لا هُمّ عفوك والمنايا تزأرُ * * * تجوالها خبرٌ وفينا المخبرُ
تختالُ ما بين الأنام عصيّة * * * لا قيدَ آبدة ولا من ينصر
لمّا نأت بالشيخ وهي قوافلٌ * * * ضجّ العرين بها وضجّ المنبر
عصفت بآمال الحقول وبيدها * * * دوّى بها رعد الفقير الممطرُ
واحتل فينا الدمعُ حزناً شامخاً * * * فإذا العيونُ كليلة تستعبرُ
لا الحزنُ يرجعُ في المآتم شيخنا * * * كلا، ولا همُّ يجودُ ويقترُ
فإذا النفوسُ الواجماتُ شواطئ * * * وإذا المواجع في مسانا تبحرُ
يا من تودّعه القلوبُ حزينةً * * * وتئنٌّ في كنف المصاب وتجأرُ
قد صرت أوعظ في مماتك شرعة * * * * فاعجب لشيخٍ, في الثرى ويذكِّرُ
وروت دموع الحزن موتك سيرة * * * فكأن عمرك قصة لا تذكر
ما كان للموت المهيب جلالة * * * حتى طواك بحضه يتبختر
لم يترك الحزنُ العنيفُ بأرضنا * * * نوراً يسافر في الدنا أو يسفرُ
لم يبق هذا الموتُ شيئاً صالحاً * * * إلا أباد كما يُبادُ الأخضرُ
لم تكتحل عيناه إلا بالأذى * * * فالموتُ ماضٍ, في الخلائق يكبرُ
عنوانُه التجويعُ بين قلوبنا * * * ومكانه التوديع حين تقطّرُ
يا راحلاً لم يثنه حبُّ طغى * * * ومدامع من كل هم تُعصرُ
وتظلٌّ منه خوافق مكسورة * * * لا تستفيق فأيّ كسر يُجبرُ
أتصيرُ أرضُ القوم بعدك بلقعاً * * * وهي التي من غيم علمك تزهرُ
ولقد تأذّن من هداك بجنةٍ, * * * لمعلمٍ, يبني النهى ويعمّرُ
يا راحلاً لم يلقه هذا الردى * * * حتى طواه بجذعه يستبشرُ
تبدو المباهج في يديك يتيمة * * * فكأن قلبك في الهوى لا يشعرُ
وتلوك أنفسُنا المتاعَ سخيةً * * * ولعابُنا في كل ملهى يقطرُ
وعليك من حلل الوقار سحائبٌ * * * وعلى جليسك كلٌّ ودّ يمطرُ
فتموت خلقُ الله في غسق الدجى * * * وتقوم أنت الليل حيّاً يبصرُ
ويضلّ بعضُ القوم في وضح النهارِ * * * يسيرُ يغتالُ المنى ويكفّرُ
كم كنت تملأ بالرضا أسماعَنا * * * فإذا المقالُ عذوبةٌ تتكرّرُ
كم كنت تملأ كل فتوى حجةً * * * من عذب وردك كلٌّ ساقٍ, يصدرُ
وكتمت فعلَ الخيرِ رغم شيوعِه * * * وسواك يعلنُ بالعطاء ويجهرُ
وأذعت حب الله ليس تباهياً * * * إن المحبة ما حيينا تظهرُ
وأشحت وجهاً ما عن وهج الدنا * * * وهي التي من غيّنا تستغفرُ
وطهرت من أوضار مال الأرض * * * تهنأ قرى والجار حولك معسرُ
رمتَ الرحيل كما ترومُ لنا البقا * * * والله يفعلُ ما يريدُ ويقدرُ
يملي لنا التاريخُ بعدك أسطراً * * * ستظلٌّ تبني العمرَ تلك الأسطرُ
اليوم كيف تغيبُ يا صبحَ الورى * * * والليلُ بعدك في الشوارع يكبرُ
اليوم كيف تنامُ يا لغةَ الهدى * * *والعلمُ بعدك في الحقائب يسهرُ
أتُهال فوق البحر أتربة النوى؟!! * * * *هيهاتَ يفنى الماءُ وهو الأكثر