لم أنس تلك الليلة القمراء

4.1k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

طـابَ الـلـقـاءُ الـعذبُ بالفتيان *** أهـلِ الـهـدى، فـي ظلِّه الفينانِ

ذي لـيـلـةٌ قـمـراءُ تبسمُ فالمنى *** تـفـتـرٌّ عـن نـوَّارِها النَّشوانِ

بـالـطـيـبـاتِ من المآثرِ لألأت *** فـي حـقـلِ مـجدِ الدعوةِ المِرنانِ

أرأيـتَ أحـلـى من موائدِها التي *** أغـنـى بـيـادرَها الربيعُ الهاني

أطـبـاقُـهـا مُدَّت لأربابِ النٌّهى *** وأولـي الـفـضائلِ في عُلُوِّ الشانِ

رُطَـبٌ مـن الـقيم الرفيعةِ طعمُها *** لـلـصائمين عن الهوى الشيطاني

تـحـكـي اندياحَ الخيرِ من يدِ أُمَّةٍ, *** حـمـلـت لـواءَ كـتابِها الرَّباني

وهفت به تحيي العصورَ، ولم تزل *** رغـمَ احـتـدامِ شـراسةِ العدوانِ

أو غـرفـةٍ, مـن سلسلٍ, يروي إذا *** ظـمـئَ الـفـتى واشتاقَ للطيرانِ

لـم يَـنـمُ بـسـتانُ الفخارِ بغيرِه *** فـانـظـر خـمـائلَ ذلك اليستانِ

أغـنـى عـذوبـتَـه النَّبيٌّ محمّدٌ *** فـاهـتـزَّت الـصَّحراءُ بالعرفانِ

وأتـى بـه جـبـريـلُ من عليائه *** لـيـضـيءَ وجهَ الكونِ نورُ مثاني

فـجـرت يـنـابـيعُ العلومِ سخيَّةً *** عـلـويَّـة الـتِّـبـيانِ والبرهانِ

فـتـعـلَّـمَ الـعـربيٌّ بعدَ جهالةٍ, *** واشـتـدَّ سـاعـدُ عـزمِه اللهفانِ

إذ سـارَ فـي الـكونِ الفسيحِ يُنيرُه *** ويـردٌّ عـنـه عـواصفَ الحرمانِ

يُـؤتـي بـما للدينِ من حللِ العلى *** قـيـمًـا وقـد غابت عن الأذهانِ

واسـتـثمرتها في الشعوبِ سواعدٌ *** جـدَّت لـنـيـلِ سـعادةِ الإنسانِ

وإذِ الـشـبـابُ تـهـزٌّهم أفنانُها *** وتـقـيـلُـهـم من غفلةٍ, و هوانِ

ورأوا بـهـا حُـلوَ الرقيِّ إذا غدوا *** يـتـواثـبـون تـواثـبَ العقبانِ

مَـن ذاقَ طـعـمَ المجدِ وهوَ مطهَّمٌ *** لـم يـنـسَ خيلَ المجدِ في الميدانِ

فـامـنـح شـبـابَكَ يا فتى أُترُجَّةً *** تـجـدِ الـطٌّـيوبَ ترفٌّ بالأردانِ

وافـتـح نـوافـذَ للعلومِ، وقم لها *** بـالـشـوقِ ذا جـلـدٍ, و ذا إيقانِ

جل في جنى سوقِ الشريعةِ، واغتنم *** مـافـيـه مـن ثمرِ الحِجى الرَّيَّانِ

أوقـد فـؤادَك بـاليقينِ، وحاذرن *** مـن زوغـةٍ, أو لـوثـةٍ, و دخـانِ

فـزمـانُـنـا هـذا أثـارَ غـثاءَه *** ولـغـا بـحـرمـةِ هدأةِ الوجدانِ

وطـغـى بـه الإعـلامُ في أطباقِه *** كـالِّسحرِ يطوي الوعيَ في اليقظانِ

و يـجيشُ كالدمِ في العروقِ معربدا *** بـالـسٌّـمِّ يـفـرزُه فـمُ الـثعبانِ

فـشـهـيٌّـه داءٌ وبـيـلٌ قـاتلٌ *** لـمـآثـرِ الآدابِ فـي الـفـتيانِ

و جـمـيـلُه ومضُ السَّرابِ بقيعة *** لـم يـروِ مـن لهفِ الفتى الحرَّانِ

يـغـري الـعـيونَ إذا تثنَّى زيفُه *** و يـدغـدغُ الـشَّهواتِ في الإنسانِ

لـكـن لـو اسـتـعجمتَه لوجدتَه *** بـورا تـجـارتُـه بـلا أثـمـانِ

وكـبـائـعِ الأهـواءِ يـلهثُ خلفَه *** مَـن سـيقَ لايجني سوى الخسرانِ

* * *

الأُنـسُ بـالـقـرآنِ هزَّ مشاعري *** فـاسـتـوحشت عينايَ دارَ هوانِ

لم أنسَ تلك الليلة القمراء مشرقةَ.. *** ... الـمـحـيَّـا فـي سنا الأعنانِ

وحـبـا فـؤادي بالرضا مدرارُها *** وهـفـا مـن الأعماقِ شكرُ لساني

مـجلى... وراءَ العالم الأعمى الذي *** لـم يـدرِ مـافـي لـيـلةِ الفرقانِ

ردَّ اعـتـبـاري في الحياةِ كمسلمٍ, *** لـم يُـدمِ وجـهَ الـخـيرِ بالشنآنِ

و رأى بـمـنـهـجِ ربِّه للروحِ ما *** لـم يُـبـدَ بـيـن محاسنِ العرفانِ

ولـكـلِّ طلاَّبِ السعادةِ في الورى *** لـو أسـلـمـوا الرغباتِ للرحمنِ

حـيـثُ الـمنازلُ للعصاةِ تباشرت *** بـالـتَّـوبِ قـبل الموتِ والإيمانِ

و دلاؤُهـا مـلأى، وبـوحُ جمالها *** ألـقـى مـفـاتـنَـه على الأجفانِ

و الـوُدٌّ مِـزودُ فـطرةٍ, ما دثنِّست *** بـذمـائـمِ الـكـفـرانِ و النكرانِ

مـازالَ بـابُ اللهِ مـفـتوحًا فهل *** يـهـفـو ابـنُ آدمَ ويك للحنَّانِ!!

يـا أنـتَ أقـدم واغـتـنم نفحاته *** فـلـقـد أتـتـكَ بـسرِّها الرباني

إن كـنـتَ ذا عـقلٍ, فيمِّم شطرَها *** تـلـقَ الظلالَ هناك وطيبَ مغاني

وأنـعـم بـرضـوانِ الإلـهِ بخلدِه *** وانـهـل مـن العبقِ الشَّهيِّ الهاني

أمـنُ الـخـلـودِ الـعذبُ قرَّ بجنَّةٍ, *** فـزكـا مـحـيَّـاهـا بلا أحزانِ

وإذا أردتَ الـفـتحَ في دنيا الورى *** والـعـزَّ والـنَّـصرَ المبينَ الدَّاني

فانشد جُذى نورِ الكتابِ، فقد مضى *** زمـنُ الـضَّـلالِ وعابسُ الخذلانِ

هـيـهـاتَ أن يـجدَ المعنَّى راحةً *** أبـدًا بـغـيـرِ شـريـعةِ القرآنِ


أضف تعليق