أيها الداعية كن نجما !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت الوجوه جميعها مصوّبة في اتجاه واحد لا تتحرك يمينا أو يسارا إلا في أضيق الحدود، في مشهد يُخيّل معه للناظر من بعيد، أن الجالسين ليسوا سوى مجموعة من التماثيل التي رصت بعناية فائقة، ورغم أن الجلسة قد طالت بهم، فإن الشباب السبعة ظلوا على حالهم يستمعون بإنصات شديد إلى أحدهم، والذي كان يتحدث بإسهاب عن ألبوم جديد للمطرب المصري عمرو دياب!

 

لماذا تحظى أخبار الفنانين والمطربين بكل هذا الاهتمام والإنصات من قبل الشباب، في الوقت الذي يبدو الشباب أقل اهتماما بأخبار دعاة وعلماء الأمة؟ مع الفارق الكبير في كل شيء بين من يقوم عمله على الهدم، وذلك الذي يسعى لعمارة الحياة على أساس من الإيمان.

 

الواقع يؤكد أنه رغم حائط الجليد الذي استطاع عدد كبير من الدعاة المعاصرين من كسره فيما يتصل بعلاقتهم بالشباب، من خلال عزفهم على أوتار هموم وأوجاع الأمة المعاصرةº فإن الداعية يبقى إذا جاز التعبير (كومبارس)، مقارنة بالمطرب والفنان في دنيا الشهرة والإعلام، حيث يمكن من خلال سؤال عينة عشوائية من الشباب العربي، الخروج بنتيجة واحدة، وهي أنهم جميعا يعلمون الكثير عن محمد هنيدي وكاظم الساهر والجسمي، في الوقت الذي ربما لا يعرف الكثيرون منهم عن القرضاوي ولا عمرو خالد وغيرهم من الدعاة سوى أسمائهم.

 

وفي الوقت الذي لا يجد فيه الكثير من الشباب حرجا في الإعلان عن أن قدوتهم في الحياة هي هذا الفنان أو ذاك المطرب، فإن قليلين جدا هم أولئك الذين يقولون: إنهم يجعلون من أحد الدعاة قدوة لهم يسعون للاقتداء بها في حياتهم، في دليل واضح على أن المكانة التي يتمتع بها الدعاة والعلماء لدى الشباب مازالت أقل كثيرا مما يجب أن تكون عليه.

الفارقة في المكانة بين المطرب والفنان من ناحية وبين الداعية والعالم من ناحية أخرى يبقى فارقا في التركيز الإعلامي والشهرة التي يحظى بها كل منهم، والتي تجعل من المطرب أو الفنان سوبر ستار تتناقل الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة كل الأخبار المتعلقة به من قصة شعره ونوع الملابس التي يقوم بارتدائها إلى حياته الشخصية وأعماله الفنية المختلفة، في الوقت الذي تقوم الكثير من الفضائيات بتسويق صورة الداعية أو العالم لدى الشباب باعتباره فقط واعظا، يقوم بتقديم المعلومات والبرامج الدينية لهم، والتي مازال عدد من الشباب ينظرون إليها على أنها موجهة بالأساس للكبار، وذلك باستثناء عدد مازال محدود من الدعاة طبقا لما تؤكده الأرقام، والذين استطاعوا أن يحملوا الدعوة إلى الشباب بالطريقة التي تخاطب جيل - ولِد - والكمبيوتر والإنترنت في يده.

 

نجوم ولكن!

في مواجهة النجاح الكبير الذي استطاعت المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية الغنائية والعامة، علاوة على الصحف والمجلات في مجال تسويق الفنان أو المطرب، باعتباره إنسانا استطاع أن يبني مجده خطوة بخطوةº ليصبح أحد نجوم المجتمعº فإن وسائل الإعلام الإسلامية المتخصصة ظل دورها محصورا في تقديم الداعية أو العالم كشخص يقوم بمهمة تعريف الناس بدينهم فقط، دون أن تسلّط الضوء عليه كإنسان استطاع أن يحفر في الصخر قصة نجاحه قاهرا في طريقة مئات الصعاب، والتي كانت تكفي لإدخاله في عداد الفاشلين.

 

إغفال الجانب الإنساني والعنصر البشري، في تسويق الدعاة والعلماء إعلاميا، جعل الكثير من الشباب ينظرون إليهم باعتبارهم أناس لا يأتيهم التقصير من بين أيديهم، أومن خلفهم وماداموا لا يعرفون الزلل أو التقصير في حق الله، فإن الشباب ينظرون إليهم بنوع من الإجلال والذي يصل في بعض الأحيان إلى حد التقديس، حيث يرون أنه من المستحيل أن يقلد الإنسان في حياتهم أحدهم، أو أن يجعله قدوة له لأنه لا يمكن أن يصل إلى منزلة قريبة من منزلته مهما فعل، وفي هذه الحالة يبدو لدى الكثيرين السير على خطى مطرب أو (فنان ما)، هو الخيار الأكثر سهولة والأقرب للواقع والمنطق!

إستراتيجية جديدة تلك التي تحتاج إليها في اللحظة الراهنة وسائل الإعلام الإسلامية المختلفةº لكي تقوم بتسويق الداعية والعالم بشكل يجعل منه نجما للشباب بدلا من المطربين والفنانين، وهو الأمر الذي إذا حدث على أرض الواقع كفيل بأن يقضي على الكثير من الأمراض المنتشرة في الوقت الراهن في أوساط شبابنا، والتي تعرض هويته العربية والإسلامية طبقا لما يؤكده الكثير من المراقبين مهددة في الصميم في ظل سيل تغريب لم يتوقف يوما ما ولو للحظة واحدة.

في اللحظة الراهنة ليس صحيحا على الإطلاق أن يقدم الداعية إلى الشباب باعتباره واعظا أو شخصا يحاول تقديم المعلومات الدينية لهم على طبق من فضة فقط، فهذه المهمة رغم أهميتها البالغة لا تكفي في ظل نجوم من ورق، يقوم الشباب بتعليق صورهم في غرفة نومهم وينامون ويستيقظون على أخبارهم وأعمالهم التي تهدم ولا تبني!

 

صناعة الداعية

تحويل الداعية إلى نجم شباك يشعر الناس بنوع من الألفة بينه وبينهم، مثل تلك التي يشعرون بها عندما يشاهدون ممثلا ما، وهو يؤدي أحد المسلسلات أو الأعمال الفنية، صار ضرورة لا مفر منها في ظل واقع يتحكم الإعلام في صياغة جزء كبير منه بشكل يجعل- طبقا لخبراء الإعلام - من الشخص غير القادر على التواصل مع هذه الصناعة سريعة التطور خارج إطار الحياة!

 

جهد ووقت طويل هما أهم ما يحتاجه صانعو الإعلام الإسلامي لتحويل الدعاة إلى (نجوم شباك)، من خلال كسر الحواجز الوهمية التي قامت وسائل الإعلام التغريبية بخلقها فيما بينهم وبين الشباب، بشكل جعل الدعاة لدى الشباب في كثير من الأحيان أناس لاصلة لهم سوى بالآخرة أو (بتوع ربنا)، كما يصرّح البعض. وبالتالي فإنهم يعيشون في عالم آخر غير عالم الواقع الذي يعيشه الشباب، هو عالم المثل والقيم والتي يرى العديد من الشباب أن الوصول إليها يبقى مستحيلا.

النجاح الأكبر الذي سيترتب على تحويل الداعية إلى \"سوبر ستار\"، هو أن يقدّم للشباب نموذجا عمليا على أن الإنسان يمكن أن ينجح في حياته، وفي علاقته مع الله - عز وجل -، دون أن يطغى جانب منهما على الآخر، وفي الوقت نفسه، فإنّ هذه الصورة ستؤكد للشباب أن الدعوة إلى الله - عز وجل - بالحكمة والموعظة الحسنة، وبلغة العصر هي شيء في إمكان كل منهم أن يقوم به في حدود وقته وإمكانياته ومحيطه والاجتماعي والحياتي، فهل نرى قريبا نموذج الداعية سوبر ستار، الذي تتعدى معرفة الشباب به حدود متابعة بعض برامجه التلفزيونية بين الحين والآخر.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply