*** إلى روح التي ارتحلت عن هذه الدنيا، وكلانا لم ير الآخر منذ عشر سنوات
إلى روح أمي:
مالي سمعتُ كأن لم أسمعِ الخبرا *** هل صار قلبيَ في أضلاعه حَجرا ؟
مالي جمدتُ فلم تهتزَّ قافيتي *** ولا شعرتُ ولا أبصرتُ من شعرا
كأنَّ كلَّ سواقي الشعر قد أسِنت *** من جففَّ الشعرَ من بالشعرِ قد غدرا؟
أنا الذي عزفت أوتارُه نغماً *** هزَّ الورى والذُرا والطيرَ والشجرا
مالي سكتُ فلم أنطق بقافية *** ولا رأيت بعيني الدمعَ منحدرًا؟
هل جففَّ الرملُ إحساسي وجففّني *** فأصبح الشعرُ لا علماً ولا خبرا؟
وهل عجزتُ عن التعبير واأسفي *** كأنني لم اصغ للغادةِ الدُررا! ؟
أمي تموت ويُمناها على كبدي *** يا أمٌّ رُحماك إنَّ القلبَ قد فُطِرا
هزّي سريري إني لم أزل ولداً *** ودّثرينيَ إن الريحَ قد زأرا..
وجفّفي عَرَقي فالصيف ألهبني *** وسلسلي الماءَ كي أقضي به وطرا
مُدي يَديّكِ كما قد كنت ألثمها *** فقد نهضتُ وَوَجهُ الصبح قد سفرا
وحّوطيني..تلك العيُن خائنة *** وكم رأيتُ عيوناً تقدح الشررا
ولوّني أغنياتِ الصيف في شفتي *** وقرّبي من وسادي النجم والقمرا
ما زال صوتك يا أماه يتبعني *** يا ربٌّ رُدَّ حبيباً أدمنَ السفرا
يا ربِّ صُنهُ من الأشرارِ كلهمُ *** ورُدَّ عنه الأذى والكيد والخطرا
واجبر إلهي كسراً، حلَّ في ولدي *** فأنتَ تجبرُ يا مولاي ما انكسرا
يا ربِّ جفّت دموع الأمهات هنا *** فأنزلنَّ علينا الغيث والمطرا
كلٌّ العصافير عادت من مهاجرها *** متى نعودُ إلى أعشاشِنا زُمرا
وارحم إلهيَ زوجاً غاص عائلها *** في ظلمة السجن لم تبصر له أثرا
وطفلةً كلما قالت زميلتها *** أتى أبوك؟ تشظّى القلبُ وانفجرا
وارحم إلهي شيخاً دبَّ فوق عصاً *** قد كاد من طول ليل يفقد البصرا
يا من رددتَ إلى يعقوب يوسفَه *** لا تتركِ الشيخَ فرداً لا يُطيق كرى
يا ربّ ما ذنبُ أحرارٍ, إذا وقفوا *** مثلَ الجبالتِ وموج الظلم قد سكِرا؟ !
ما زال صوتك يا أماه يجلدُني *** إني أسأتُ وجئتُ اليوم معتذرا
لا والذي خلق الدنيا وصورّها *** ما خنتُ عهدك يوماً، ما قطعت عُرى
لكنها مِحَنٌ حلت بساحتنا *** أودت بفكر الذي قد روّض الفِكرا
أمي تموت ولم أفزع لرؤيتها *** ولا قرأتُ على جثمانها سُورا
ولا حملتُ على كِتفي جِنازتها *** ولا مشيتُ مع الماشين معتبرا