ما بالُ مكةَ قد ضجت نواحيهـا؟ *** ودمع طيـبةَ يجـري من مآقيها؟
ما للجزيرةِ قد مـادت بساكنهـا؟ *** فاهـتز شامخُـها وارتج واديهـا!
ما للعـروبةِ والإسـلامِ روَّعَهـا*** خَطبٌ ألمَّ وظُـلمٌ من أعـاديهـا؟
أيسخرون من الهادي الذي شرفت*** بـه البـريةُ قاصيـها ودانيـها؟!
أيسخرون من الأنوارِ قد كشـفت*** مجاهلَ الظلم فـانزاحت غواشيـها
أيسخرون من المجدِ الذي خضعت*** له الجـبابـرُ حتى ذل طـاغيـها
أيهـزؤون بـه؟ شُـلت أكفٌّـهُمُ*** ودمـر الله ما تجـني، وجانيـها
أعـداءُ كـلِّ نبي جـاء يُنقـذُهم*** من الضـلالةِ لما أُركسـوا فيـها
محمدٌ خـيرُ من سـارت به قـدم*** وأكـرمُ الناس ماضيهـا وباقيـها
أوفَى الخليـقةِ إيمـانـاً وأكملُـها*** ديـناً، وأرجحُـها في وزن باريها
من مثلُه في الورى بِراً ومرحمةً؟ *** ومن يشـابهُه لطـفاً وتوجيـها؟
جـاءت رسـالتُه للناس خـاتمـةً*** وجـاء بالنعـمة المسـداةِ يهديها
أحـيا الحـنيفـيةَ الغـراءَ متبِـعاً*** نهـجَ الخليلِ ولم يخطـئ مراميها
وسـار في كـنفِ الرحمنِ يكلـؤه*** إلى الحسـانِ من الأخـلاقِ يبنيها
هو البشـيرُ لمن أصغى لدعـوتِـه*** هو النـذير لمغـرور يعـاديـها
كسـرى تَكَسَّـرَ إذعـاناً لهيـبته، *** قصورُُ قيصرَ هُـدت من أعاليـها!
وأقبـلت أمـمٌ شتـى مبـايعـةً*** تمُد للعـدلِ والإحسـانِ أيديـهـا
نـالت بدعـوتـه نُعمى ومكـرُمةً*** وأسـعد الله بعـد البـؤسِ ناديـها
في الهندِ والصينِ والقوقـازِ طائفةٌ*** تذود عن عرض خير الناس تنزيها
وفي (أُورُبَّـةَ) أقـوامٌ قلـوبُهُـمُ*** بدين أحـمدَ قـد نـالت أمـانيـها
الصامدون بوجهِ الكُـفرِ ما ضَعُفُوا*** يجـابهـون المـنايـا في تحديهـا
يفـدون عرضَ رسولِ الله ما بخلوا*** وبالنفـوس إذا نـادى منـاديـها!
حتى إذا نشر الأنـذالُ حقـدَهُـمُ*** وبارزوا اللهَ من عـدوانهـم تيـها
تـؤزٌّهـم زُمَـرٌ ضاقت نفوسُـهم*** لهم عـيونٌ شُـعاعُ الحق يُعشـيها
بنو اليهـودِ ومن سـاءت سريرتُه*** فأبـدل الصـدقَ تزويراً وتمويـها
أيسخـرون من المعصـومِ ويلهُم؟ *** ويطلـبون لـه ذمـاً وتشـويها؟
من جـاء بالملةِ البيضـاءِ صـافيةً*** نقـيةًº وبنـور الـوحي يحييـها
أقـام بالعـدلِ مجـداً لا زوال لـه*** وأمَّــةً كـنفُ الرحمنِ يحميـها
من بئرِ زمزمَ سُقـياها ومطعمُـها*** من تمر طيبةَ قد طـابت مغانيـها
أرواحُهـا بظـلالِ البـيتِ هائمـةٌ*** من دونه تُرخِصُ الدنـيا وما فيها!
فـداءُ عرضِ رسـولِ الله أنفسُـنا*** وكـلٌّ نفـس وما تحـويه أيديـها
وصلِّ يا ربِّ ما هبَّ النسيمُ على*** معـلمِ الأمـمِ الحَـيرَى وهاديـها
تحـيةً لـرســولِ الله أبعثُـهـا *** ويـومَ هجـرتِه الغـراءِ أهديهـا