بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث في أحاديث الرسول (2/9)
حظيت أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما هي أهله من مكان علي، ومنزلة شريفة، ودرجة عالية في حياة المسلمين الأولين: دينا وشرعا، وسنة ومنهاجاً وفكراً ومعرفة، ولغة وأدبا. لقد أدرك علماء اللغة ورواتها وحملتها ونقلتها ما لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أثر بالغ في تهذيب النفوس وتقويم الألسنة، فاندفعوا يؤلفون فيها ويصنفون، وانطلقوا يبيّنون ما فيها من ضروب البلاغة، وصنوف البديع، وألوان البيان، وغريب اللغة. فأبو عبيدة معمر بن المثني، وأبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، وأبن الأثير وجلال الدين السيوطي وغيرهم يؤلفون في غريب الحديث والأثر، والشريف الرضي يؤلف كتاباً في المجازات النبوية قال فيه من قدم له وتولي تحقيقه (أما بعد فإن كتاب المجازات النبوية للشريف الرضي جمع جملة من أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - اشتملت علي كثير من الألفاظ اللغوية الجذلة والأساليب البلاغية العالية، وجمعت من التشبيهات والاستعارات والكنايات قدراً يرتفع بتحصليه شأن عالم البلاغة فضلاً عن طالبها ويبز بها عالم اللغة أقرانه، ويفوق بحفظها ناشئ العرب أترابه).
وما قاله الرجل في مقدمته لهذا الكتاب حق صريح أبلج فحديثه - صلى الله عليه وسلم - نور وبرهان، ورشد وهداية، وتأديب وتهذيب، وحديثه - صلى الله عليه وسلم - شرعة ومنهاج، وقانون وأخلاق، ومن هنا جاء الوعيد والتهديد والنكير والتنديد لكل من تسول له نفسه الدس والتدليس والكذب والتلبيس علي الرسول الكريم \\. ومن هنا جاء قوله - صلى الله عليه وسلم -: (بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) ومن هنا جاء في مقدمة صحيح مسلم رضي الله عنه (لا تكذبوا علي فأنه من كذب علي فليلج النار).
إن أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - نور وبرهان ورشد وهداية، وتأديب وتهذيب لأنها تبين وتفسر وتفضل وتنفذ وتترجم كتاب الله الذي أنزله رحمة للعالمين، ولقد جاءت كثير من الأحاديث النبوية شارحة مفسرة لكتاب الله مما حدا بالمحدثين ليفردوا لها أبوابا في مصنفاتهم ومؤلفاتهم ومجامعهم يسمونها أبواب التفسير أو كتب التفسير. والإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن يجمع ما صح عنده من الأحاديث المفسرة المصرح برفعها للرسول - صلى الله عليه وسلم -. والمفسرون لكتاب الله - عز وجل - يفرون إلى الأحاديث النبوية الشريفة يتقيئون ظلالها، ويستضيئون من نورها ويستنشقون عبيرها، ويتخذون منها الهادي والمرشد والدليل ولا غرو فالرسول - صلى الله عليه وسلم - معدن التأويل وبحر التفسير وينبوع الحكمة كما يقول إمام المفسرين بلا منازع وشيخ المتأولين بلا مدافع أبو جعفر محمود بن جرير (ولقد أشكلت بعض آيات الكتاب علي الصحابة فجاءت أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -(تنير السبيل وتيسر العسير، وتحل المعضل، وتفسر ما يحتاج إلى تفسير وفصل بيان، فالرسول الكريم مودٍ, عن الله، مبلغ عنه، مبين لما أنزل عليه من ربه، أخرج الإمام مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا فقال رسول - صلى الله عليه وسلم - (قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها) وعندما نزل قوله - تعالى -: (الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) شق عليهم وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فما كان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يبين لهم معني الظلم وربط بينه وبين الشرك ربط وثيقا مشيراً إلى قوله تعالي في سورة لقمان (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) وعندما نزل قوله - تعالى - (يا أيها الذين أمنوا أتقو الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون) قال الرسول لأصحابه (حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر) وهكذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يني يشرح ويفسر ويفصل القول ويعلق علي الآيات القرآنية الكريمة فإذا تلي قوله - تعالى - (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو علي نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من النار) علق الرسول بكلمات مشرقات ثواقب (أن النور إذا دخل القلب أنشرح الصدر وانفسح قالوا وهل لذلك من إرادة يا رسول الله، قال التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزول الموت).
وأحاديث الرسول شرعة ومنهاج، وقانون وأخلاق وهي تأتي مؤكدة معضدة ما جاء في القرآن الكريم وقد تأتي بحكم زائد ولا عجب فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أوتي الكتاب والحكمة معاً ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) من ذلك مثلا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول في الصحيح (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) ويعلل ذلك أن الناس أن فعلوا قطعوا أرحامهم وتقطيع الأرحام حرام لا شبهة في تحريمهº تحريم الجمع بين المرأة والعمة أو الخالة حكم زائد وأن قيس علي تحريم الجمع بين الأختين في قوله - تعالى - (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللائى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فأن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف). والمعروف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد وأستدل العلماء علي اجتهاده بعتاب الله - عز وجل - في بعض المواطن وبقوله - صلى الله عليه وسلم - (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت) صدق رسول الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد