يا أمة الحق المبين! يا أمة الحبل المتين!
ما الذي حلَّ بوادينا؟
ما الذي كدَّر بالخوف ليالينا؟
ما الذي نكِّس بالذلِّ نواصينا؟
لقد زادت علينا الغمَّة، وأقبلت أمور مدلهمَّة..
فجراحنا غائرة، واستحكمت في جسد امتنا حراب الأمم الكافرة!
فما الذي حصل؟ وأين يكمن الخلل؟!
هل اندملت جراحنا القديمة؟ هل عادت إلينا عزتنا العظيمة؟
هل وقف نزيف الدم من جسد أمتنا المكلومة؟
هل عادت إلينا أرضنا المغصوبة؟ وكرامتنا المنهوبة؟
هل رجعت لحوزتنا مقدساتنا المسلوبة؟ وعزتنا المغلوبة؟
هل غُرست رايتنا فوق جماجم الكافرين المحاربين؟
هل تطهرت أرضنا من دنس المعتدين؟
هل غدونا أمة واحدة كالجسد الواحد؟ مجتمعين متحدين، متآلفين متعاونين؟
هل عادت إلينا الفتنا؟ ورجعت إلينا وحدتنا؟
هل اجتمع الشمل المفرَّق؟ وتوحد الصف الممزَّق؟
أم أن جراحنا ما زالت نازفة وأحوالنا ما زالت مؤسفة؟
هذا هو حالنا، فكم حلَّ بنا!!
وأسأل القدس الحزينة، فلديها الخبر اليقين، والنبأ الحزين.
فما زالت مقيدة بأغلال اليهود الغاصبين، و مصفدة بكلاليب الأنجاس الحاقدين
يعيثون فيها ظلماً وفساداً، تقتيلاً وتشريداً وإلحاداً، تدنيساً وتمزيقاً وإرصاداً..
فالبيوت تهدم على رؤوس أصحابها، والأرض تغصب من أربابها، والمقدسات تُهان من المرتزقة المجرمين..
فالصوت الذي يعلوº صوت أزيز الطائرات، وطلقات الرشاشات، ودوي القاذفات، وصرير الدبابات، وانفجار الراجمات..
أما نحن، فلا تكاد تسمع بين صفوفنا إلاَّ أنين المتوجعين، وصراخ الخائفين الوجلين، وتوجع المصابين المكلومين، وعويل المحزونات على الأطفال المقتولين، وبكاء الآباء المفجوعين
فإلى الله نرفع مرَّ الشكوى وعظيم البلوى بعد أن قلَّ الظهير وعزَّ النصير..
فيا لله! كم من مساجد هُدمت! ومصانع أردمت!
ويا لله! كم من أموالٍ, سُلبت! وديار غصبت!
ويا لله! كم من أنفس أزهقت! وأعراض انتهكت!
ويا لله! كم من أرملة تبكي زوجها! وبنت تنعي والدها! وأُمًّ ترثي ابنها! وشابة عفيفة تشتكي ذهاب عفَّتها!
ويا لله! كم من أسرةٍ, تفترش الأرض وتلتحف السماء.. حيث لا غذاء، ولا دواء، ولا كساء!
يا لله! كم من صارخ.. ولا مجيب! و كم من مستنصر.. ولا مغيث!
كم من مجروح مفضوح، ومكلوم محروم! ومفزوع مفجوع، ومرعوب مغلوب!
ينادون إخوانهم في العقيدة، يستنصرونهم في الدين: واإسلاماه! واإسلاماه!
فلا يجيبهم إلا صدى الأصوات، وحنين الزفرات، وحرقة الحسرات والعبرات
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ألا، واخجلتاه!
يوم ينادي المنادي، وا إسلاماه، فلا يسمعه أحد..
عجبًا! أين القوم؟! إنهم سادرون في النوم!
تبكي الحنيفيَّة البيضاءُ من أَسفٍ, كما بكى لِفراقِ الالفِ هَيمانُ
على ديارٍ, من الإسلامِ خاليةٌ قد أقفرَت ولها بالكفر عُمرانُ
حيثُ المساجد قد صارت كنائسَ ما فيهنَّ إلاَّ نواقيسٌ وصُلبان
حتى المحاريبَ تبكي وهي جامدةٌ حتى المنابِرَ ترثي وهي عيدان
ماذا التقاطُع في الإسلام بينكمُ وأنتمُ يا عبادَ الله إخوان
ألا نفوسٌ أبِيَّاتٌ لها هِممٌ أما على الخير أنصارٌ وأعوانُ
أمَّة مريضة تحتضر، واعداؤها يوقدون النار في أطرافها، فهي بجمرهم تستعر!
فأين المفر؟!
يا أمة المجد العظيم، ما الذي حوَّل الحال إلى أسوء حال؟!
أُمَّةٌ كانت تَدينُ لها الدنيا ـ كلٌّ الدنيا ـ بالولاء، من المشرِقِ إلى المغرب، ومن الشمالِ إلى الجنوب، بسطت رداءها على المعمورةِ، وأرسلت ظِلالَها فوقَ الأرضِ..
اُمَّةٌ واحدة، تصدُرُ عن رأيٍ, واحدٍ,، وتهتِفُ بصوتٍ, واحدٍ,، وتُقاتلُ كرجلٍ, واحدٍ,، وتصطفٌّ خلفَ رجلٍ, واحدٍ,..
يتوجَّعُ مَن بالجَنوبِ، فيُجِيبُهُ مَن بالشَّمَال
ويصرُخُ مَن باليَمينِ، فيُرجِعُ صداه من بالشِّمال..
يقولُ قائلُها للسحابةِ، وقد أظَلَّتهُ: أمطري أنَّى شئتِ، فخراجُكِ سيأتيني بإذن الله.
أعدَاؤها تحتَ أقدامِها، ذِلَّةً وانكسارًا، استكانةً وصغارًا.
خيارٌ واحِدٌ، ويا لهُ من خيار!
إسلامٌ أو جِزيَةٌ أو الصارِمُ البتَّار!
فمن قاتَلَ.. قُتِلَ
ومن أسلَمَ.. سَلِمَ
ومن سَالَم سَلَّمَ الجزيةَ عن يدٍ, وهو صاغرٌ ذليل.
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}
بمعابِدِ الإفرنجِ كان أذاننا قبل الكتائبِ يفتحُ الأمصاراً
لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجدَاتِنا والأرضُ تقذِفُ ناراً
كنا نُقدِّمُ للسيوف صدورَنا لم تخشَ يوماً غاشماً جبَّاراً
ندعو جِهاراً لا إلهَ سوى الذي صنعَ الوجودَ وقدَّرَ الأقدارا
ورؤوسَنا ياربِّ فوقَ أكُفِّنا نرجو ثوابَكَ مغنماً وجِواراً
كنا نرى الأصنامَ من ذهبٍ, فنهدِمُها ونهدمُ فوقَها الكفارا
لو كان غيرَ المسلمينَ لحازَها كنزاً وصاغَ الحُليَ والدِّينارا
أُ مَّةٌ يعدو عِلجٌ من علوجِ الكفارِ على امرأةٍ, مؤمنة منها، فيكشِفُ سوأتها، فتصرخُ في مسمعِ الدنيا، بصوتِ المفجوعةِ: وامعتصماه!
فتدوي الدنيا برجع صداه.
فيسري الخبرُ فوق كلِّ رابيةٍ, وتحتَ كلِّ منحدر، حتى يكونَ مُستقرٌّه ديوانُ المعتصمِ:
فيعتصمُ المعتصمُ بالله، ويقول: لبيكِ يا أختاهُ!
لبيكِ. لبيكِ.. ها أنا سائرٌ بجيشي إليكِ.
فيسيرُ بجيشهِ العرمرم، فما مرَّ بمدينة إلا وفَتَحها، ولا كتيبةٍ, إلاَّ ودكدكَها، ولا معاقلَ إلاَّ واقتحَمَها.. {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. إن في هذا لبلاغاً لقومٍ, عابدين}.
فيعودُ العلجُ عبداً لها، ورقيقاً عندها..
ونحنُ قومٌ أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلَّنا الله.
مَلكنَا هذه الدنيا القرُونا وأخضَعَها جُدودٌ خالدونا
وسَطَّرنا صحائف مِن ضياءٍ, فما نَسِيَ الزمانُ ولا نَسينَا
وما فَتِىء الزمانُ يدورُ حتى مضى بالمجدِ قومٌ آخرونا
وأصبَح لا يُرى في الرَّكبِ قومي وقد عاشوا أئمَّتَهُ سِنينا
وآلمني وآلم كُلَّ حُرٍّ, سؤالُ الدهرِ: أينَ المسلمونا؟!
وانطوت تلك الأيام. وجاء عامٌ يتبعه عام..
ومضت بنا الأيامُ ليلٌ حالكٌ يسطو وفجرٌ ضاحِكٌ يتَجَهَّمُ
ومضت بنا الأيامُ بيتُ رذيلةٍ, يُبنى وبيتُ فضيلةٍ, يَتهدَّمُ
ومضت بنا الأيام مركبُ حسرةٍ, ينجو وزورقُ فرحةٍ, يتحطَّمُ
ومضت بنا الأيامُ موكبُ عَزمِنا متوقِّفٌ وعدوٌّنا يتقدَّمُ
حتَّى غدونا نسمعُ صرخاتِ أخواتنا تنادينا.. تهتفُ فينا.. تُذكِّرُنا بأمجادِ ماضينا.. واإسلاماه!
كم يستَغيثُ بِنا المُستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتزٌّ إنسان
يا من لِذلَّةِ قومٍ, بعد عزِّهم أحال حالَهمُ جَورٌ وطغيان
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم واليومَ هم في بلاد الكفرِ عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهمُ في ثياب الذٌّلِّ ألوان
ولو رأيت بُكاهم عند قتلهم لهالَكَ الأمرُ واستَهوتكَ أحزانُ
يارُبَّ أُمٍّ, وطفلٍ, حِيل بينهما كما تُفرَّقُ أرواحٌ وأبدان
وطفلةٍ, مثلَ حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقوتٌ ومَرجان
يقُودُها العِلج للمكرُوه مُكرهَةً والعين باكيةٌ والقلب حيران
لمثل هذا يَذُوب القلبُ من كمدٍ, إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
في كلِّ أرضٍ, وتحتَ كلِّ سماء.. نداءٌ وأيٌّ نداء!
صرخة يتبعها رجاء..
ولكن.. قلَّ النصيرُ وعزَّ الظهير!
فعذراً أيتها الأخوات المسلمات.. لقد غاب المعتصم عنا ومات!
رُبَّ وا معتصماه انطلقت ملءَ أفواه الصبايا اليتم
صادفت أسماعنا لكنها لم تصادف نخوة المعتصم
كُنَّا.. فكأننا ما كُنَّا..
هجرنا مصدَرَ عِزِّنا.. فَهُنَّا!
واليوم.. آهٍ, من اليوم!
دمُ المصلينَ في المحرابِ ينهمرُ والمستغيثون لا رجعٌ ولا أثرُ
يا أمَّة الحقِّ ماذا بعدُ هل قُتِلَت فينا المروءات واستشرى بنا الخور
أما لنا بعد هذا الذٌّل معتصمٌ؟ يجيبُ صرخة مظلومٍ, وينتصرُ
أما لنا من صلاحِ الدين يُعتِقنا فقد تكالب في استعبادنا الغجر!
الأمةُ في ذيلِ القافلةِ ذليلةٌ.. ثرواتُها منهوبةٌ، كرامتُها مسلوبة، أرضها مغلوبة، أعراضها مغصوبة، دماؤها مسكوبةٌ..
كانَ الكونُ مسرَحَها.. فأصبحت تتوارى في زواياه
كم صرَّفتنا يدٌ كنا نُصرِّفُها وباتَ يملكنا شعبٌ ملكناه
{وتلك الأيام نداولها بين الناس}
فما اقبح أن تُصبح في الذيل وقد كنت أنت الرأس!
فأين طوق النجاة؟! وما سبيل الخلاص؟!
يا سائلي عن سؤال طالما طُرحا!
يا باحثاً عن دواءٍ, لقلبٍ, طالما جُرحا!
إليك.. إليك
فها هو الحلٌّ بين يديك!
إنه في المنهجِ الـمُشرِق، والمنبع المتدفِّق.. كتابِ الله وسنَّةِ الحبيبِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول: \" تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلوا بعدي أبداًº كتابَ الله وسُنَّتي \"
من صخرة الآلام ينبت فجرنا ومن الفجيعة تُشرق الأمجادُ
مطر العقيدة سوف يجرف إفكهم كل الأصابع تحتهن زناد
جيل تحركه العقيدة مترع بالكبرياء وسيفه استشهادُ
يمضي على درب الشهادة مؤمناً إن الحياة عقيدة وجهاد
لا بد للظلام أن ينجلي، وللغمام أن ينقشع
لا بد من فجر النصر، كيما يطرد عنا كدرة الليل القاتم.. فالنصر قادم.. النصر قادم. [بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون]
فلا تيأسوا، ولا تبأسوا، فأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين
المنصورون إن كنتم صادقين
الفائزون إن كنتم صابرين
الأمة التي لا تعي دورها.. لا يمكن أن يكون لها دور..
والأمة التي لا تعرف طعم الريادة.. لن تستلم زمام القيادة
والأمة التي ترضى بالدون.. تهون.
فهي قضية أن نكون أو لا نكون
[ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون..] متى يا مسلمون؟! [إن كنتم مؤمنين]
فهل فهمتم الدور يا من عليهم دائرة المكر تدور؟!
فقُومُوا، وقوِّمُوا، وقاومُوا، وأقيموا دولة الإسلام في قلوبكم قبل أن تقام على أرضكم..
فالعقبى لكم، لو كنتم تعقلون!
[يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون]..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد