بسم الله الرحمن الرحيم
نفى المفكر الإسلامي الشيخ الدكتور صلاح الصاوي الأمين العام لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا - أن تكون الأمة الإسلامية تعيش في حالة \"أزمة\" جراء التقلص في أعداد العلماء الموسوعيين من أصحاب \"الكاريزما\" العالية في أوساط المجتمعات، وقال: إن في العالم الإسلامي الآن مجموعة كبيرة من العلماء الأكفاء، غير أن الشيخ الصاوي أقرّ بخسارة الأمة لجيل من العلماء يصعب تعويضهم.
وشدّد الشيخ صلاح الصاوي على ضرورة المزج بين \"خبرة الخبراء وفقه الفقهاء\" للخروج برأي سديد حول المستجدات والنوازل الحديثة، معتبراً أن قيام مرجعية علمية تضم نخبة من العلماء المعاصرين هو من \"الواجبات\"...
وهذا هو الجزء الثاني والأخير من هذا الحوار
*ما موقفكم من تزايد المجامع الفقهية وتعددها، وهل أنتم تؤيدون التوسع في إنشاء المجامع الفقهيّة؟
نؤيد ذلك على أن تنشأ هيئة عليا للتنسيق بين قراراتها على النحو الذي يجري في هيئات الرقابة الشرعية داخل المصارف الإسلامية المعاصرةº منعاً للتضارب والالتباس.
*بصفتكم أميناً عاما لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، لماذا أُنشئ المجمع؟
أنشئ المجمع لتحقيق جملة من المقاصد والغايات نذكر منها:
- إصدار الفتاوى فيما يعرض عليه من قضايا ونوازل لبيان حكم الشريعة فيها.
- وضع خطة لإعداد البحوث والدراسات الشرعية التي تتعلق بأوضاع المسلمين في المجتمع الأمريكي، وما يجد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية التي تواجههم في هذا المجتمع، وبيان الحلول الفقهية المناسبة لها، والإشراف على تنفيذها.
- دراسة وتحليل ما يُنشر عن الإسلام والتراث الإسلامي في وسائل الإعلام، وتقويمه للانتفاع بما فيه من رأي صحيح، أو تعقّب ما فيه من أخطاء بالتصحيح والرد.
- معاونة المؤسسات المالية الإسلامية بإعداد البحوث والدراسات، وابتكار صيغ التمويل وعقود الاستثمار، وتقديم ما تطلبه من الفتاوى والاستشارات، وتدريب كوادرها على ذلك.
- إقامة دورات تدريبية لأئمة ومديري المراكز الإسلامية في مختلف المجالات الفقهية كقضايا الأسرة والقضايا المالية وقضايا التحكيم الشرعي وغيرها.
- دعم التعاون بين المجمع والهيئات والمجامع الفقهية الأخرى للوصول إلى ما يشبه الإجماع الكوني على الملزم من قضايا الأمة وثوابتها.
- معالجة قضية المواطنة، وما تفرضه من حقوق وواجبات على المسلمين الذين يتمتعون بحق المواطنة في الغرب.
- دعم أنشطة لجان التحكيم الشرعية التي تقيمها الجاليات الإسلامية في البلاد الغربية، ومراجعة ما ترفعه إليه من قرارات وتوصيات، وإعداد تقنين ميسر للأحكام الفقهية في أبواب الأسرة والمعاملات المالية يكون مرجعاً لجهات التحكيم الناشئة في الغرب.
- إنشاء صندوق المجمع للزكاة والتكافل الاجتماعي في حدود ما تسمح به القوانين والنظم، والحصول على موافقة الجهات المختصة على ذلك.
*متى تأسس المجمع؟ وهل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر دور في قيامه أو تغيير آلية عمله؟
تأسس المجمع في أكتوبر عام 2002، وكان مؤتمره التأسيسي في واشنطن الكبرى، ولا شك أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أوجدته من تراجعات منهجية واختلالات عقدية وفقهية في بعض المواقع ضاعف من الدور المنوط بالمجمع، وأكد على ضرورة مرابطته على مواقع الحراسة للدين والمحافظة على الثوابت والمحكمات.
* سؤال غالباً ما يتكرر وهو كيف يفتي لأمريكا من ليس له اتصال بالواقع الأمريكي؟
توجد بالمجمع لجنة دائمة للإفتاء وهي مقيمة داخل الولايات المتحدة، وتتولى الرد على القضايا اليومية التي ترد إلى المجمع، وتصدر قرارها في ذلك بالأغلبيةº فإن أشكل عليها أمر رفعته إلى مستشاري الإفتاء، وهم وإن كانوا متفرقين في بلدان عديدة ولكن ذلك يتم من خلال (الإيميل)، وموقع المجمع على الإنترنتº الذي يتيح التواصل بسلاسة رغم التفرّق في الأقطار والقارات .
* ما أهم خصوصيات المجمع، وما أبرز ثوابته الإدارية؟
o التخصص، فكل أعضائه من حملة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية.
o الحيادية، فهذا المجمع ملك للأمة، ومشترك علمي عام يلتقي عليه العاملون لدين الله في مشرق أو مغرب، بعيداً عن التكتلات الحزبية أو التجمعات التنظيمية المعاصرة.
o ترسيم آلية مستقرة تحقق الجمع بين العلم بالشرع والدراية بالواقع، فبالإضافة إلى الفقهاء يوجد بالمجمع عدد من الخبراء لا يقل عددهم عن الفقهاء، وهؤلاء يمكنون الفقهاء من الرؤية المستبصرة والفاحصة للواقع الذي تطبق عليه الفتوىº لأن الفتوى كما يقول أهل العلم: معرفة الواجب في الواقع. إن المجامع الفقهية في العالم تدرس قضايا طبية مثلاً- كزرع الأعضاء، والتلقيح الصناعي، والاستنساخ البشري ونحوه، ولم يقل أحد إنه لابد أن يكون الفقيه طبيباً حتى يتسنى له الإفتاء في هذه القضايا. وإنما يكفي التعرف على تفاصيل هذه القضايا من خلال من ينتسبون إلى هذه المجامع من الخبراء، وإن كانوا لا يشاركون في التصويت عند اتخاذ القرار الفقهي.
o وهؤلاء الخبراء منهم من يحملون الخبرة الفنية كالاقتصاديين والقانونيين والسياسيين والإعلاميين والجيولوجيين والأطباء وغيرهم، ومنهم يحملون من الخبرة العملية الميدانية كأئمة ومديري المراكز الإسلامية، أو من يعملون في المؤسسات الإسلامية المالية أو الإعلامية ونحوها.
*ما أهم إنجازات المجمع في هذه الفترة القصيرة التي مضت على تأسيسه؟
الإنجازات كثيرة ولله- الحمد نذكر منها:
أولاً: على صعيد تأسيس المجمع وتوطينه القانوني
- استكمال التوطين القانوني للمجمع على الساحة الأمريكية وفقه الأنظمة السائدة.
- الحصول على عضوية المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة ومقره جمهورية مصر العربية.
- افتتاح مكتب للمجمع بالقاهرة في المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، وتجهيزه فنياً بما يتيح التواصل مع خبراء المجمع وأعضائه حيثما كانوا
- تجهيز موقع للمجمع على الإنترنت (amjaonline.org)
ثانياً: على الصعيد الفقهي والأكاديمي
وقد عمل المجمع على تحقيق أهدافه على محاور: فقهية وبحثية وأكاديمية.
أولاً: على الصعيد الفقهي
أ- الإفتاء
•الاتصال بالخبراء لاستقراء النوازل الشائعة في أوساطهم، والكتابة حولها إلى المجمع لتنظرها لجنته الدائمة للإفتاء، ليكون هذا نواة الموسوعة الفقهية للمغتربين
•الاتصال بلفيف من العاملين في السجون الأمريكية للكتابة إلى المجمع حول أهم النوازل الشائعة في السجونº ليكون هذا نواة الموسوعة الفقهية للمسجونين.
• ترتيب خطين للفتوى: أحدهما تُستقبل من خلاله أسئلة المستفتين: من الأئمة والخطباء، والآخر لاستقبال أسئلة المستفتين من العامة.
ب: الدورات والمحاضرات
•عقد المجمع دورته التدريبية الأولى لأئمة ومديري المراكز الإسلامية، بسكرمنتو بولاية كاليفورنيا تحت عنوان \"نوازل الأسرة المسلمة في المجتمع الأمريكي\"، وقد حضرها ما يزيد على ثلاثين إماماً، وانتهت الدورة إلى سلسلة من التوصيات المهمة، رُفعت فيما بعد إلى المؤتمر الثاني السنوي للمجمع، وضمنها المجمع ضمن قراراته الصادرة عنه.
•عقد المجمع دورته التدريبية الثانية في سكرمنتو بولاية كاليفورنيا كذلك تحت عنوان \"استثمار الأموال في الإسلام\"، وقد حضرها ما يزيد على أربعين إماماً، وحاضر فيها من الإمارات رئيس المجمع فضيلة الأستاذ الدكتور حسين حامد حسان على مدى يومين متتاليين ولمدة تزيد على اثنتي عشرة ساعة بوساطة تقنية (الفيديو كونفرنس)، كما حاضر فيها من الرياض كل من فضيلة الدكتور يوسف الشبيلي عضو المجمع، وفضيلة الدكتور سعد الشثري عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية من خلال نفس التقنية، وحاضر فيها مباشرة كل من فضيلة الدكتور صلاح الصاوي، وفضيلة الدكتور معن القضاة، وفضيلة الشيخ وليد منيسي، وقد تبني المؤتمر الثالث للمجمع جل هذه التوصيات.
• ويرتب المجمع الآن لعقد دورة في فلوريدا وأخرى في هيوستن في ديسمبر القادم -بإذن الله- وسوف يوجه الدعوة كما -هي العادة- إلى خمسين إماماً من مختلف المناطق.
•عقد المجمع أربع دورات فقهية معتمدة بالتعاون مع الجامعة الأمريكية المفتوحة: اثنتان منها في كاليفورنيا.
الأولى: حول فقه العلاقات الدولية في الإسلام.
والثانية: حول فقه الأسرة في الشريعة الإسلامية.
والثالثة: في هيوستن حول فقه الزكاة.
والرابعة: في ميرلاند حول فقه المواريث في الشريعة الإسلامية.
•عقد المجمع عشرات الندوات الدعوية والفقهية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وكان لها أطيب الأثر في ضبط مسار الفتوى، والرد على طرفي الغلو والتفريط.
ثانياً: على صعيد البحوث والدراسات
أ- البحوث والدراسات باللغة العربية
• طباعة عشرين إصداراً ضمن \"سلسة إصدارات المجمع\" باللغة العربية، وهي:
•الشروع في سلسلة \"قرارات المجامع الفقهية\"، وتجهيز إصدارين من هذه السلسلة باللغتين العربية والإنجليزية، وهما:
•القرارات المالية للمجامع الفقهية.
•القرارات الطبية للمجامع الفقهية.
إذ تم جمع معظم قرارات المجامع الفقهية المعتبرة عند مجموع الأمة، المتعلقة بهذين الأمرين وتصنيفها وترجمتها ووضعها في تصميم رفيع المستوى وتجهيزها للطباعة.
ب- البحوث والدراسات باللغة الإنجليزية
• طباعة إصدار واحد ضمن (AMJA Series) باللغة الإنجليزية وهو: Banking and Interest)).
• ترجمة كتاب الاستثمار الإسلامي صيغه وطرق تمويله، وهو حالياً تحت الطبع.
•ترجمة كل من القرارات المالية للمجامع الفقهية والقرارات الطبية للمجامع الفقهية.
• ترجمة الأسئلة المتعلقة بالمساجين وأجوبة المجمع عنها.
ثالثاً: على الصعيد الأكاديمي
أسهم المجمع في تأسيس (أكاديمية الشريعة في أمريكا) وذلك بولاية فلوريدا وتابع استكمال بنائها الإداري والأكاديمي، وقد باشرت نشاطها الأكاديمي منذ مطلع فبراير 2005، وهي الآن في فصلها لدراسي الثاني والحمد لله.
وأكاديمية الشريعة مشروع تعليم واعد يشرف عليها نخبة من الأساتذة المتخصصين في علوم الشريعة، و تسعى إلى تقديم مقررات دراسية حرة ومعتمدة في قضايا الفقه والأصول، بالإضافة إلى برامج أكاديمية متكاملة تنتهي بتحصيل الطالب لدرجة جامعية في الشريعة بالتعاون مع المؤسسات التعليمية المحلية والعالمية.
وتتميز الدراسة في الأكاديمية بقيامها على المشافهة والتلقي المباشر، بصفته الوسيلة المثـلى لتـلقي العلم الشرعي بإجماع الأمة، وذلك من خلال:
•التعليم المباشر داخل قاعات المحاضرات من خلال أساتذة الأكاديمية الموجودين محلياً على الساحة الأمريكية.
•التعليم المباشر داخل قاعات المحاضرات من خلال تقنيات (الفيديو كونفرنسينج) حيث تنقل المحاضرات صوتاً وصورة إلى الدارسين، ويستطيعون الحوار المباشر مع المحاضرين صوتاً وصورة كذلك بمستوى متميز من وضوح الصوت والصورة على النحو الذي يحدث في القنوات الفضائية، وذلك للاستفادة من الخبرات الأكاديمية المتميزة للأساتذة في مختلف بلدان العالم.
رابعاً: على الصعيد التقني: مشروع (علماء بلا حدود)
وهو برنامج واعد طموح يوظف التقنية المتقدمة في عالم الاتصالات (الفيديو كونفرنس) لخدمة العلم الشرعي على أوسع مدى ممكن، ويتجاوز به الحدود الجغرافية والسياسية والإقليمية مع المحافظة على التواصل الحي والمتجدد بين المحاضر والمستمعين أينما كانوا! فهو تواصل حي مباشر يختزل الزمان والمكان ويوفر الجهود والنفقات مع المحافظة على كل أو جل مميزات التعليم المباشر الذي يجمع فيه الدارس والمدرس قاعة محاضرات واحدة، والدعوة المباشرة التي يجتمع فيها الدعاة والمدعوون في مكان واحد.
ومن مزايا هذا المشروع:
تدويل العلم الشرعي، ونقله إلى كل مكان تتوفر فيه هذه التجهيزات، وما أيسرها بالنسبة للمراكز الإسلامية في الغرب.
تيسير المحاضرات واللقاءات الدعوية العامة الأسبوعية والشهرية، إذ يقوم هذا الأسلوب بديلاً عن سفر المحاضرين، وما يتضمنه من تحمل نفقات وأعباء السفر مادية كانت أو غير مادية، بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من تيسير التواصل مع المحاضرين عبر العالم.
توثيق العلاقة بين المراكز الإسلامية المختلفة التي تتعاون فيما بينها على إقامة هذا المشروع.
توفير النفقات والجهود، فالمحاضرة الواحدة يمكن أن تُبث في نفس الوقت إلى عدد من المراكز الإسلامية.
ولقد تم الاتصال بعدد كبير من الشركات التي تُعنى بتوفير هذه الخدمة في الغرب وأُجريت تجارب عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها وأصبح لدى القائمين على المجمع تصور دقيق ومفصّل لأنسب هذه العروض وأكثرها ملاءمة لظروف المجمع وطموحاتها المستقبلية، كما تم تزويد مكتب المجمع بالقاهرة بمحطة متكاملة للبث من خلال هذه التقنية، وقد استخدمت هذه المحطة بالفعل في بث عشرات المحاضرات في مختلف أنحاء الولايات الأمريكية، كما استخدمت في مناقشة رسالة دكتوراه لأحد طلاب الجامعة الأمريكية المفتوحة، حيث كان ثلاثة من أعضاء هذه اللجنة في مصر وتم مناقشة الطالب خلال مؤتمر الدعوة السنوي المنعقد في هيوستن.
* ما هي المسائل والقضايا التي يتميز بها الواقع الأمريكي عن غيره في قضايا فقه الأقليات؟
الواقع الأمريكي كغيره من بقية دول الغرب له خصوصية من حيث الزمان والمكان والمخاطبين والإلزام القانوني ونحوه، فهم يعيشون في غربة الزمان فهذه هي الغربة الثانية للإسلام وهي أشد وطأة من الغربة الأولى، وربما أكثر إيلاماً، وهم يعيشون غربة المكان بإقامتهم خارج ديار الإسلام في لجج من الفتن تئن فيها الرياح، وهم يعيشون داخل ترسانة من القوانين والتشريعات تنظم كل شيء، وتقنن كل شيء، ولا سبيل إلى الفكاك من هذه النظم ولا إلى التفلت من قبضتها، وقد أفرز هذا الواقع جملة من القضايا الجديدة التي لا عهد للأمة بها من قبل أو كان لها في تاريخها طابع الندرة ولم تنتشر بمثل هذا الانتشار، وهذا يقتضي تفعيل الأصول الاجتهادية المتعلقة بفقه الأحوال الاستثنائية كقواعد الضرورات، والحاجات التي تنزل منزلة الضرورات، وعموم البلوى، ورفع الحرج، والمشقة تجلب التيسير، وتغيّر الفتوى بتغيّر الزمان والمكان والأحوال.. الخ، وهي تملك مخزوناً اجتهادياً هائلاً يستوعب كل متغيرات هذه المجتمعات وتنبثق منه حلول فقهية ناضجة لمشكلات أبنائها.
* هل للمجمع تعاون مع منظمات فقهية تعمل في الإطار نفسه سواء في أمريكا أو أوروبا؟
المجمع يسعده ذلك بل جعله من جملة أهدافه ومبادئه في وثيقة تأسيسه، وهو يتخذ ما يتسنى له من الخطوات في هذا الصدد، ونرجو أن يحمل المستقبل الكثير من الإنجازات على هذا المحور بإذن الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد