبتي، وكانت السماء بين الفينة والأخرى تمطرنا بزخات من المطر البارد\".
تتسارع قطرات المطر..تنهمر وتنهمر..رغماً عنّا.. تحيل رتابة الحياة التي أثقلت نفوسنا بالهموم إلى مساحات من النقاء.. لحظات أسترقها من بين أكوام المشاغل لأعيد ترتيب الأفكار في خاطري حسب الأولوية.. حتى أستطيع أن أنهيها بلا تقصير أو إرباك.. لكن يأبى المطر المتساقط إلا أن يغريني.. يربك أفكاري لأحلق في صفائه وجماله!
أتنسم عبيره.. أستمتع ببرودته التي بثها في أرجاء المكان حولي.. لست وحدي، بل حتى الطالبات حولي أجد في هيئتهن من السكون والطمأنينة ما أجده في نفسيº حتى لا تعليق منهن يذكر.. عندما يسحرك الجمال.. لا تجد عبارات تصيغها لوصفه، لا لشيء.. ولكن لجماله الذي عقد لسانك وبيانك.. وقبل ذلك عقد تفكيرك!
وفي زمن الصمت الذي انتابني والطالبات من حولي إذ بتلك العيون ترقبني وفيها حديث لم أفهمه.. إنها عينا تلك الصغيرة الوديعة.. لمحتها سريعاً.. ثم أغضيت عنها حياءً أن أفجأها بنظري.. ولكن أُحس وهج نظراتها.. بادرتها بابتسامة: ما بك؟ قالت: عباءتي ابتلت بزخات المطر.. وكيف لي أن أرتديها وكأنها سحابةُ مُعصر غارت من السماء.. وبدأت تقلدها وتمطرني بمائها... ألأنها ترى سعادتنا بهذه الزخات من المطر؟! أتريد أن تسعدني هي أيضاً؟! هي سرُ من أسرار سعادتي.. كيف لي أن أرتديها وقد فقدت نصف قيمتها؟!
بادرتها باستغراب: كيف فقدت نصف قيمتها؟! قالت: بل كل قيمتها إن شئتِ.. تعجبت! أجابت سريعاً: كيف لي أن أتحجب بعباءة تلتصق بجسدي وتصف حجم عظامي وبدني.. أذهلتني!.. ثم أكبرتها.. وسبحت بخاطري أخرى.. ولكن.. ليس في زخات المطر.. بل في زخات \"الموضة\" المحرقة.. التي تمطرنا بوابل من نيرانها.. لتحرق ثياب النساء.. فساعةً تحرق النحر.. وأخرى تحرق الساقين وإلى ما فوق الركبتين.. ثم العباءة.. فعباءة في كل موسم..
وفي كل موسم تُودِع العباءة في موكب حزين شيئاً من مهمتها في ستر جسد المرأة المسلمة.. شيئاً فشيئاً.. تُودعُ هذه المهام.. حتى تحرق الموضة الحجاب كله.. وتحيله إلى منديل صغير يطير مع الريح. سبحان الله! ما الذي نقلني من لحظات الصفاء إلى لحظاتٍ, تخيلت فيها الحجاب تحت يدي جلاد.. يقطع أوصاله؟!.. لكن أنت يا صغيرتي ومثيلاتك المؤمنات سيقفن بصمود إن شاء الله.. ولن تنالَ من حجابكن تلك الموضة المحرقة.. والنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله!
إليَّ بالعباءة.. أمسكي طرفا منها.. وأنت طرفاً ثانيا.. وأخرى طرفاً ثالثا.. وبيدي طرفها الرابع.. ارفعنهـا عالياً.. عالياً.. فوق رؤوسنا.. كتلك السحابة.. لا تدعيها تسقط على الأرض.. دعي قطرات الماء تتساقط.. دعي الهواء يزيل ما علق بها من قطرات.. أمطرتنا العباءة بخيرها.. ظللتنا بنعيمها.. أينعت أزهارنا.. أقبلت ثمارنا.. ضحكت الصغيرات ملأ أفواههن.. ونسين المطر.. يا لسعادتي بهن.. ويالسعادتهن بالعباءة.. وسلامة الحجاب.. !
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد