إني سئمتُ أنينَ الوجدِ في خلدي *** وغربةَ الروح تُذكي جذوةَ الكمدِ
وجئت أرجوك..كم في القلب من عللٍ, *** وأنت أنت شفاءُ القلبِ يا ولدي
صحائفُ الأمس بالذكرى تؤرّقُني *** ولست ألمحُ أنساً في سطور غدي
يا لهفَ نفسي.. سهامُ اليوم تطعنني *** ولا تزالُ جراحُ الأمسِ في جسدي!
مَن قال: مَن جدّ يوماً نال بغيتَه؟ *** فكم زرعت ولم أحصد ولم أجدِ
تاهت مجادفُ آمالي وأشرعتي *** فمجّني البحر أشلاءً مع الزبدِ
واستقبلتني صحاري البؤسِ عاصفةً *** وخيمةُ العمرِ تؤويني بلا وتدِ
يمرٌّ فجريَ لا طيرٌ ولا نغمٌ *** فما ألذّ بصوت الطائر الغردِ
وفي الغروب أرى الأطيافَ ترسمُ لي: *** عليك أن تدفنَ الأشواقَ للأبدِ
وإن سجا الليلُ ذابت شمعتي بيدي *** والسهدُ يكتمُ أنفاسي بألفِ يدِ
بالله يا ولدي.. أقبل على عجلٍ, *** عليّ أراك وبي شيءٌ من الجلَدِ
أبيتُ وحديَ لا خلٌ يؤانسني *** وليس يسمعُ شكوى القلبِ من أحدِ
ليس الذليلُ الذي يشقى بغربتِه *** أنا الذليلُ غريبُ الروحِ في بلدي!
أرنو إلى شاطئِ الأشعارِ من ظمأ *** فما صفا وشفاهي الزرق لم تردِ
ما أعجب الشعر! مرُّ يفري قائله *** والناس ترشفُه أحلى من الشهدِ
هو الدواء ومنه الداء واعجبي- *** أشكو إليه وأشكو منه يا ولدي
يجيء شعريَ جباراً يعذّبُني *** ويغدو حرفي سيفاً عاثَ في كبدي
وكم سكبت لحونَ الضيم يا ولدي *** حتى شدا القوم: هذا شاعرُ النكدِ!
لم أكتبِ الشعرَ فالأشعارُ تكتبُني *** كما تشاءُ ولم أنقص ولم أزدِ
وما طرقت بيوتَ الشعرِ تسليةً *** وما حكيتُ انتفاخاً صولةَ الأسدِ
ولي مع الشعر عهدٌ لن أُضيّعَه *** وأطهرُ القومِ مَن بالعهد لن يحدِ
أحالني الشعرُ قنديلاً يضيءُ به *** فكيف أسلو ولفحُ النارِ في خلدي؟
أجل سئمتُ هجيرَ الشعر يا ولدي *** فهب ظلالَك ألقَ اليوم مبتردي
الهمٌّ يثقلُني والدمعُ يخنقُني *** وقد أتيتُك مكتوفاً فخذ بيدي
فإن صبوتُ وقالوا: ماتَ من كمدٍ, *** وقد رمته قوافي الوجدِ في اللّحدِ
فقل لأمك: أين القبرُ والدتي؟ *** وخطّ من دمعها المخنوقِ بالرمدِ
سبحان.. من ترك الأشعار تقتلُني *** وتستبيحُ دمي عمداً بلا قَوَدِ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد