موقف الفقهاء من علوم الأوائل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نصب الفقهاء أنفسهم خصوما للقائلين بحرية الإرادة, وقدرة الإنسان على خلق أفعاله, وكان أول ظاهرة لهذه الخصومة مسألة (خلق القرآن) بمعنى أنه مخلوق, خلقه الله – تعالى - كأي حدث من الأحداث, ولو أنه كان قديماً, كما يقول الفقهاء لشارك الله – تعالى - في القدم, والله واحد لا شريك له.

وقد طرحت هذه المسألة أمام المأمون, وتولى تأييدها. وتبع تأييدها من بعده أخوه المعتصم, ومن بعده ابنه الواثق, واستمرت الخصومة بين الفريقين, وأخذ الفقهاء يتهمون من يتلقى علم الأوائل بالكفر والإلحاد, لأنها ترجع في أصولها إلى عقيدة اليونان التي تقوم على تعدد الآلهة, ومنها آلهة الحكمة والمعرفة وهما من عمل العقل الإنساني القادر على خلق أفعاله.

وكان الخلفاء والملوك يتألفون الفقهاءº لدعم سلطانهم عند العامة, وبذلك يتقارضون المنافع فيما بينهم.

فمن اتهمه الفقهاء بالكفر لأخذه بعلوم الأوائل, أو احتوائه كتبهم, كان يهان وتحرق كتبه, وقد نكب كثير من هؤلاء بتهمة الكفر منهم الإمام فخر الدين الرازي (ت: 595 هـ) فقد اتهمه فقهاء (غزنة) بأنه يأخذ بأقوال أرسطو وابن سينا والفارابي فأخرجه السلطان غياث الدين الغوري من (غزنة), ومنهم ابن دوست الجيلي (ت: 589هـ) فقد جمعت كتبه في ساحة عامة ببغداد, وأحرقت بين تهليل العامة وتكبيرهم,

ومثل ذلك جرى لأبي منصور عبد السلام الكيلاني (ت: 611هـ) ولم ينج ابن رشد (الحفيد) (595 هـ), وهو أعظم فلاسفة الإسلام مع علو كعبه في الفقه والطب من مثل هذه المأساة فقد اتهمه حساده من فقهاء مراكش بالكفر فأمر السلطان أبو يوسف يعقوب سلطان الموحدين بنفيه, وإحراق كتبه, كذلك اتهم ابن باجة بالزندقة, لأنه نادى بفصل العلم عن الدين, فدس له السم ومات في اكتهال عمره.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply