بسم الله الرحمن الرحيم
أسئلة مقدمة من مجلة: صدى الريادة التابعة لمؤسسة الريادة للتنمية الاجتماعية والثقافية على الشيخ: عبد المجيد الريمي الهتاري.
السؤال الأول:
يتساءل البعض في الآونة الأخيرة ـ حتى من داخل الصف السلفي نفسه ـ عن سبب غياب دور السلفيين في اليمن عن المشهد السياسي، باعتباركم أحد الدعاة السلفيين كيف تجيبون على هذا التساؤل؟ !
الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
أولا: نرحب بهذه المجلة الجديدة وهي صدى الريادة والتي نرجو من الله أن يوفق القائمين عليها إلى طرق المواضيع الشرعية التي يحتاجها الناس كما نرجو لها التوفيق والثبات والحفاظ على الأصالة الشرعية ودوام إفادة الناس بما ينفعهم.
وبالنسبة للجواب على سؤالكم المذكور فأقول ـ وهو رأي شخصي لي لا أعبر فيه عن رأي أحد سواي ولا ألزم به أحدا ـ المشهد السياسي المعاصر في كل بقاع الأرض قائم على رؤى ومناهج فيها الكثير من المفاسد الفكرية والسلوكية التي لا تتفق مع المنهج السلفي وعلى وجه الخصوص مع المنهج السياسي السلفي القائم على إخضاع جوانب السياسة للنصوص الشرعية والقواعد الإيمانية فمثلا النظام الديمقراطي يقوم على تحكيم الجماهير وسيادة الشعوب ويقوم كذلك على السماح بالأحزاب التي لها عقائد وأفكار علمانية ويحتكمون إلى الأكثرية ـ وهي مذمومة شرعا عند المخالفة للنص الشرعي ـ وهذه الرؤية تصطدم مع طبيعة المنهج السلفي ومن المعلوم استفاضة مخالفة تلك الأحزاب للنصوص الشرعية سواء ما كان منها في منهجية التعامل فيما بينها أوفي مرجعية النزاع الذي ينشب بينها مثل الرجوع إلى القوانين الوضعية أو إلى الأكثرية الغوغائية ولا يلتفتون إلى موافقة الشرع و ضوابطه التي يجب أن تتوفر في الشخص الذي يتولى مسؤولية من المسؤوليات سواء كانت في الحكم أو في الفتوى أو في أي مجال من المجالات.
ولو أراد السلفيون الدخول في هذه المجالات فإن النظم والقوانين التي ترتب هذا العمل السياسي بين الأحزاب ستـلـزمهم بأمور تتنافى مع اعتقادهم السلفي المبارك مثل إلزامهم بالرضى بحكم الأكثرية كيفما كانت وتلزمهم بالاعتراف بالأحزاب والتسليم بوجودها وشرعيتها والعلم الضروري الشرعي حاصل بتحريم الاختلاف و التفرق إلى أحزاب وفئات وفرق يعادي بعضها بعضا ويعمل بعضها ضد بعض وكذلك ستـلزمهم تلك القوانين بعدم تكفير من يستحق التكفير شرعا أيا كان والتكفير حكم شرعي لا يجوز إلغاؤه أو التنازل عنه وكذلك ستـلزمهم بالرضى بنتائج الانتخابات وقد ينتج عنها أن يتولى من لا يستحق الولاية الشرعية لكونه مرتدا أو فاسقا أو خائنا لدينه يوالي أعداء الله من اليهود والنصارى أو لكونه يعطل شريعة الله ويجمد العمل بها ولو كان يرفعها شعارا ودعاية أو لغير ذلك من الأمور.
فإن قيل: فهذا يستدعي المشاركة لدفع هذه الأمور قيل: هذا المنهج الفاسد يحتاج فيه إلى الأكثرية حتى تكون تلك الأكثرية فاعلة ومؤثرة والأكثرية غير مقدور عليها بالنسبة للسلفيين هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التسليم بأصل باطل والعمل به يضعف الموقف الشرعي وسيـلزمونك بالحكم بذلك الأصل الباطل لك وعليك فمثلا ليس لك حق أن تقبل الأكثرية كمبدأ إذا كانت لك فقط فإذا كانت لغيرك رفضتها وإن سلمت بالأكثرية كيفما كانت لك وعليك ولو في مخالفة شرع الله فلست سلفيا بل ولا ملتزما بالإسلام رؤية ومنهجا.
ولو قيل ما المانع من الدخول ولو لتخفيف الفساد وتخفيف الفساد مقصد شرعي فإن الشريعة تشجع على دفع الأفسد فالأفسد وجلب الأصلح فالأصلح.
قيل: هذا المنهج الديمقراطي الغربي هو فساد راجح لما يوجد فيه من المفاسد العقدية والفكرية والأخلاقية والصلاح لا يطلب من طريقٍ, الفساد فيه أعظم وهذا الطريق لا يزال كل يوم يكشف عن نفسه أنه أبعد ما يكون عن تحقيق المصالح الشرعية ودرأ المفاسد الدينية والدنيوية.
فإن قيل هذا تحامل وتهور والمسألة ظنية إذ من المحتمل أن تتحقق المصالح وأن تدرأ المفاسد وليس مستحيلا فالمنع من ذلك تحكم.
قيل: كان ماذا لو نجح من سلك هذا الطريق؟ فإن الحكم على الأشياء مرجعه الشرع وليس التجارب البشرية ونجاحها وفشلها، ولو كان النجاح والفشل هو المقياس لحكمنا بهداية هذه الأحزاب والأنظمة التي دائما تنجح إما بانتخابات وإما بانقلابات وأيضا: النجاح في الوصول ليس هو المطلوب بل المطلوب هو أن يحكم من وصل من الدعاة إلى الله بشرع الله إذ ليس وصوله في حد ذاته هو الهدف فإذا حكم بغير ذلك ـ كما هو حال من وصل من هؤلاء فإنه يكون محترما ومعظما لتلك القوانين أعظم من سواهم من الأحزاب العلمانية! ـ فما فائدة وصوله؟ وأيضا إذا كانت المسألة ظنية النجاح والفشل فتعقل السلفيين وتبينهم وعدم تهورهم في ارتكاب مفاسد دينية وتنازلات مبدئية هو عين العقل لأنه لا يجوز شرعا ارتكاب مفاسد واقعة وراجحة من أجل احتمال نجاحات مظنونة متوقعة لا يدرى هل ستتم أم لا.
وأيضا: أقصى ما يمكن أن يقال في حال نجاح من اختار هذا الطريق وحكم بشر ع الله وانتهت على يديه الجاهلية أنه كان أفقه في التعامل مع تزاحم المصالح والمفاسد ممن تورع عن خوض هذا الميدان واختار عدم ارتكاب مفاسد محققة يقينية لاحتمال أن ينجح في تحقيق مصالح مظنونة وذلك كله من موارد الاجتهاد المحمود سوء من تقدم أو من أحجم أم إن وصل وحكم بتلك القوانين نفسها التي كان يسعى إلى القضاء عليها فهذا مبتلى لا يغبط على ما وصل إليه بل نعوذ بالله من حاله.
ثم يقال: العمل السياسي المعاصر في ظل تلك الأوضاع لو سلم مشروعيته وجوازه لهؤلاء فهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين فالذين دخلوا فيه من الجماعات الأخرى فيهم الكفاية إن شاء الله فإن نجحوا فالحمد لله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وإن لم ينجحوا فليس من العقل أن نسعى كلنا إلى الفشل.
فإن قيل: لماذا لا ندخل في هذا المجال من أجل إقامة الحجة وإسماع صوت السلفيين.
قيل الحجة في هذا المنهج الفاسد ليست الدلائل الشرعية بل هي الأكثرية فإن كانت الدلائل الشرعية مع هذا الوضع نافعة فقد قام بها من هم أفضل منا من أمثال الشيخ العمراني والديلمي والصادق والرقيحي وغيرهم من مشائخ الإصلاح وعلمائه وغير الإصلاح فقد كفونا المؤنة وأقاموا الحجة وبينوا المحجة فالزيادة في تلك المجالس على ما قالوه جدل وعبث لا فائدة من ورائه وقد قال - تعالى -: فذكر إن نفعت الذكرى.
