بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كانت ميادين الصراع بين الحضارات في السابق محدودة بسبب قلة الاحتكاك مع بعضها البعض، ولبعد المسافات فيما بينها فاليوم وفي ظل ثورة الاتصالات التي اجتاحت العالم بأسره أفرزت واقعاً جديداً تعدّدت فيه ميادين الصراع بين الحضارات والأديان، ولم يعد الميدان على المستوى العسكري هو الحاسم في القضية بقدر ما أصبحت المعركة على المستوى الفكري أشد أوارا من غيرها، والرابح من يكسب الصراع لصالحه في هذا العصر الذي نعيشه..وهذا المنحى الذي مالت إليه معركتنا مع غيرنا يتوافق مع طبيعة رسالتنا الإسلامية التي هي في المقام الأول رسالة بيانيةº تنافح عن الحق الذي تحمله بالحجة والبرهان قبل السيف والسنان.
وإذا علمت أن مؤتمراً عقد في الفاتيكان بحضور 8 آلاف منصر، وأنفق القائمون عليه 21 مليون دولار من أجل الاستفادة من البث المباشر لنشر النصرانية في العالم الإسلامي تبين جلياً حجم المؤامرة على عالمنا الإسلامي، وغفلة أبنائه عن ميادين الصراع الحقيقية.. والناظر لعالمنا الإسلامي اليوم يرى أننا مقصرون في امتلاك القوة في الجانب العسكريº لذا توجب علينا أن نقتحم ميدان الصراع الفكري لإيصال ما نراه حقا تسعد البشرية باعتناقه، وإبطال ما نراه باطلا تشقى البشرية بالإيغال فيه.. فإننا نملك بلا شك رصيدا هائلا من الحجة والبرهان مما نستطيع به أن نحرز تقدماً ملموساً.. فإن بطأ بنا العمل في امتلاك أحدث تقنيات العصر في المجال النووي، والأسلحة البيولوجية، وغيرها فليسرع بنا العمل في الولوج في مقارعة القوم الحجة بالحجة، والبرهان بمثلهº فليس من الحكمة محاولة حسم المعركة المصيرية بنوع واحد من السلاحº فالحكيم من عرف قدر نفسه وقوة خصمه.. وليس معنى ذلك أنني أدعو إلى ترك السلاح العسكري جانباً بقدر ما أدعو إلى أن يكون التركيز في الجانب الفكري الثقافيº لصد الهجمة العاتية التي تكاد أن تبتلع كل ما يمت للإسلام بصلة، وإبلاغ هذا الدين الذي تعهّد رب العزة في قرءانه بإيصاله وإظهاره على الدين كله ولو كره الكافرون، أو المشركون.. وبشرت السنة النبوية المطهرة بذلك.. فإن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار، ولن يترك الله بيت مدر، ولا وبر إلا وأدخله هذا الدينº بعز عزيز، أو بذل ذليل.. والشواهد من الماضي والحاضر تدل على صواب ما ذهبنا إليهº فالمدينة النبوية لم تفتح بحد السيفº وإنما بالحجة، والدعوة، والبلاغ الذي قام به سفير الإسلام الأول مصعب بن عمير، واليمن كذلك بجهد نفر من الصحابة الكرام منهم معاذ بن جبل، والحبشة لم يدخل ملكها في الإسلام نتيجة حرب، ولكن بإفحام جعفر بن أبي طالب خصومه من قريش والذين خرجوا في إثره في تلك المناظرة الفكرية التي جرت وقائعها في بلاط النجاشي.. أقول: إننا بحاجة ماسة لتجميع الجهود الإسلامية المباركة في مجال الفضائيات والقنوات الرائدة التي ظهرت مؤخراً مثل المجد، وبعض القنوات الطيبةº من القنوات التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم بين مئات الفضائيات التي تبث السم الزعاف لغزو عقول أمتنا الإسلامية.. لا بد لنا من تجميع تلك الجهود لنبرز الإسلام في صورته الزاهيةº ليتعرف عليه العالم بأسره، وعن قرب، ودون وسيطº يلوك الكلام ويوصله مبتورا مشوّهاº فالعالم بحاجة ماسة إلى نور الإسلام، والمسلمون يحملون مفتاح السعادة بين أيديهم بالفكر الثاقب، والنظرة الشاملة التي تستقصي جميع جوانب الحياة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.. وهنالك سمة مميزة للإنسان الغربي يمكن للمسلمين استثمارها لصالح الإسلامº وهي الروح الوثابة للبحث والتقصي في القضايا، وإيصالها لمنتهاهاº فحادثة الحادي عشر من سبتمبر، والرسوم المسيئة الصادرة من الصحف الدينماركية جعلت الكثيرين في أوروبا يهرعون نحو المكتبات ليتعرفوا على الإسلامº فانشغل الأغلبية بالرد على الهجوم، وأفلح قلة من الحصفاء بالاستفادة من الحوادثº وتوجيهها لإبلاغ دين الله للعالَمº فالله - عز وجل - تعهّد بإظهار هذا الدين على كافة الديانات والمعتقدات في الأرضº فلو تدرعنا بالصبر، وتترسنا خلف هذا المعنى لكان حريا بنا أن نصل إلى مبتغاناº فنحن بحاجة لتربية مسلمين قادرين على فهم واستيعاب الواقع الذي نعيشه، والمنعطف الخطير الذي تمر به الدعوة الإسلامية اليوم، وإدراك فقه المرحلةن وحاجة البشرية للنور الذي نحمله، وخطورة العدو الذي ننازله، وأرواحا وثابة متفائلة ترفع معنويات كل مستبطئ نصر اللهº فنحن بحاجة لتوحيد الصفوف، وتجميع الجهود، ولَمِّ شعث القلوب، وتضميد الجروح، وقتل الفتنة في مهدها، ولا ندع مجالاً لقطف ثمرة قبل نضجها، ولا إنضاجها قبل وقتها، ولنفتح نوافذ العقولº ليمر الهواء الطلق إلى حيث يريد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد