الداعية الفوضوي.. كتاب مبعثر الأوراق


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

إن حياة كل منا عبارة عن كتاب، والواجبات أوراقه، ولا يمكن أن نسمي الحياة بقصة نجاح سعيدة إلا بعد ترتيب صفحات الكتاب: الأولى فالتي تليها.وهكذا هي الواجبات، وهكذا يجب أن توزع الأوقات حسب القاعدة التي تقول: \"الأهم ثم المهم\".

إن النجاح لا يعني بالضرورة السعادة، فإن السعادة التامة لا تأتي إلا بترتيب الأولويات، كل منها بمكانها الصحيح، فلا يُقدَّم ما يجب تأخيره، ولا يؤخَّر ما يجب تقديمه.

أوهام أصحاب الهمم

إن الداعية يُربَّى منذ نشأته على الهمّة العالية والنفس الكبيرة التي تطمح لتحقيق درجة عالية تقترب من الكمال قدر الإمكانº وإن هذه الهمّة والطموح الكبير قد يُؤديان في بعض الأحيان لفهم مغلوط، وذلك بأن يَظن الداعية أنه \"الرجل الخارق\" الذي يتحمل كل ثقيل في سبيل دعوته، فهل هذا الفهم صحيح؟!.

لماذا يحرص الداعية على أن يُري الناس بأنه قادر على أن يفعل كل شيء، وينسى في خضم هذا أن لربه عليه حقًّا ولنفسه عليه حقًّا ولأهله عليه حقًّا؟!

ما سلم الأولويات بالنسبة للداعية؟ وما الحل إذا كانت الواجبات أكثر من الأوقات؟.

إن مشكلة الداعية الذي ينفق وقته دون ترتيب لأولوياته، هي حلول الفوضى في حياته، حيث تأخذه الحماسة لبذل الجهد والوقت والمال، وذلك شرف عظيم لا شك - وسعادة لا تُثمَّن إذا استطاع أن يضع خطاه على الطريق الصحيح بالوقت والمكان الملائمين. إلا أن الداعية - مع كثرة الواجبات الحياتية - عليه أن يضع نفسه مكان الطبيب في غرفة العمليات، وقد ازدحم المرضى ومرافقوهم بانتظار أن يدخلوا الغرفة لإجراء عملياتهم. فيحتار الطبيب أيهم يقدم؟ أهو الأكثر قدرًا ومكانة، أم الأكثر ألمًا وصراخًا، أم أقربهم للموت لإنقاذه؟ يفكر الطبيب لحظات قليلة، فاختياره تتوقف عليه حياة أناس، ثم يختار بالنهاية أن يُقدِّم ذلك الذي يعاني من إصابة خطيرة قد تؤدي به للموت.

لو أدرك الداعية أنه كهذا الطبيب، وأن كل يوم يمر هو محسوب عليه، وأن الملكين يكتبان، ولا أعذار يومئذ بين يدي الله - سبحانه وتعالى -. فمن لم يصلِّ الفرض لا عذر له إن أشغلته كتابة مقال دعوي عن هذا الفرض، ومن أهمل بيته فضاع مع الضائعين بحجة الدعوة، لا عذر له إن دعا الناس ورباهم، وغفل عن أولاده وتركهم ليفسدهم من يدعوهم هو للهداية!!.

أليست هذه هي المشاهد التي نعاني منها جميعًا كدعاة؟ أليس يومنا مُبرمجًا منذ بدايته حتى نهايته، وكأنه قدر لا نستطيع السيطرة عليه؟!.

اعرف نفسك

لقد حان وقت التغيير، لكسر الروتين، وإدخال الحيوية والشعور بالراحة على حياة الداعية.

ولنضع يدنا على المكان الأكثر إيلامًا، ولندرك مكان الجرح ثم نصف الدواء، لا بد أن تقوم بتقييم كيفية ترتيبك للأولويات بحسب الجهد والوقت الذي تقضيه بالعمل عليها من خلال إجابتك على هذه الأسئلة:

1- هل تتفقد حالك مع الله بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري، فتدرك تقصيرك وتستدركه، بوضع واجبات تسد احتياجاتك الروحية، وتمحو السيئات بحسنات أولاً بأول؟

أ- نعم، غالبًا أقوم بذلك وأنجح بالتقدم.

ب- نعم، أحاول لكن كثيرًا ما أفشل.

ج- كلا، ليس عندي وقت لمراجعة نفسي.

2- هل تخطط وتبرمج وقتك في بداية يومك، فتكتب ما عليك من واجبات ومواعيد ولقاءات؟

أ- نعم، غالبًا أخطط، فأنفذ وأراجع.

ب- أحاول فأنجح أحيانًا، وأفشل أحيانًا أخرى.

ج- كلا، لا أخطط ليومي.

3- هل تجلس مع عائلتك بشكل يومي، وتحاول توطيد صلتك بهم ومشاركتهم أمورهم واهتماماتهم ومشكلاتهم:

أ- نعم، دائمًا.

ب- أحاول، لكن لا أجد الوقت أحيانًا كثيرة.

ج- كلا، لا أجد الوقت أبدًا لذلك.

4- هل تحرص على ترتيب واجباتك الدعوية، وتخطط لإنجاز ما عليك في وقته بإتقان وإبداع وتميّز؟

أ- نعم، أقوم بذلك غالبًا.

ب- أؤدي الواجبات لكن في وقتها الأخير.

ج- كلا، أعتذر كثيرًا لانشغالي.

5- هل تقوم بتطوير نفسك من حين لآخر، فتشحذ همتك من خلال جلسات متابعة ومحاسبة وتقييم لإنجازاتك بجميع الأصعدة: الروحانية، الدعوية، الاجتماعية، المهنية والذاتية؟

أ- نعم، أقوم بصفة دورية بتقييم إنجازي السابق، وأخطط لما هو آتٍ,.

ب- كثيرًا ما أنوي فعل ذلك، فأفعل أحيانًا وأخفق أحيانًا وسط زحام الحياة.

ج- كلا، لا أتابع نفسي وأكتفي بالسير حسب الروتين المفروض عليّ.

6- اتصل بك المسئول عنك دعويًا، وسألك عن إمكانية توليك مهمة دعوية إضافية، وأنت تدرك أن وقتك لا يتسع بتاتًا لهذه المهمة، وأن اهتمامك بما أنت مُوكلٌ به حاليًّا هو ما تتقن العمل به، وهناك غيرك في رأيك- من يستطيع القيام بالمهمة الجديدة المعروضة عليك. فهل تقبل؟

أ- كلا، فوقتي وطاقتي لا تحتمل.

ب- آخذ فرصة للتفكير.

ج- أقبل دون تردد، فإني أخجل من الرفض، فهي دعوة فيها الأجر، كما أنها فرصة يجب استغلالها لأسباب عديدة؟

7- بأي من هذه الأعمال تصرف جل وقتك وجهدك؟

أ- العاجل والمهم.

ب- العاجل وغير المهم.

ج- غير العاجل وغير المهم.

بعد أن تنتهي من الإجابة، أعطِ نفسك تقديرًا كالآتي:

لكل إجابة (أ) 3 درجات.

لكل إجابة (ب) درجتين.

لكل إجابة (ج) درجة واحدة.

فإذا حصلت على درجات من 18-21، فأنت ماهر بترتيب أولياتك، وتدير وقتك بطريقة جيدة.

وإذا حصلت على درجات من 16-18 فأنت حذر بترتيب أولوياتك، لكنك تحتاج أن تجتهد أكثر.

وإذا حصلت على درجات من 14-16، فأنت تحتاج بالفعل لتعلم كيفية ترتيب أولوياتك وإدارة وقتك.

وإذا حصلت على درجات أقل من 14، فأنت بالفعل تعيش في فوضى، وعليك أن تقف وقفة جادة مع نفسك قبل فوات الأوان.

أيتها الفوضى.. وداعًا

وقبل أن نتعرف على أساليب ترتيب الأولويات، علينا أن نتعرف على الأسباب التي تؤدي لفوضى الأولويات، حتى نتجنبها في حياتنا، وهذه أهمها:

1- عدم تنظيم الوقت.

2- الانشغال بالتوافه والكماليات عن الضروريات والواجبات.

3- عدم تقدير الوقت الكافي لإنجاز العمل، فإما تأخير وإما تقديم.

4- عدم التخطيط لكيفية أداء كل واجب بمختلف مجالات الحياة.

وأفضل أسلوب لطرد الفوضى والتمتع بحياة متوازنة وسعادة ذاتية هو: التخطيط وترتيب الأولويات. وعلى هذين ترتكز الحياة المستقرة والنجاح المتميز والإبداع.

وقد كتب علماء التنمية البشرية في هذه الموضوعات الكثير من الكتب، وكان من أنجحها وأكثرها مبيعًا ما جاء في كتاب (GET THINGS DONE) للكاتب (أدوين بلس).

فقد رتب الكاتب الأولويات في أربعة أنواع: (أ، ب، ج، د) وهي كالتالي:

الأولوية (أ):

وهي الأعمال العاجلة والهامة، وهذه تكون وقت الأزمات والأوقات الطارئة، فلا نملك التخطيط المسبق لها، لكن نتعلم كيفية معالجتها من خلال التجربة والمعرفة.

الأولوية (ب):

وهي الأعمال الهامة وغير العاجلة، وهنا يمكن التخطيط الإستراتيجي والفعّال لمعظم أعمالنا، والخطأ الذي يقع فيها معظمنا اعتقاد أن ما دام عملنا يسير بشكل جيد فلا حاجة للتخطيط، وهذا خطأº لأن نتائج التخطيط الفعّال والإيجابي لا تظهر على المدى القريب، بل هي بعيدة المدى.

الأولوية (ج):

وهي الأعمال العاجلة وغير الهامة.

أما الأولوية (د):

فهي الأعمال غير الهامة وغير العاجلة، مثل الزيارات المفاجئة في العمل، أو الاتصالات الجانبية التي ليس لها هدف محدد أو حاجة، وغيرها من المؤثرات الخارجية. وهنا يملك الإنسان السيطرة على هذه المؤثرات وذلك من خلال استثمار جزء من وقته لإدارة هذه الأولوية والإقلال قدر الإمكان منها.

ما نسعى إليه هو قضاء معظم الوقت لإنجاز الأعمال في الأولوية (ب) ووقت كبير بإنجاز الأعمال في الأولوية (أ) وأقل وقت بالأولوية (ج)، وإلغاء نشاطات وأعمال الأولوية (د) قدر الإمكان.

وما يحدث مع البعض هو أنه يعمل بسياسة إطفاء الحرائق في الأولوية (ب)، أي أننا نكرس جهدنا في أعمالنا الرئيسية، والتي ترتكز عليها حياتنا، ونتعامل معها كأنها أزمات سريعة بحاجة لعمل سريع، ونفقد حينها طعم الإبداع والسعادة في أداء عملنا، إضافة لعدم الإتقان الذي هو واجب شرعي على كل مسلم.

لذا من الواجبات علينا نحن الدعاة أن نحسن ترتيب حياتنا من جديد، وأن نتريث قبل إنجاز كل عمل، ونضعه في مكانه ووقته الملائم.

ليس الانشغال عذرا

إن ذاتك - أخي الداعية - تحتاج مزارعًا يتقن فن التعامل مع أوراق الحياة، فيقلم هذه ويسقي تلك ويُديم رعايتها بمهارة وتروٍ,. فطوِّر ذاتك، واهتم بصحتك ونفسيتك، طور مهاراتك: اقرأ وسافر، جرب وتعلم.

عائلتك وأصدقاؤك هم الصدر الذي لا تشعر بالحنان إلا فيه، فلا تغفل عن الاهتمام بهم، والاستمتاع بقضاء الوقت معهم.

احرص على أن تبدع في عملك، وتتقدم فيه، وتعطيه حقه، وتؤديه على أحسن وجه، واحذر من الروتينº لأنه سيجعلك تصل إلى الملل، ثم إلى اليأس والركود الفكري والعقلي.

إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحمل هم الدعوة على كاهله، وكان المربي والقائد والمعلم والأب والجد، ورغم ذلك كان يعطي كل ذي حق حقه. وهو قدوتنا صلوات الله وسلامه عليه، وسيرته العطرة مشكاة هداية لنا، ينير لنا حياتنا ويوجهنا في كيفية إدارتها للوصول إلى أعلى المراتب في الدارين. ولنا في رسولنا قدوة حسنة وبه نقتدي ومن نوره نهتدي للخير.

فليس الانشغال عُذرًا، ولكنه التخطيط حلاًّ، لِجَعلِ الفلاح قَدَرًا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply