إني ليُثنيني المقال عن المقال *** فهنا رجال يستبد بهم رجال
وهناك طاغية بلا قلب، ولا *** عقل، ألدٌّ، يفوق ما نسج الخيال
وعلى رُبا أرض المحبة تُهتك ال *** أستار يُعبث بالطهارة والجمال
يقتادها جلادها بالقهر طو *** راً والأماني كاذبات، والوصال
فإذا تأبَّت أو عدت يوماً، ولم *** تحفظ له وداً، ولجت في السؤال
وإذا تململ طرفها من رقدة ال *** ذل الوبئ، ولم يطق عيش الذِّلال
وإذا - تعالى - صوتها عن همسة *** وتطلب الإنصاف، أو جمح الخيال
ألفيتَ كل نقيصة في الأرض تُل *** قى فوق هامات تقيات جِلال
هذا الذي صلب المسيح بزعمهم *** ورمى البتول بكل هاتيك الخصال
هذا الذي قتل الحسين جهارةً *** عمداً، ولم يحفظ لعصمته الجلال
هذا الذي باع البلاد وأهلها *** ورمى بَنِيها بالتفاهة والضلال
هذا الذي لولاه ما كانت أزق *** تكم مباءات لأوكار الخبال
هذا الذي قد سلم القدس الحبي *** بة في صباح حين قعقعت النعال
فمضى بعيداً، طوَّف الدنيا انكسا *** راً واختفى خلف الروابي والتلال
وأطل في ليل بهيم زائغ *** لتظن أنك في المعارك ما تزال
هذا الذي إن حل فيكم حاكماً *** سيكون إعصاراً ويُسرف في النكال
فامضوا لوأد العابثين بلهوكم: *** إبليس يحدو جمعكم، وأبو رغال
لا ترهبوا أحداً وكونوا سادةً *** وتقدموا لنزالهم آلاً فآل
فبَنُو النباهة قد نثرنا عقدهم *** وغدوا شراذمَ دأبها قيلٌ وقال
ماذا أقول وحولي الآمال صَر *** عى والبشائر في انكماش وانسلال
والقدس ترسُفُ في القيود وحولها *** أشلاءُ أهلي غُيِّبت تحت الرمال
والعابثون بمجدنا في كل أر *** ض يَرهبون أذان فجرك يا بلال
يخشون أن ترقى حصون جحيمهم *** فيدُكّ صوتُك ما أقاموا من جبال
ماذا أقول وكل دار حولها *** سور، وحول السور كوكبة اغتيال
مستوطنون هنا سكارى لا يرو *** ن سوى التمادي في التعدي والضلال
وهناك شرذمة يبوء بإثمها *** صِفرُ الرجولةِ والدعيٌّ بلا نِزال
أشفى علينا واستطاب نسيمنا *** فَرَغا وأزبدَ كي نعافَ له الزلال
ومضى يسوم صغارنا وكبارنا *** خسفاً وجوراً والبقية لا تقال
مَن لي بثائرة تثور كأنها *** شُهُبٌ إذا انقضت، براكين اشتعال
تفري الجناة تغوص في أرحامهم *** تجتث ما زرعوا بأرض من وبال
لا ترتضي إلا اقتطاف رؤوسهم *** ما بين ناصية كَذوبٍ, أو قذال
بالحق أرهِب مَن توارى خلفهم *** ودعِ السيوف على المدى رهنَ استلال
لا تأمنَن يوماً لباذل قوله *** حتى ترى لمقاله صدق الفِعال
واحذر أذى قوم تظل رؤوسهم *** في الطين غائصة ترقَّب في انشغال
لا يعرفون سوى الخديعة مذهباً *** كالصل سماً، حاذقون ذوو احتيال
أنسالُ حقد كالأفاعي كلما *** عاهدتهم قطعوا الوشائجِ والحبال
فيهم وحوش كالخِراف وداعةً *** خبثاً وميناً، مثل حاريةٍ, هزال [1]
ماذا أقول وكل أمر دونه *** أمر أجلّ، وخطة فوق الخيال
وأنا هنا وحدي تُطيف بي الرؤى *** والقلب يخفق، واليدان بلا مجال
والسابحون على شواطئ أُنسهم *** أَنسَتهُمُ الأيامُ دجلةَ والقنال
والزاعمون النصرَ في غدواتهم *** نسوا الجنوبَ غداة ضمهم الشمال
ولذاك أنثر في الدروب كنانتي *** هيمان، يثنيني المقال عن المقال!
ـــــــــــــــــــ
(1) الحارية:الأفعى التي كبرت ونقص جسمها ولم يبق إلا رأسها ونفَسها وسُمها.