وإن كانت الحجة هي الأغلبية والأكثرية فالوسيلة إذا هي سلوك طريق المغالبة وأتباع هذا المنهج السلفي ـ وعلى مر التاريخ ما عدا القرون المفضلة ـ هم الأقل بين الطوائف والأحزاب والفرق وهذه حقيقة تاريخية لا ينازع فيها أحد فمن أراد الأكثرية فعليه أن يتخلى عن هذا المنهج القائم على الولاء والبراء والتضليل والتبديع لمن يخالف في أصل من أصول أهل السنة والجماعة ويلتحق بالمناهج المنفتحة وأصحاب الرأي والرأي الآخر.
بل أقول ولماذا يتعب السلفيون أنفسهم ويكلفونها حزبا جديدا وقد علم مقدار تكاليفه وتبعاته ماديا ومنهجيا وخاصة في ظل أوضاع المحاصرة والمضايقة وتجفيف المنابع وها هو الإصلاح بكافة مؤسساته ورجاله من مختلف التخصصات والخبرات والتجارب قادر على استيعاب كل من يرغب في الانضمام إليه أفرادا ومؤسسات.
فمن أراد العمل السياسي الديمقراطي من السلفيين فالنصيحة له أن ينضم إلى هذا التجمع العريق والمليء بالعقول والشخصيات لأنه ماذا عسى أن يأتي السلفيون في هذا المجال بأحسن مما جاء به هذا الحزب ورجاله من مفاهيم ديمقراطية ومن قواعد لهذه اللعبة التي لا يحسنها السلفيون وحين يختار أحد من السلفيين الطريق الديمقراطي فإن الفوارق الفكرية والمنهجية ستنتهي بينه وبين منهج الإصلاح فليس له حق بعد ذلك ولا مبرر شرعي أن يفرق الجمع ويشتت الجهود لأن خلاف من خالفهم لم يكن مقصودا لذاته أي لأجل المخالفة وإنما كان بسبب وقوع تلك المخالفات في نظره فإذا اشترك الجميع في تلك المخالفات فالمفارقة لا مبرر لها وصاحبها مذموم لشقه الصف.
والسلفيون وعلى مر التاريخ بينهم وبين الفرق الإسلامية من المتكلمين وأهل التصوف والتشيع خلاف ونزاع ومفارقة وولاء وبراء فكيف سيكون حالهم أيضا إذا انضم إلى هذه الفرق فرق الأحزاب العلمانية بكافة ألوانها إضافة إلى العقد التي عند الإخوان المسلمين منهم حين يزاحمونهم بالرؤى السياسية والأنشطة الانتخابية والمنافسات الحزبية وخاصة أن كثيرا من الإخوان يعتبرون السلفيين جماعات انشقاق وجيوب نزاع ومشاغبة وأنهم في نزاع دائم مع الأحياء والأموات وفي حين يعتبر الإخوان أنفسهم أنهم هم الجماعة الأم والأسبق وأنهم يمثلون المنهج الوسط والمناسب للإسلام المعاصر وأنهم هم الأحق بالصدارة في كل موقف حتى إنه لينطبق عليهم قول الشاعر:
لنا الصدر بين العالمين أو القبر.
فهل السلفيون قادرون على الدخول في صراع حزبي سياسي مع هذه الفرق كلها ولو قلنا على السلفيين أن يكونوا أذكياء وأن يعتمدوا على الجماهير بعد الله فهناك إشكالية كبيرة في سياسة العامة وكيفية التعامل معهم لأن الكثير منهم إلا من رحم الله ينطلقون من منطلق تحقيق مصالحهم الدنيوية اليومية وغيرها ولا يستطيع المنهج السلفي أن يلتزم لهم بها وهو في هذه الحال من الغربة وقلة اليد وقلة المساعد وشدة التضييق وخاصة أن السلفيين عاجزون عن تلبية احتياجات بعض المعدمين والفقراء الذين يترددون في كثير من الأحيان على جمعياتهم فلا يجدون قدرة على تلبيات تلك المطالب الصغيرة فما بالك بالعمل السياسي الجماهيري العريض بتكاليفه وتبعاته.
والسلفيون هم أكثر الناس تضررا بمشروع أمريكا وعملائها، المعروف بسياسة تجفيف المنابع فبتالي فالعامة إلا من شاء الله غير مستعدين للوقوف مع هذا المنهج بمفاهيمه ورؤاه مادام لا يحقق لهم هذه المصالح إلا من كان منهم من حملة هذا المنهج أو من مناصريه وهم قلة في كل زمان بالنسبة لكثرة غيرهم من التيارات والفرق كما سبق.
وقد يقال في جواب هذا الإشكال المذكور في السؤال ومن قال إن السلفيين غائبون عن المشهد السياسي؟ وذلك أن السياسة ليست وجها واحدا وبرنامجا وحيدا فالسلفيون يدعون إلى مفاهيم المنهج السلفي السياسي القائم على أصول الشريعة وقواعدها وهذا عمل سياسي ويدعون كذلك إلى التأسي بسيرة الخلفاء الراشدين السياسية تلك السيرة التي تختلف جذريا مع المنهج الديمقراطي حتى أن الأحزاب الديمقراطية في بلادنا تجرم من يدعوا إلى ذلك وتحرم مثل هذه الدعوات وتجعلها مخالفة للدستور وللنظام حيث يمنع قانون الأحزاب وميثاق الشرف بالنص الدعوة إلى أي نظام من تلك الأنظمة والتي يسميها البائدة.
فالسلفيون يقومون ببيان طبيعة السياسة الشرعية بمنطلقاتها العقدية والفكرية والأخلاقية ويبينون مدى مخالفة الأنظمة الديمقراطية لتلك السياسة ويدعون الناس إلى ضرورة الرجوع إلى منهج الخلافة الراشدة وتحكيم الشريعة في كل جوانب الحياة ومنها الجانب السياسي وهذا عمل سياسي مهم كما أنهم يشاركون إخوانهم الدعاة الآخرين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخاصة ما كان منه في الجانب السياسي وهذا عمل سياسي كما أنهم إذا سنحت لهم الفرصة باللقاء مع أي مسئول من القيادات العليا أو الدنيا في الدولة يقدمون النصح الخالص الذي يعرف هؤلاء المسئولون أنه لا يقصد به مصالح دنيوية أو منافسات حزبية وهذا عمل سياسي إلى أمور أخرى سياسية ليس المجال هنا حصرها.
وأخيرا هناك إشكال شرعي لازم على مذهب هؤلاء المنتقدين القائلين أين مشهدنا السياسي؟ سواء كانوا من إخواننا الذين دخلوا في المجال الديمقراطي السياسي كالإصلاح أو من الإخوة السلفيين الذين ذكر السائل أنهم أيضا يتساءلون من داخل الصف السلفي نفسه وهذا الإشكال مضمونه أن الإصلاحيين يرون أنهم عملوا على تثبيت هوية البلد الإسلامية بعد أن صارت هويتها علمانية بعد الوحدة وبالذات في الفترة التي سميت الانتقالية وكذا عملوا على أسلمة النظام والدستور وما تفرع عنه من القوانين بحيث أصبحت الشريعة هي المرجع الوحيد للتشريعات والقوانين كلها وعملوا على أسلمة الأحزاب وأسلمة الديمقراطية بما قاموا من تهذيب وتشذيب لها بحيث صار معناها ألآن يساوي معنى الشورى الإسلامية وكذالك اشترطوا عدم مخالفة الإسلام من قبل هذه الأحزاب واتفقوا معها على أن الإسلام عقيدة وشريعة.
إذا فعلى رأيهم هذا فقد انتهت العلمانية وأحزابها وأصبحت لا تشكل خطرا على الإسلام وصار جائزا عندهم شرعا لأي فرد من أفراد الأمة أن ينظم إلى أي حزب يريد من هذه الأحزاب ولن يكون قد أساء إلى الإسلام أو عمل ضده ولم يبق على رأيهم بعد هذا أي محذور شرعي من إفساح المجال لهذه الأحزاب كلها لتصل إلى السلطة وتحكم رقاب المسلمين و قد شبهوها بالمذاهب الأربعة التي لا ضير على من أراد أن يتمذهب بأي منها.
وبما أن الجميع يدعون انتماءهم إلى منهج أهل السنة والجماعة سواء من دخل أو من لم يدخل فهذا المنهج والحالة هذه يحرم عليهم منازعة الحكم والحاكمين ما لم ير الكفر البواح لأن أصل دخولهم في العمل السياسي هذا كان كما يقولون من أجل تحكيم الشريعة وجعلها مصدر القوانين كلها ودرأ هذه الأحزاب العلمانية عن الوصول إلى هذا المنصب الذي لا يجوز شرع أن تصل إليه فقد حصل تحكيم الشريعة وتابت هذه الأحزاب عن أفكارها على رأيهم فأصبحت المنازعة غير سائغة شرعا لأنه إنما أذن بها حين يكون الكفر البواح ظاهرا أما وقد انتهى فقد انتهى معه المبرر الشرعي ولم يبق إلا تقديم النصيحة لولاة الأمور وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بدون منازعة جمعا بين النصوص التي تأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الأمر في نفس الوقت بلزوم الطاعة والجماعة وأيضا من أجل مخالفة منهج المعتزلة الذين يجعلون الخروج وسفك الدماء ة وسيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم عند أهل السنة من المبتدعة.
فإن قالوا فقد ارتضى الحاكم بهذه المنازعة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة ومن خلال الاتفاق على تبادل السلطة سلميا قيل:
أولا: لا يمكن للسلفي أن يوافق على هذا التغيير والتبديل لشريعة الله وهدي رسول الله وخلفائه الراشدين وهدي الأئمة والخلفاء بعدهم حتى هذا العصر الذي استورد أهله هذا المنهج والأسلوب السياسي من المناهج الغربية فهذا النوع من الاتفاق يخالف السياسة الشرعية التي كان عليها الخلفاء الراشدون فكل خليفة منهم حكم حتى جاءه الموت وإذا كان من ولاه الله أمرنا يحكم بشرع الله ويطبق فينا العدل الرباني فما الموجب لخلعه اللهم إلا الرغبة في الدنيا والمزاحمة على المنصب وهو مطمع دنيوي إنما يناسب المجتمعات الغربية الجاهلية الديمقراطية المعاصرة التي تعتبره بحد ذاته حقا من حقوق أفراد ذلك المجتمع وتعتبره غاية وليس وسيلة لغيره كما في الإسلام فالمسلم يعتبر إزاحة من يحكم بشرع الله بدون سبب والإتيان بشخص آخر ـ الله أعلم ما يكون منه ـ عبثا وضياعا للمال والجهد والوقت وإزاحة للمصلحة الواقعة من أجل البحث عن المصلحة المشابهة والتي هي في عالم الغيب لا يدرى هل ستتم أم لا! بل هو فتح لباب الفوضى والنزاع السياسي.
وثانيا: إلى الآن لم يتم تبادل السلطة ولا يزال كل حزب يتشبث بها حتى آخر رمق لأن حب المناصب جبلة بشرية يصعب تغييرها وهذه الخصيصة السياسية الغربية الرأسمالية تشبه الخصيصة الأخرى التي كانت عند الشيوعية وهي منع التملك الفردي وكلا منهما خلاف الفطرة.
وثالثا: كل التجارب الماثلة أمامنا في هذا المنهج وبالذات في العالم العربي تنفي وقوع التبادل سلميا بل يقع فيها من سفك الدماء والقتل أحيانا والفوضى والجراحات الأليمة أحيانا أخر ما لا يقع في كثير من الانقلابات التي قد يسمونها بيضاء أو سوداء وهذا كاف في التنفير من هذا الأسلوب السياسي المستورد.
وهذه اللوازم إنما هي على رأيهم أما من يرى أن الدين والشريعة قول وعمل وأن الشعارات وحدها لا تكفي وأن الدين والعلمانية نقيضان لا يجتمعان فلا يلزمه شيء من هذا.
السؤال الثاني: لماذا لا يكون السلفيون حزبا سياسيا؟
الجواب: يمكن أخذه مما سبق أي أن الموانع الشرعية للدخول في المشهد السياسي المعاصر هي المانع من ذلك.
السؤال الثالث: البعض يتهم السلفيين بممارسة العلمانية وإن بطريقة غير مباشرة وذلك بعزوفهم عن العمل السياسي كيف تردون على ذلك؟
الجواب: يمكننا الرد على ذلك من خلال تعريف العلمانية وهي حكم الحياة الدنيا أو جانبا منها ـ وخاصة الجانب السياسي ـ بغير الدين والحكم بالديمقراطية وما تفرع عنها من دساتير وقوانين وأحزاب وحرية الرأي والاعتقاد هو حكم بغير الدين فمن اختار لعمله السياسي هذا المنهج فقد أحاطت به العلمانية من كل جهة وأما من يتطلع إلى السياسة ويسعى إليها من خلال التوجيه الشرعي ويعمل بما قدر عليه من أعمالها ويدعو أمته وحكامه إلى تطبيق النظام الإسلامي وتحكيم الشريعة قولا وعملا ويرفض أن يسلك الحلول المستوردة التي جنت على ديننا وأمتنا وقال أنا لا أحكم إلا بشريعة الله ولا أدعو إلا إلى النظام الإسلامي وذلك يستدعي أن أكون قادرا أو أن أسعى إلى أن أكون قادرا وما لم فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولا واجب مع عجز فهذا تسميته علمانيا أو أنه في العلمانية وهو لا يشعر أو نحو ذلك من العبارات ظلم وحيف لا يجوز لمسلم أن يتـفـوه به.
السؤال الرابع: وهل المشاركة في الانتخابات البرلمانية اجتهادية أم قطعية؟
الجواب: الديمقراطية الغربية لا نزاع في وجود مخالفات شرعية وعقدية فيها وأن بينها وبين النظام الشوروي الإسلامي خلاف جذري وقد تقدم في جواب السؤال الأول أمثلة محدودة على تلك المخالفات فإن كانت المشاركة مع اعتقاد صحة تلك المخالفات أو تجويزها مطلقا دون اعتبار أن الدخول فيها من باب الضرورات ومن باب الدخول في المفاسد التي يترتب عليها مصالح أعظم وأن الديمقراطية بالنسبة له منطلق استراتيجي لن ينقلب عليه ولن يغيره فهذا الوضع لا يجوز القول بأن الخلاف فيه اجتهادي بل هو قطعي ومن أجازه وأباحه فهو مستبيح لما هو معلوم بالضرورة أنه حرام وحكمه معروف.
وأما من دخل في ذلك على أساس اعتبار حالة الضرورة وأن دخوله عمل تكتيكي ومن باب دفع الأفسد فالأفسد وأنه حين يتمكن سيجعل من أكثريته وسيلة لاختيار الأحكام الشرعية وتطبيقها وأن الدخول عمل راجح لدفع الأفسد فهذا اجتهاد منه يمنع القول بأنه كفر لارتكابه مكفر لوجود هذا التأويل ومن كفره فقد اشتط وغلا وخالف المنهج الشرعي في التعامل مع خلاف العلماء.
وأما من ترجح لديه المنع من الدخول لوجود تلك المفاسد فليست المسألة اجتهادية في حقه لوجود العلم الراجح عنده بغلبة المفاسد ولا يجوز له شرعا الدخول فيما مفسدته أرجح من مصلحته.
السؤال الخامس: أليس الخلاف السلفي ـ السلفي خلاف تنوع؟! إذا لماذا لا يتجاوزه السلفيون وصولا إلى مواقف موحدة وجهود مشتركة متكاملة؟!!
الجواب: الخلاف السلفي ـ السلفي المعاصر ليس كله تنوع فمن خالف في قضية الإيمان وجعل العمل فيه مكملا ولم يجعله ركنا من أركانه ينتفي بانتفائه سواء كان عملا قلبيا أو عمل الجوارح وأجاز بقاء الإيمان مع انتفاء العمل في الظاهر فهذا الخلاف معه هو الخلاف مع المرجئة وليس سلفيا في الإيمان وكذلك من خالف في قضية التشريع وجعل التشريع ليس شركا مثل دعاء غير الله و الذبح والنذر بل جعله معصية لا يكفر من فعل ذلك إلا إذا استحل فهذا ليس سلفيا في هذه المسألة ومن خالف في هذه المسألة من مشائخ السلفية فلا يقر على خلافه هذا ويعتذر له بعدم تحقيقه لهذه المسألة وعدم إدراكه للفرق بين المسألتين وهي مسالة التشريع، ومسألة المخالفة من دون تغيير للتشريع، فالأولى لا تحتمل التفصيل الذي يذكره العلماء في هذه المسألة وقد بين ذلك الشيخ بن عثيمين في الجزء الثاني من فتواه وبينه غيره من العلماء والمسألة الثانية تحتمل التفصيل المعروف.
وكذلك من خالف من السلفيين في مسالة العمل السياسي من خلا ل الإلتزام بشروط الديمقراطية وضوابطها التي لا تتماشى مع المنهج السلفي فهذا الخلاف معه غير قابل للتوفيق وليس تنوعا لا يلام فاعله ولا ينكر عليه بل يجوز الرد والإنكار عليه والعلماء يجوزون الإنكار فيما هو أخف من هذا بكثير في مسائل فرعية وأصلية، والخلاف معه خلاف منهج ووسيلة وأما الخلاف في المسائل الفرعية والإدارية والتنظيمية والمظاهر المؤسسية فهذا الخلاف لا يمنع التنسيق والجهود المشتركة بل ولا يمنع التوحد والاندماج.
السؤال السادس: هل يملك السلفيون رؤية واضحة لإصلاح الأوضاع الداخلية في اليمن على مختلف الأصعدة بعد أن ثبت فشل مشروعات الإصلاح الداخلية والخارجية؟!!
الجواب: أولا قبل أن أجيب على السؤال عندي تحفظ على دعوى أن مشروعات الإصلاح قد فشلت فلا يزال في الأمر فسحة والعهد قريب فلا نستعجل الحكم بل لنا حق في التحفظ على سلوك هذا الطريق فقط ثم أقول نعم يملك السلفيون رؤية واضحة لإصلاح الأوضاع وهي الرجوع إلى نظام السياسة الشرعية وعدل الخلافة الراشدة وتراث الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين فهذا التراث كان يحكم أقطار العالم الإسلامي فيما مضى من شرقه إلى مغربه ومن جنوبه إلى شماله وعلى اختلاف ثقافة وأديان وألوان وألسنة مواطنيه وهو قادر أن يحكمها في ما بقى وإلى يوم القيامة ولكن المهزومين يريدون رؤية منبثقة من المناهج الغربية أو فلا سياسة، يريدون قواعد النظام الديمقراطي أو فلا عدالة، يريدون الأحزاب والتفرق أو فلا حرية يريدون الانتخابات أو فلا شورى فهم متورطون في وحل التقليد والانجرار وراء النظام العالمي الديمقراطي يتصورون أن الدنيا لن تكون إلا به ولن تصلح إلا بتعاليمه ولن تقوم السياسة الراشدة إلا برؤاه مثل ما فعل أسلافهم وإخوانهم من الفلاسفة والمتكلمين الماضين الذين ظنوا أن العقيدة لن تقوم لها قائمة إلا بعلم الفلسفة والمنطق اليونانيين وأن من لم يكن كذلك فلا ثقة بعلمه ولا بعقيدته فالله المستعان والمسئول أن يهدي الجميع إلى ما يحبه ويرضاه وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد