أبتــاه إني في قيــودي مُثقـلُ *** و الأرض تحـتي يا أبي تتزلـزلُ
فالقـيد يُثقِـلــني إذا أنا أرتـقي *** و السَّــوطُ يَلسعني إذا ما أَنـزِلُ
و تنـوش جِسـمي المُكفَهِرَّ فتُدمِهِ *** تِلـكَ الكلاليبُ الـتي تتسـلسَـلُ
من عاتقي المكلومِ حتى أخمَصِ الـ *** قَدَمَيـنِ وَيـحَ الرِّجـلِ إذ أَتَـنقَّلُ
و إلى المنـون أُقـادُ لا مِن جُنحةٍ, *** كلاّ و لا ذَنـبٍ, جَنَيـتُ فأُقـتَـلُ
و أثُـورُ كالبُـركان حينَ تذكٌّـري *** أمّـاً تنـوحُ عليَّ أو تَـتَـملمـلُ
و تجـودُ بالعَـبَرات وَيـحَ فؤادِها *** قد كَـلَّمـوهُ فجُـرحُـه لا يُدمَـلُ
و يلُـوحُ في الآفاق طيفُ قرينـةٍ, *** تَبكي و يصرُخُ مِـن وراها الأنجُلُ
فكـأنًّ أنجالـي و قـد فارقـتُهـم *** زَهـرٌ أمـامَ العادِيـات سيـذبُـلُ
أبتـاه فاستوصِ بهـم فيمـا بقـي *** فَـلَنِعـمَ من يرعى و من يتكفّـلُ
مَـن يخلُـف الغـازي بُعَيدَ رحيلهِ *** في أهلـه فلـه الجـزاء الأجـزلُ
هـذي بِشـارةُ أحمدٍ, خيرِ الـورى *** خبـراً رواه لنـا الرعيـلُ الأوَّلُ
أمَّـا أنا أبتـاه فاختَـرتُ الـتـي *** قد هابَهـا جُـلٌّ الورى و تخاذلوا
و شهَـرتُ في وجهِ الطغاةِ مبادِئـاً *** أمضى من السيفِ الشهير و أصقلُ
فلقـد سئمتُ من الهوان و لم أكُـن *** إلا على درب الهـدى أستـبسِـلُ
ألأنـني رُمـتُ الحيـاة كـريمـةً *** و حَيِيـتُ ليثـاً مِـن وراه الأشبُلُ
ذُعِـرَ الطغاةُ و زُلزِلـت أركانُهم *** و انتابَهـم فَرَقُ السقوطِ المُذهِـلُ
فتـواثبـوا نحـوي بكلّ مكيــدةٍ, *** و تعاهدونـي بالقيـودِ و كبَّـلـوا
و استاقنـي الجـلاّد يُلهبُ أضلُعي *** بسياطِـه فتخورُ منِّـي الأرجُــلُ
و أحـاط بي مثـلَ السِّوار جنودُه *** بسلاحِهِـم و أنا الوحـيد الأعـزَلُ
يخشـون إيمانـاً يثـور بداخـلي *** فيحَـطّمُ الأوغـاَد إن هُم أقبَلــوا
كم ساومونـي بالوعـود لأرتجي *** عفواً من الطَّـاغوت أو أتوسَّــلُ
أنا لسـتُ ذا ذنبٍ, فأرجـو عفوَ مَن *** هتفـوا له متملِّقيـنَ و بجَّـلــوا
ذاك الـذي سـامَ العبـادَ بِبَطشِـهِ *** سوءَ العذاب و بـات منهم يهـزَلُ
و أذاقهُـم ذُلَّ الصَّغـارِ و لم يَزَل *** متغطرسـاً في المُلـك لا يتحـوَّلُ
و يجـود بالشعـب المعنَّى كُلِّــه *** بينـا بكُرسِـيِّ الإمـارة يبخَــلُ
فـإذا أبـى ذاك الهـوان موحّـدٌ *** صرخ (المناضِل) كبِّلوه أو اقتُلوا
فانقـادت الأُمَم التي قد سـامهــا *** سُـوءَ العذاب على خُطَاه و أَقبَلـوا
و أبيتُ أن أشري الحياة بمـا أرى *** فيـهِ عنِ القِيَـمِ العِـظـامِ تنازُلُ
فإذا زبانيـةُ الطٌّغـاةِ تُحيـطُنـي *** بجمـوعِها و إلى الدَياهـِبِ أُنقَـلُ
و استَصدَروا بالشنقِ أمراً عاجـلاً *** ما ضَـرَّهم لو فيـهِ لم يتعجَّـلـوا
أيُـهيبُهـم مني الفرارُ و مـا دَرَوا *** أنِّـي إلى دار الخـلود سأرحَــلُ
لا تعـدِلُ الدٌّنيـا جَنـاحَ بعوضـةٍ, *** أإلى الحيـاة عن الشهـادةِ أعدِلُ؟
قد مزَّقوا سِتـري الصقيل فلا تَرى *** إلاّ رقاعـاً فوق جسمـيَ تُسـدَلُ
لا تحسبَـنَّ رِقاعَهُـم ستَـلُفٌّـنـي *** أو تحسبّنِّـي بالبيـاضِ سـأرفُـلُ
فدِمـا الشهيـدِ إذا قـضى أكفانُـهُ *** و أنا بأكفـان الدِِّمــا أتسربَــلُ
لو يُدرِكُ الجَـلاّدُ سِـرَّ تبسٌّـمـي *** في وجـهِ هاتيـك المنون سيُذهَـلُ
إنَّـي إلى حتفـي أسيـرُ مقـيَّـداً *** لولا وثاق البـؤسِ كنـتُ أهـروِلُ
هذي القيـودُ تُعيقُـني و تحُـدٌّ مِن *** وَثبـي إلى مـا قد حييـتُ أُأِمِّـلُ
فمُنـايَ أن أقضـي شهيـداً مؤمناً *** و أَمـامَ ربِّي بالشــهـادة أمثُـلُ
وإلى ضِفـافِ العرشِ آوي كلَّمـا *** خَفَقَت بأجنُحِـهـا الطيورُ و أُقبِـلُ
نَيـلُ الشَّـهـادةِ رأسُ كلِّ فضيلةٍ, *** مَـن نالهـا فلـهُ الثواب الأجـزَلُ
و الله يجمعنـا و يحكُـمُ بيننـــا *** بالعـدلِ مَن غيـرُ المهيمنِ يعـدِلُ
و بحمدِ ربي و السـلام على النبي *** أبتـاهُ أختِـمُ ما أقـولُ و أُكمِـلُ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد