بسم الله الرحمن الرحيم
قد تستغرب من هذا العنوان: جائع وحبوب فتح الشهية..!!
فما حكاية الأمر؟!.
وما خبر القضية؟!.
القصة باختصار: لو أن رجلاً جاء إلى منزله والجوع يقطّع أمعاءه، ويمزق أحشاءه، فطلب من أهله الطعام.. فلم يجد شيئاً، وبحث هنا وهناك، ولكن دون جدوى.. وما زاده البحث إلا جوعاً.
وهنا أشارت عليه زوجته باختراع عجيب.. وبأمر غريب.. وقالت له: أذهب إلى الصيدلية واشترِ دواءاً لفتح الشهية!.
يا سبحان الله!.
الآن الرجل يتضوّر جوعاً.. ثم توصيه زوجته بحبوب فتح الشهية؟!.
الرجل لا يكاد يجد لقيمات يقمن صلبه، وزوجته تقول له: تناول حبوب فتح الشهية؟!.
فيا ترى ماذا سيحدث لو أكلها؟!.
هل سيهدأ جوعه، ويسكن لهثه؟!.
أم سيزيد الطين بلة، والمرض علة؟!.
إنّ حال هذا الإنسان مع تلك المرأة هو نفسه حال أولئك الشباب الذين تتفجر غرائزهم شهوة، وتلتهب منها نفوسهم، ومع شدة هذا السعار، يذهب أقوام من الشباب ليزيدوا النار اشتعالاً، فيشاهدوا تلك القنوات الفضائية الفجة، ويتابعوا المجلات والصور الهابطة!.
وهذه الأفلام وتلك الصور هي بمثابة حبوبٍ, لفتحِ شهية ذلك الشاب الذي يتضوّر جوعاً!.
إنّ الشرع والعقل والفطرة تقتضي كلها أن يتعامل الإنسان مع هذه الشهوة بما أراده الله - تعالى -له، وهو - سبحانه - قد فطره، فهو أعلم بحاله وما يناسبهº ولذا أمر الله بغضّ بصره فقال الله - سبحانه - في سورة النور: (قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم) وأمر - سبحانه - باتقاء فتنة النساء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الدنيا حلوة خضرةº وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء\"(1).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء\"(2).
وأمر من استطاع من الشباب أن يتزوج، وإلا فعليه بالصوم فقال: \"يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء\"(3).
ومن رحمة الله بالعبد أن المرء إذا غض بصره عن الحرام، أورثه الله - تعالى -حلاوة يجدها في قلبه وسعادة يشعر بها في نفسه.
وما أجمل ما قاله الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - حيث يقول: \"جوهر المسألة أنّ الله غرز في نفس الرجل الميل إلى المرأة ليصل إليها بالزواج بالرباط الثابت، الذي يتحول إلى مودة ورحمة، وصداقة باقية بقاء العمر، ويثمر الذرية الصالحة، فيكون (وسيلة إنتاج) أمة جديدة صالحة، لا ليصل إليها بالنزوة العارضة، التي تطفئ غلة الشوق، لكن لا تدوم ولا تنتج. فأراد هؤلاء القوم أن يصرفونا عن وضع هذه القوة مواضعها، وأن يحولوها من وسيلة منتجة، إلى طاقة مهدورة.
كمن يأتي إلى محطة الكهرباء، التي تنتج القوة الهائلة، فبدلاً من أن يستعملها في إدارة المصانع، وتسيير القطارات، وفي النافع المفيد، يستعملها في إطلاق صواريخ العيد، وتحريك مراكب التسلية في (اللونابارك).
إنّ أعداء الإسلام دخلوا علينا من بابين: باب الشبهات، وباب الشهوات، والشبهات أخطر بنتائجها، لأنها تؤدي إلى الكفر، ولكن الشهوات أشد بطبيعتهاº إذ أن الشباب لا يستجيب منهم للشبهة إلا قليل.
أما ما يثير الغرائز، ويحرك الرغبات فيلقى الاستجابة عند الجميع. وإن كان منهم من يصبر ويقاوم، ويطوي جوانحه على مثل النار الآكلة، ابتغاء ثواب الله وخوفاً من عقابه.
الأولى كالمرض الذي يقتل ولكن عدواه بطيئة، والوقاية منه ممكنه، والثانية كالمرض الذي يضني وإن كان لا يفني، ويضعف وإن كان لا يميت، ولكن عدواه سريعة، والتوقي منه صعب.
اجمع مائة شاب، واجلب لهم عشرة من أقدر الوعاظ ليلقنوهم العفاف والصيانة سنة، ثم اجلب لهم راقصة تتعرى أمامهم، تهدم هذه الراقصة في ربع ساعة، ما بناه أولئك كلهم في سنة، ذلك لأن النفوس مجبولة على هذه الشهوة.
إنها غريزة غرزها الله فيها\". (4)
ثم يذكر في موضع آخر كيف يتعامل الشاب مع هذه الشهوة فيقول: \"إن الشهوة التي غرسها الله وغرزها في نفس الذكر للأنثى، والأنثى للذكر أمتن من تلك السنديانة، وتلك الدعامة، إنها غريزة، غرزتها وغرستها يد الله، فهل تنزعها أو تزعزعها يد بشر؟! وشريعة الإسلام إنما شرعها الذي خلق هذه العوالم كلها، فما كان الله ليقر فينا غريزة ثم يأمرنا بانتزاعها، ما قال لنا الشرع: اقتلوها، ولكن قال لنا: هذبوها، وما أمرنا برهبانية نقاوم فيها طبيعة الله في نفوسنا، ولكن نهانا عن إباحية تقتل أكرم صفات البشر فيها.
إن هذه الغريزة كالسيل الدفّاع الذي ينزل من شعب الجبل نزول القضاء، فلا يستطيع أحد أن يقف في وجهه إذا انطلق، وما قال لنا الله: قفوا في وجهه، ولا تركنا نهمله حتى يجرفنا ويهلكنا ويهدم دورنا، ولكن قال لنا: شقوا له الأرض شقاً، يمشي فيه تستفيدوا منه وتدفعوا عن أنفسكم أذاه\"(5).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2742)، والترمذي في الفتن (2191)، وابن ماجه في الفتن (4000)، وأحمد (3/61).
2- رواه البخاري (4808)، ومسلم (2740) عن زيد بن حارثة.
3- رواه البخاري.
4- فصول إسلامية ص 96.
5- (ذكريات 8/280- 283)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد