إضاءة في سراديب الحياة

33k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا لم يحن أمرٌ فسوف يحينُ *** وكلٌّ قويٍ, للزمانِ يلينُ

أيا قلبُ قد تهوى الحياةَ حزينةً *** ويطربك الشادي وأنتَ حزينُ

تمرٌّ بنا الأيام والغيبُ دونها *** وخالقُنا أدرى بما سيكونُ

وكم طائرٍ, غنّى على الأيكِ فرحةً *** ومالت على التغريد منه غصونُ

إذا ما شدا أصغى الزمانُ لشدوه *** وفتَّح وردُ الروض والنِّسرينُ

غدا ذاتَ يومٍ, للجراح فريسةً *** وما صانه شدوٌ ولا تلحينُ

ألا أيها الشادي وكلٌّك لوعةٌ *** أتطربنا والقلبُ منكَ شَجونُ؟

بقلبيَ هذا الشدو حين تبثٌّه *** وفي قلبك الشاكي أسىً وأنينُ

عزاؤكَ إن لم تحظَ يوماً ببسمةٍ, *** وآذاك حسَّادٌ وخان قرينُ

عزاؤك في الشدو الذي أنتَ صُغتَه *** وإن غرقت بالدمع جفونُ

يشوقك تغريدُ العصافيرِ والدجى *** هزيلٌ طريدٌ، والصباحُ جنينُ

وللطلِّ في نجوى الزٌّهور تفنٌّنٌ *** كذلك أحلامُ المحبِّ فنونُ

يروقك لونُ الورد، يُغريك عطره *** فقلبك في كفِّ الجمالِ سجينُ

أيا قلبُ أحداثُ الحياةِ أليمةٌ *** ودنياك حَيرَى، والهناءُ خؤونُ

أراك تردٌّ الطَّرفَ تطلبُ سالفاً *** وفيكَ لماضي المسلمين حنينُ

أتعشق في وجه الحبيب ملاحةً *** وتطمع في النجوى، وأنت ضنينُ

وتهفو إلى نومٍ, وتنسى بأنه *** سيُولدُ من أقصى المتاعبِ لينُ؟

وربَّ فصيحٍ, مجدُه في لسانه *** إذا عنَّ أمرٌ لا يكادُ يبينُ

وربَّ نقيِّ النفس مكتملِ الحجا *** يُحيطُ به الحسَّادُ حيث يكونُ

يظلّوُن في كيدٍ, له وعداوةٍ, *** لينتقصوا من أمره ويُهينوا

وكم صاحبٍ, يُبدي لك الودَّ والرِّضا *** وفي قلبه حقدٌ عليك دفينُ!

على وجهه تبدو علاماتِ حقده *** وكلٌّ خفيٍّ, في الحياةِ يَبينُ

وما كلٌّ من يُبدي لك الودَّ صادقٌ *** وما كلٌّ من يُبدي الجفاءَ يخونُ!

وما الناسُ إلا كالمعادن، بعضُها *** خبيثٌ، وبعضٌ طيِّبُّ وثمينُ

وكم رافعٍ, رأساً وفي الوحل رجلُه *** كذلك أمر الحاقدين جنونُ

وكم قاتلٍ, والسيفُ في كفِّ غيره *** وكم باذلٍ, والقلب منه ضنينُ

ورُبَّ فتى يسعى إلى كل زلَّةٍ, *** ويحبو إلى الخيراتِ وهو حزينُ

تراءى له العيش الجميل فغرَّه *** وقد تخدَع الدنيا فتى فيهونُ

أقول له: أسرفتَ في فعل منكرٍ, *** وجاوزتَ حدَّ الله يا مسكينُ

بذلتُ له نصحي، وقلتُ: له اعتمد *** على خالقٍ, يُعطي الفتى ويصونُ

بتدبيره تمضي الأمورُ وإنما *** يقول لشيءٍ, كُن كذا فيكونُ

أيُنسى وفي الدنيا دلائل ملكه *** فذلك كفرٌ بالكتاب مبينُ

إذا غصَّ قلبٌ بالمعاصي فإنها *** ستقتل فيه العزمَ ثم تَرينُ

وإن بَطَرَ الإنسانُ يوماً بنعمة *** فأموالُه فقرٌ له وديونُ

إذا لم يردَّ المرءَ عن فعل منكرٍ, *** حياءٌ، ولم يردعه عنه يقينُ

فقد ضاع حتى لو بدا منه مظهرٌ ***جميلٌ، ولو تاقت إليه عيونُ

يردٌّ يدي عن بطشها خوفُ ربها *** ويمنع نفسي أن تخادع دينُ

وما العزٌّ إلا في التورٌّع والتٌّقى *** وإن قلَّ مالٌ أو جفاك معينُ

بني أمتي، في كلِّ يومٍ, لنا فمٌ *** يقول، ولكنَّ الفعالَ تَشينُ

علامَ يدوسُ المعتدون ركابَنا *** ونحن بنهج المعتدين ندينُ؟

أيُرفَعُ رأسُ المارقين عن الهدى *** ورأسُ الدعاةِ المصلحين طَمينُ؟

أيُحسمُ أمرُ الأقوياءِ بساعةٍ, *** وتمضي على أمر الضِّعافِ سنينُ

إذا أسلم الإنسانُ لله أمرَه *** فكلٌّ مصابٍ, في الحياةِ يهونُ


أضف تعليق