إذا لم يحن أمرٌ فسوف يحينُ *** وكلٌّ قويٍ, للزمانِ يلينُ
أيا قلبُ قد تهوى الحياةَ حزينةً *** ويطربك الشادي وأنتَ حزينُ
تمرٌّ بنا الأيام والغيبُ دونها *** وخالقُنا أدرى بما سيكونُ
وكم طائرٍ, غنّى على الأيكِ فرحةً *** ومالت على التغريد منه غصونُ
إذا ما شدا أصغى الزمانُ لشدوه *** وفتَّح وردُ الروض والنِّسرينُ
غدا ذاتَ يومٍ, للجراح فريسةً *** وما صانه شدوٌ ولا تلحينُ
ألا أيها الشادي وكلٌّك لوعةٌ *** أتطربنا والقلبُ منكَ شَجونُ؟
بقلبيَ هذا الشدو حين تبثٌّه *** وفي قلبك الشاكي أسىً وأنينُ
عزاؤكَ إن لم تحظَ يوماً ببسمةٍ, *** وآذاك حسَّادٌ وخان قرينُ
عزاؤك في الشدو الذي أنتَ صُغتَه *** وإن غرقت بالدمع جفونُ
يشوقك تغريدُ العصافيرِ والدجى *** هزيلٌ طريدٌ، والصباحُ جنينُ
وللطلِّ في نجوى الزٌّهور تفنٌّنٌ *** كذلك أحلامُ المحبِّ فنونُ
يروقك لونُ الورد، يُغريك عطره *** فقلبك في كفِّ الجمالِ سجينُ
أيا قلبُ أحداثُ الحياةِ أليمةٌ *** ودنياك حَيرَى، والهناءُ خؤونُ
أراك تردٌّ الطَّرفَ تطلبُ سالفاً *** وفيكَ لماضي المسلمين حنينُ
أتعشق في وجه الحبيب ملاحةً *** وتطمع في النجوى، وأنت ضنينُ
وتهفو إلى نومٍ, وتنسى بأنه *** سيُولدُ من أقصى المتاعبِ لينُ؟
وربَّ فصيحٍ, مجدُه في لسانه *** إذا عنَّ أمرٌ لا يكادُ يبينُ
وربَّ نقيِّ النفس مكتملِ الحجا *** يُحيطُ به الحسَّادُ حيث يكونُ
يظلّوُن في كيدٍ, له وعداوةٍ, *** لينتقصوا من أمره ويُهينوا
وكم صاحبٍ, يُبدي لك الودَّ والرِّضا *** وفي قلبه حقدٌ عليك دفينُ!
على وجهه تبدو علاماتِ حقده *** وكلٌّ خفيٍّ, في الحياةِ يَبينُ
وما كلٌّ من يُبدي لك الودَّ صادقٌ *** وما كلٌّ من يُبدي الجفاءَ يخونُ!
وما الناسُ إلا كالمعادن، بعضُها *** خبيثٌ، وبعضٌ طيِّبُّ وثمينُ
وكم رافعٍ, رأساً وفي الوحل رجلُه *** كذلك أمر الحاقدين جنونُ
وكم قاتلٍ, والسيفُ في كفِّ غيره *** وكم باذلٍ, والقلب منه ضنينُ
ورُبَّ فتى يسعى إلى كل زلَّةٍ, *** ويحبو إلى الخيراتِ وهو حزينُ
تراءى له العيش الجميل فغرَّه *** وقد تخدَع الدنيا فتى فيهونُ
أقول له: أسرفتَ في فعل منكرٍ, *** وجاوزتَ حدَّ الله يا مسكينُ
بذلتُ له نصحي، وقلتُ: له اعتمد *** على خالقٍ, يُعطي الفتى ويصونُ
بتدبيره تمضي الأمورُ وإنما *** يقول لشيءٍ, كُن كذا فيكونُ
أيُنسى وفي الدنيا دلائل ملكه *** فذلك كفرٌ بالكتاب مبينُ
إذا غصَّ قلبٌ بالمعاصي فإنها *** ستقتل فيه العزمَ ثم تَرينُ
وإن بَطَرَ الإنسانُ يوماً بنعمة *** فأموالُه فقرٌ له وديونُ
إذا لم يردَّ المرءَ عن فعل منكرٍ, *** حياءٌ، ولم يردعه عنه يقينُ
فقد ضاع حتى لو بدا منه مظهرٌ ***جميلٌ، ولو تاقت إليه عيونُ
يردٌّ يدي عن بطشها خوفُ ربها *** ويمنع نفسي أن تخادع دينُ
وما العزٌّ إلا في التورٌّع والتٌّقى *** وإن قلَّ مالٌ أو جفاك معينُ
بني أمتي، في كلِّ يومٍ, لنا فمٌ *** يقول، ولكنَّ الفعالَ تَشينُ
علامَ يدوسُ المعتدون ركابَنا *** ونحن بنهج المعتدين ندينُ؟
أيُرفَعُ رأسُ المارقين عن الهدى *** ورأسُ الدعاةِ المصلحين طَمينُ؟
أيُحسمُ أمرُ الأقوياءِ بساعةٍ, *** وتمضي على أمر الضِّعافِ سنينُ
إذا أسلم الإنسانُ لله أمرَه *** فكلٌّ مصابٍ, في الحياةِ يهونُ