بسم الله الرحمن الرحيم
لا يستعجلن أحدٌ في استخلاص النتيجة.. فالمراد بـ (القصور) ها هنا ليس الإخفاق في الأداء.. أو التباطؤ في العمل.. أو التقاعس عن الواجب.. أو (العور) في المهنة الصحافيةº (القصور) يعني ذلك البناء المادي الضخم، المفروش بأرقى الأثاث والمجهز بأحدث تقنيات العمل الصحافي.. المدار ببيروقراطية (الإمبراطور).. والمسيس بنـزعته الفردية المطلقة في آليات العمل.. وطرائق الإنتاج.. وسياسة النشر.
هكذا حال بعض المؤسسات الصحافية في بلادنا.. يديرها السيد (رئيس التحرير) بذهنية واحدة.. الحق ما يراه.. والباطل ما يتعارض مع رأيه.. يحضر يومًا.. ويغيب أيامًا.
في حضوره إلى (القصر الصحافي).. يهرع إلى بلاطه الصحافيون.. في انتظار إشارة الرضا ليخرج نتاجهم إلى النور.. وفي يوم حضور السيد رئيس التحرير ترتفع مقاييس التنبؤ بمزاجه.. والمحظوظ من الصحفيين من وافق (ساعة الإجابة).. فذلك يعني منتهى الحبور والسعادة.. أما (ساعة الكدر) فإنها لحظات لقرارات الحجب، والخصم، وإيقاع العقوبة، ومن كان هذه حظه من (مزاج) السيد رئيس التحرير، فإن حكاية الصحافي معه ستكون مبثوثة في أروقة المؤسسة يتجاذب تفاصيلها حتى موظف السنترال.
وفي غيابه.. تدار المؤسسة (بكاريزما) شخصية (الإمام الغائب).. فهناك ذهنيات تفكر بالنيابة عنه.. تتقمص دوره الحاضر.. وتتخيل ظله.. وتنفذ متلبسة بشخصه.. لكنها لن تفكر مطلقًا أن تعبر عن رأيها.. أو أن تتحرر من تلك الشخصية لتكون (هي ذاتها) بما تتمتع به من أهلية وكفاءة.
نعم.. هذا حال بعض المؤسسات الصحافية.. رئيس التحرير إمبراطور يدير المهمة من القصر، وما دونه من هيئة التحرير، وما فوقه من مجلس إدارة ومدير عام.. هم رعية في هذه الإمبراطورية الصحفية.
يحدث هذا في الوقت الذي تنادي فيه النخب عبر المؤسسات الصحافية- بحرية الرأي، والمشاركة في اتخاذ القرار.. وتوسيع دائرة الشورى أو الديموقراطية إن شئتم!! وتسريع خطوات الإصلاح.. ودعاوي العمل بروح الفريق والجماعة.
لسان السيد رئيس التحرير يقول: (ما أُريكم إلا ما أرى).. ومن رأى غير ذلك فستكون (محاكم التفتيش) له بالمرصاد!!
(ما أريكم إلا ما أرى) لا تنعكس على العاملين في (القصر الصحافي) فقطº بل على الرأي العام كله الذي سيقرأ هذه الرؤية.. ولا شيء غيرها.
وها هنا الداء العضال.. إذ هي داخل المؤسسة الصحافية مشكلة إدارية ومهنية.. لكنها على مستوى المجتمع مشكلة في (التوجه) ومأساة في (الرأي).. وذلك عندما يرى السيد رئيس التحرير وبالتالي كل العاملين معه- قضايا المجتمع برؤيته هو ويفرض على الأمة معاييره، ويحدد ما ينشر لها وفق مقاييسه.
هي داء عضال عندما يجيش السيد رئيس التحرير جحافل الكتبة.. ويوجه أقلام الصحفيين طوعًا أو كرهًا- بالحديث عن قضية.. أو الهجوم على شخصية.. أو تسفيه رمز.. أو تحقير شيخ.. لتمطر حملته الإعلامية وابلاً من كلمات التجريح.. وعبارات التجهيل للثقافة ورموزها.. وليكرس نظرية (ما أريكم إلا ما أرى)..متلبسة برداء الغيرة أو متدثرة بلحاف الوطنية..
(صحافة القصور) قضية منظورة للقلة، غائبة عن العقل الجمعي للأمة، من يع أثرها على المدى الطويل سيطالب حتمًا- بأن تكون في أوليات \"الإصلاح\".. اليوم.. وليس غداً !!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد