وبضدها تتميز الأشياء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 تتجلى قدرة الله - عز وجل - في كل شيء من مخلوقاته، من ذلك قدرته - سبحانه - على خلق المتضادات المتقابلات، فقد خلق الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق وأطهرهم، وخلق إبليسَ أخبث الذوات وشرها، وخلق الليلَ والنهارَ، والداءَ والدواءَ، والموتَ والحياةَ، والشرَّ والخيرَ، والقبيحَ والحسنَ، وخلق علماءَ السوء في مقابل علماء الآخرة.

 

فلولا وجود أمثال بلعام بن باعوراء، وبشر المريسي، وابن أبي دؤاد، ومن شاكلهم، عليهم من الله ما يستحقون، ما عرفنا فضل الإمام أحمد، وبشر الحافي، وابن أبي العز، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وأمثالهم من علماء الآخرة الأطهار الأبرار، فبضدها تتميز الأشياء، فلولا موقف ابن أبي دؤاد الخبيث، وبشر المريسي الخسيس، لما استبان صدق وثبات أحمد بن حنبل، وأحمد بن نصر، وأبي نعيم من المخلصين الأخيار، فسبحان من لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدى.

 

 أهم سمات وخصائص علماء الآخرة

1. الخشية والخوف من الله - عز وجل -: \"إنما يخشى الله من عباده العلماء\"، فهذه أولى صفات علماء الآخرة، وهي الفارق بينهم وبين علماء السوء.

 

2. يؤمنون بالمحكم من القرآن وهو جله، وبالمتشابه من غير اتباع له، قال الله في مدحهم: \"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكـر إلا أولو الألبـاب\". [1]

 

3. بيان العلم وتوضيحه، وبذله للخاص والعام، كيف يروون ما صحَّ عن رسولهم - صلى الله عليه وسلم -: \"من سُئِل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة\"، ثم لا يبينون.

 

 4. يؤثرون الآخرة على الفانية.

 

5. الزهد، والتقلل من الدنيا، اقتداء بنبيهم واتباعاً لسير أسلافهم.

 

 6. عدم الدخول على الحكام وأخذ عطاياهم، ومن دخل منهم كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر شافعاً لإخوانه المسلمين.

 

7. الاشتغال بالعلم النافع.

 

8. اتقاء الشبه، والمعاصي، والبدع المحدثات.

 

9. موافقة أعمالهم لأقوالهم، فهم يدعون الناس بأعمالهم قبل أن يدعوهم بأقوالهم.

 

 10.يحذرون الشذوذ من الأقوال، ورخص وزلات العلماء.

 

11.التواضع ولين الجانب.

 

12.الاشتغال بالأمر والنهي والمناصحة. .

 

13.يعلمون الأدب والسلوك بجانب العلم.

 

أهم سمات وخصائص علماء السوء

1. عدم الخشية والخوف من الله، بل التجرؤ على حدوده، فمن لم يخش الله فليس بعالم، مهما حوى من العلم.

 

2. يؤمنون بمحكمه ويهلكون عند متشابهه:\"فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله\".

 

3. كتمان العلم، ولهذا ذمَّ الله أحبار السوء من اليهود:\"وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون\".[2]

 وقال:\"الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون\". [3]

 

4. يؤثرون الدنيا على الآخرة، يصدق عليهم قوله - تعالى -:\"بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى\". [4]

 

5. التلبس والاشتغال بنعيم الدنيا الفاني.

 

6. كثرة الدخول والتزلف إلى الحكام من غير قيام بواجب.

 

7. الاشتغال بالجدل والخصومات والتوسع في العلوم الفارغات.

 

8. الانغماس في الشبه والمعاصي وعدم التورع من البدع.

 

9. يخالف عملهم قولهم، فأقوالهم تدعو إلى الدين، وأفعالهم تنفِّر منه

 

10. ليس لهم شغل إلا البحث والتفتيش عن الزلات، والأخذ بالرخص والهفوات.

 

يتصفون بالاستكبار والتعالي.

 

 11.المداهنة والمنافقة

 

12.لا يُعنون بالأدب والسلوك.

 

ما ورد في علماء الآخرة وعلماء الدنيا ـ السوء ـ من الآثار:

لقد وردت آيات كثيرة، وأحاديث وفيرة، وآثار غزيرة في وصف هذين النوعين، وبيان ما يمتاز به كل فريق منهم، سنذكر طرفاً منها:

 

من القرآن

بجانب ما سبق:

 

1. \"وإنَّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم\". [5]

 

2. \"وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين\".[6]

 

3. \"فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثلما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يُلقاها إلا الصابرون\".[7]

 

4. \"ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمين\". [8]

 

من السنة

1. \"خيرُكم من تعلم القرآنَ وعلمه\". [9]

 

2. \"لا حسد إلا في اثنتين\"، وذكر منهما:\"ورجل آتاه الله الحكمة وهو يقضي بها\".

 

3. \"لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، وتماروا به السفهاء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار\". [10]

 

4. \"العلم علمان، علم اللسان فذلك حجة لله - تعالى - على خلقه، وعلم في القلب فذلك العلم النافع\". [11]

 

من الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم:

1. قال عليّ - رضي الله عنه -في حديث الطويل:\"الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم يزكو على الإنفاق، والمال ينقصه الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، منفعة المال تزول بزواله، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء أحياء باقون ما بقي الدهرº ثم تنفس الصعداء وقال: هاه، إن هاهنا علماً جماً، لو وجدتُ له حملة، بل أجدُ طالباً غير مأمون، يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا، ويستطيل بنعم الله على أوليائه، ويستظهر بحجته على خلقه، أو منقاداً لأهل الحق لكن ينزرع الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا بصيرة له، لا ذا ولا ذاك، أو منهوماً باللذات سلس القياد في طلب الشهوات، أو مغرى بجمع الأموال والادخار، منقاداً لهواه، أقرب شبهاً بهم البهائم السائمة، اللهم هكذا يموت العلم إذا مات حاملوه، ثم لا تخلوا الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهر مكشوف، وإما خائف مقهور، لكيلا تبطل حجج الله - تعالى - وبيناته، وكم وأين أولئك؟ هم الأقلون عدداً، الأعظمون قدراً، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، يحفظ الله - تعالى - بهم حجة، حتى يودعها من وراءهم، ويزرعونها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فباشروا روح اليقين، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأنِسوا بما استوحش منه الغافلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك أولياء الله - عز وجل - من خلقه، وأمناؤه وعماله في أرضه، والدعاة إلى دينهº وقـال: واشوقاه إلى رؤيتهم\".

 

هذا الذي ذكره أخيراً هو وصف علماء الآخرة:

2. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: \"سيأتي على الناس زمان تملح فيه عذوبة القلوب، فلا ينفع بالعلم يومئذ عالمه ولا متعلمه، فتلون قلوب علمائهم مثل السباخ من ذوات الملح، ينزل عليها قطر السماء، فلا يوجد لها عذوبة، وذلك إذا مالت قلوب العلماء إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، فعند ذلك يسلبها الله - تعالى - ينابيع الحكمة، ويطفئ مصابيح الهدى من قلوبهم، فيخبرك عالمهم حتى تلقاه أنه يخشى الله بلسانه، والفجور ظاهر في عمله، فما أخصب الألسن يومئذ، وما أجدب القلوب! فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذلك إلا لأن المعلمين علموا لغير الله - تعالى -، والمتعلمين تعلموا لغير الله - تعالى -\".

 

3. وقال حذيفة - رضي الله عنه -:\"إنكم في زمان من ترك فيه عشر ما يعلم هلك، وسيأتي زمان من عمل فيه بعشر ما يعلم نجا، وذلك لكثرة البطالين\".

 

4. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في وصف علماء الآخرة والدنيا يرفعه، والصحيح وقفه عليه:\"علماء هذه الأمة رجلان: رجل آتاه علماً فبذله للناس، ولم يأخذ عليه طمعاً، ولم يشتر به ثمناً، فذلك يصلي عليه طير السماء، وحيتان الماء، ودواب الأرض، والكرام الكاتبون، يقدم على الله - عز وجل - يوم القيامة سيداً شريفاً، حتى يوافق المرسلين، ورجل آتاه الله علماً في الدنيا فضنَّ به على عباد الله، وأخذ عليه طمعاً، واشترى به ثمناً، فذلك يأتي يوم القيامة ملجماً بلجام من نار، ينادي منادٍ, على رؤوس الخلائق: هذا فلان ابن فلان، آتاه الله علماً في الدنيا، فضنَّ به على عباده، وأخذ به طمعاً، واشترى به ثمناً، فيعذب حتى يفرغ من حساب الناس\". [12]

 

5. وقال الحسن البصري - رحمه الله -:\"عقوبة العلماء موت القلب، وموت القلب طلب الدنيا\".

 

6. وقال الحافظ الذهبي - رحمه الله - معدداً أصناف العلماء ودرجاتهم، معلقاً على ما قاله هشام الدَّستُوائي:\"واله ما أستطيع أن أقول إني ذهبتُ يوماً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله - عز وجل -\": (قلت ـ أي الذهبي ـ: ولا أنا، فقد كان السلف:

 

أ. يطلبون العلم لله فنبُلوا، وصاروا أئمة يُقتدى بهم.

 

ب. وطلبه قوم منهم أولاً، لا لله، وحصَّلوه، ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرَّهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعدُº وبعضُهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا للهº فهذا أيضاً حسن، ثم نشروه بنية صالحة.

 

ج. وقوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا، وليُثنى عليهم، فلهم ما نووا، قال - عليه السلام -:\"من غـزا ينوي عِقـالاً فله ما نـوى\"[13]، وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم، ولا لهم وقع في النفوس، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل، وإنما العالم من يخشى الله - تعالى -.

 

د. وقوم نالوا العلم وولوا به المناصب، فظلموا، وتركوا التقيد بالعلم، وركبوا الكبائر والفواحش، فتباً لهم، فما هؤلاء بعلماء.

 

ه. وبعضُهم لم يتق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرخص، وروى الشاذ من الأخبار.

 

 و. وبعضهم وضع الأحاديث فهتكه الله وذهب علمه، وصار زاده إلى النار.

 

وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئاً كبيراً، وتضلعوا منه في الجملة.

 

ز. فخلف من بعدهم خَلف بان نقصهم في العلم والعمل.

 

ح. وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير، أوهموا به أنهم علماء فضلاء، ولم يَدُر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله، لأنهم ما رأوا شيخاً يُقتدى به في العلم، فصاروا همجاً رعاعاً، غاية المدرِّس منهم أن يحصل كتباً مثمنة يخزنها وينظر فيها يوماً ما، فيصحف ما يورده، ولا يقرره، فنسأل الله النجاة والعفو، كما قال بعضهم: ما أنا بعالم ولا رأيت عالماً).[14]

 

7. وقال يحيى بن معاذ - رحمه الله - في وصف علماء الدنيا: (يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية، وبيوتكم كسروية، وأثوابكم ظاهرية، وأخفافكم جالوتية، ومراكبكم قارونية، وأوانيكم فرعونية، ومآثمكم جاهلية، ومذاهبكم شيطانية، فأين الشريعة المحمدية؟).

 

8. وقال ابن المبارك في علماء السوء:

 

 رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ      ويـورثُ الذلَّ إدمانُهـا

 

 وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ       وخيرٌ لنفسِك عصيانُهـا

 

 وهل أفسد الدينَ إلا الملوكُ      وأحبارُ سوءٍ, ورهبانُهـا

 

9. ولله در القائل في وصف علماء الدنيا:

 

 عجبتُ لمبتـاع الضلالة بالهدى       ومن يشتري دنياه بالدين أعجبُ

 

وأعجبُ من هذين من بـاعَ دينَه       بدنيا سواه فهو من هذين أعجبُ

 

10. وقيل في علماء السوء كذلك:

 

 يا واعظَ الناسِ قد أصبحتَ متهماً          إذ عبتَ منهم أموراً أنتَ تأتيها

 

 أصبحتَ تنصحُهم بالوعظ مجتهداً           فالموبقات لعمري أنت جانيها

 

 تعيبُ دنيا وناسـاً راغبين لهـا              وأنتَ أكثـرُ منهم رغبـة فيها

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply