بسم الله الرحمن الرحيم
قضية موسمية اعتدنا أن يحتدم الجدل حولها في كل عام، دبِّجت في نقدها الخطب وكتبت في هجائها القصائدّ بل و صدرت في تحريم بعضها الفتاوى!
إنها المسلسلات و البرامج الرمضانية، بيد أن ما سأخصه منها بالحديث في هذا المقال هي تلك الأعمال التي تنتج محليا أو تهتم بمعالجة قضايا محلية، و التي قد أصبحت في ازدياد و تنوع متصاعد.
ولكن هل تستحق هذه القضية فعلاً كل هذا الزخم؟ أليس من المبالغة أن نتوجه بكل هذا النقد لهذه الأعمال؟ أليس من الممكن الاستفادة منها؟ هل صحيح أن سبب مهاجمتنا لهذه الأعمال هو خوفنا من النقد؟ أم أن هذه المسلسلات قد اتخذت من النقد قنطرة و طريقا للعبور إلى مسافاتٍ, أعمق يمكن من خلالها زعزعة بعض الثوابت الدينية و الاجتماعية !!؟
تساؤلات عديد ة و مواقف متباينة،
فالبعض يقول عنها إنها لا تعدوا كونها أعمال درامية كوميدية هدفها التسلية فقط، و ليس الهدف منها علاج الظواهر الاجتماعية أو النقد السياسي، ولذلك فهي غير مُلزمه بالمعايير الموضوعية أصلاً، و أما ما نشعر به من حساسية مفرطة تجاهها فإن ذلك بسبب ما تعودناه من تضخيم و تهويل لكثير من مشاكلنا وقضايانا، فيما يرى آخرون أنها أعمال ناقدة و ذات رسالة، تعمل على توظيف الكوميديا الساخرة و الطرح الجريء لعلاج بعض مظاهر الخلل في المجتمع وبخاصة تلك القضايا التي تعتبر في عرف البعض خطاً احمر، وأن ما يثار حولها من ضجيج فإنما هو مؤشر نجاح، نظراً لأن من طبيعة جميع الأعمال الناجحة الجريئة التصادم مع كثير من المفاهيم التقليدية و الممارسات السلبية السائدة في المجتمع، و هذا لا يمنع من أنها قد لا توفق أحياناً في معالجة بعض تلك الممارسات.
وفي المقابل فهناك من يخالف الرأيين السابقين ويعتقد بان بعض هذه الأعمال تتعدى كونها أعمالا كوميدية أو ناقدةً إلى كونها أداة من أدوات التيار التغريبي و الذي بحسب هؤلاء قد أعلن الحرب على ثوابت ومسلمات و أعراف هذا المجتمع! ويتجلى هذا عندهم من خلال وجود التطابق و التناسق التام بين طريقة معالجة هذه المسلسلات و البرامج لبعض القضايا الحساسة كالتطرف الديني وقضايا المرأة و التعليم وقضايا الحسبة و القضاء و غير ذلك، و بين الطريقة التقليدية المعروفة التي ينتهجها بعض الكتاب و المفكرين الليبراليين و التي عادة ما تتسم بخلوها من الموضوعية عند تناولها لتلك القضايا.
وعليه فأصحاب هذا الرأي يرون بأن دور هذا النوع من الأعمال إنما هو دور تكميلي لما تقوم به بعض الصحف و البرامج الفضائية و المواقع الالكترونية الليبرالية، وأياً كان الرأي الصحيح فإن الجميع يتفق على أن بعض هذه الأعمال قد أحدثت نوعا من السخط لدى شريحة كبيرة من المجتمع، وذلك بسبب ما تضمنته من سوء معالجة لبعض القضايا أو تجاوز لأنظمة البلاد في بعض الأحيان.
و يبقى السؤال: هل بالإمكان التصدي لمثل هذه النوع من الأعمال؟ وما هي انجح السبل لذلك؟ فأقول: إن بالإمكان حصول ذلك، و الدليل ما حدث في إحدى الدول المجاورة من منع لأحد المسلسلات التي قيل إنها تسئ إلى احد المذاهب بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية هناك، مما حدا بالقناة إلى الاعتذار و الوعد بعدم بث الحلقات، ولا يلزم من ذكر هذا المثال الدعوة إلى انتهاج نفس الأسلوب الذي تم انتهاجه في الاحتجاج هناك، بل بيان الأثر المترتب على رفض المجتمع لهذا النوع من المسلسلات و البرامج، و هنا جملة من الإجراءات التي يمكن انتهاجها للتعبير عن هذا الرفض و التي قد أثبتت جدواها في أحايين كثيرة في الحد من شر هذه الأعمال، فمن ذلك:
1. سلوك مسلك الحكمة والعقل، والحذر من أي ردة فعل غير محسوبة، أو مخالفة للشرع.
2. التعريف بخطر مثل هذه الأعمال لدى المسئولين و أصحاب القرار، و إيضاح أن مثل هذه الأعمال قد تكون بمثابة الزيت الذي يزيد النار اشتعالاً، و أنها قد تولد ردود فعل عنيفة مضادة غير محسوبة، وقد طالعتنا بعض الصحف بأخبار من هذا النوع. *
3. بذل النصيحة للقائمين على هذه المسلسلات و البرامج و ملاَّك القنوات وتذكيرهم بالله - عز وجل -.
4. إظهار الصورة الصحيحة و الحقيقية لكثيرٍ, من القضايا التي أساءت تناولها هذه المسلسلات وحاولت تشويهها، و التأصيل الشرعي لها،
(فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)،
و أخيرا: فمن المناسب القول أنه ينبغي علينا ألا ينسينا الغضب و النقد لهذه الأعمال قضية النقد الذاتي والتي نحن بحاجة ماسة له في كل وقت، فليس صحيحاً دائماً قول القائل:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص * * * فهي الشهادة لي بأني كامل
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد