موقف أعداء الدعوة من الدعاة والمصلحين ( 1 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

في مستهل حديثنا عن مواقف أعداء الدعوة لا بد أن نبين أن المقصود بالدعوة إلى الله معناها الشامل فهي بدأت منذ بداية الخليقة فهي قديمة جداً ، بل إن الخلق ما خلقوا إلا للدعوة إلى الله ، قال تعالى : \"وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعبُدُونِ\" [الذاريات ـ 56] والدعوة هي أشرف أنواع العبادة فهي مهمة الرسل ـ عليهم السلام ـ أولاً ثم أتباع الرسل قال تعالى \" قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ, أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ \" [يوسف ـ 108]، وإن الرسل وأتباعهم صبروا أيما صبر على مواقف الأعداء فلا بد أن نبين أن صبرهم كان تنفيذا لأمر الله - جل وعلا- وطاعة له ورغبة فيما عنده من النعيم ، فإنه لا يخفى على الكبير والصغير والعربي والعجمي والرجل والمرأة º ممن كان يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً º وجوب الدعوة إلى الله - جل وعلا- ، وأنها من فروض الكفايات إن وجد من يقوم بها وإلا كانت من فروض الأعيان ، قال تعالى :\" فَاصدَع بِمَا تُؤمَرُ وَأَعرِض عَنِ المُشرِكِينَ \" [الحجر ـ 94 ] وقال : \" ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ \" [النحل ـ 125] وقال تعالى : \" وَادعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُستَقِيمٍ, \"[الحج ـ 67]، وقال تعالى :\"وَادعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشرِكِينَ \" [القصص ـ 87] .

وبين الله - جل وعلا- أن الدعوة ليست محصورة فقط في الأنبياء ـ كما سبق وأن ذكرنا ـ بل إنها واجبة حتى على أتباع الأنبياء فقال تعالى : \" قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ, أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ \" [يوسف ـ 108]، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : ( يقول تعالى آمرا لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخبر الناس أن هذه سبيله أي طريقته ومسلكه وسنته وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله .. يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان وكل من اتبعه يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله - صلي الله عليه وسلم- على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي ) .

 

ثم نجد أن الله تعالى أوجب الدعوة وجوباً على المؤمنين فقال : \" وَلتَكُن مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلَى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ \" [آل عمران ـ 104 ] بل إنه تعالى أخذ من المسلمين المواثيق والعهود على البيان فقال : \" وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكتُمُونَهُ \"فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبئسَ مَا يَشتَرُونَ \" [آل عمران ـ 187] قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : (قال الحسن وقتادة : هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب. فمن علم شيئا فليعلمه، وإياكـم وكتمان العلم فإنه هلكة . وقال محمد بن كعب: لا يحل لعالم أن يسكت على علمه ) ، ثم بين تعالى حال الذين قصّروا في الدعوة فقال عنهم : \" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّورَاةَ ثُمَّ لَم يَحمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارًا \" [الجمعة ـ 5 ] .

 

ولابد أن نبين أن مقصودنا من الدعوة هي تلك الدعوة التي تنطلق وتستظل بشهادة إلا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهذه الدعوة لا تضيق بأحد من الخلق وليست تلك الدعوات التي تنطق من نظريات حزبية أو فكرية أو التزام موافقة فلان أو فلان من المشايخ ، تلك الدعوة التي تبدأ من قوله تعالى \"قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، اللَّهُ الصَّمَدُ ، لَم يَلِد وَلَم يُولَد ، وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ \"[سورة الإخلاص ] تبدأ بالتوحيد فلا يعبدون مع الله أحدا من الخلق لا رئيس ولا أمير ولا صاحب قبر ، تلك الدعوة التي خلعت كل شيء وبرأت من كل أحد إلا الله ، فهي من الله وإلى الله فهؤلاء هم حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون ألا إن حزب الله هم المفلحون ، تلك هي الدعوة الحقة الصادقة الخالية من حظوظ النفس .

 

ويجب أن نعلم أن الصراع بين الحق والباطل باقٍ, إلى قيام الساعة وأنها سنة إلهية فيجب أن لا نعجب من كيد أعداء الله ، قال تعالى : \"بَل نَقذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيلُ مِمَّا تَصِفُونَ \" [الأنبياء ـ 18] وقال تعالى : \" وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ, لَفَسَدَتِ الأَرضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضلٍ, عَلَى العَالَمِينَ \" [البقرة ـ 251] وقال تعالى : \" وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ, لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيُّ عَزِيزٌ \" [الحج ـ 40].

 

فمما سبق نعلم أن الدعوة إلى الله واجبة لا يعذر أحد بتركها ، ولكن بعض الناس لهم مواقف من هذه الدعوة فمنهم من قبلها وهم القلة الفائزة بالجنات ، ومنهم من ردها ، ومنهم من حاربها وهم أقسام وسوف أتحدث عن أهم هذه الأقسام وهم الملأ والمنافقين واليهود .

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply