بسم الله الرحمن الرحيم
في خطوة متميزة ورائدة أقامت عائلة النعيم بالإحساء بالمملكة العربية السعودية حفلاً لتكريم الحافظين للقرآن الكريم من أبناء العائلة، والذين بلغ عددهم اثنين وثلاثين حافظًا: ستة وعشرين من الذكور، وست من الإناث. ولزيادة هذا الإنجاز سواء من ناحية عدد الحُفّاظ أو من ناحية الاهتمام بتكريمهم كان لابد لنا من التعرف على نماذج من هؤلاء الحفّاظ للتعرف على تجربتهم.
وكان هذا اللقاء مع كل من:
الأستاذ/عبد اللطيف النعيم وهو حاصل على بكالوريوس إدارة أعمال ويعمل موظفًا بشركة الاتصالات السعودية.
والأستاذ رائد بن صالح النعيم ويعمل مدرسًا.
والأستاذ أحمد عبد اللطيف النعيم ويعمل مدرسًا أيضًا.
وهم ممن منَّ الله عليهم بحفظ كتابه الكريم.
كيف كانت بدايتكم مع القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف النعيم: كانت بدايتي مع القرآن الكريم عام 1407هـ، وكنت وقتها أبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا، حيث كانت لدي الرغبة في الحفظ، ولكن ينقصها التوجيه والمؤازرة حتى هيّأ الله لي الشيخ ناصر النعيم - حفظه الله -، إذ آزرني وشجعني ولازمني في حلقة مسجد الخلف حتى جعلني أشعر بأن القرآن والحلقة جزء مني لا يمكن التنازل عن وقتهما بأي حال من الأحوال، وقد منّ الله عليّ بأن أتممت حفظ القرآن الكريم خلال سنتين ونصف، أي عام 1410هـ.
أما الأستاذ رائد فيقول: كانت بدايتي بأن درست في مدارس تحفيظ القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية، ثم التحقت على فترات متقطعة بحلقات التحفيظ في المساجد وفي هذه المرحلة حفظت تقريباً عشرة أجزاء، ولكن كانت بدايتي الفعلية في المرحلة الجامعية، حيث أتممت الحفظ فيها.
ولكن الأستاذ أحمد عبد اللطيفº كان قد بدأ رحلته مع القرآن الكريم صغيرًا، يقول: بدأتُ مع القرآن الكريم منذ أن كان عمري سبع سنوات، فقد كنت أحب تلاوة القرآن وكنت أتلوه أكثر عندما أذهب إلى المسجد مبكرًا لأداء الصلاة، وكذلك كنت أتلوه كثيراً عندما أذهب مبكرًا لأداء صلاة الجمعة.. فقد كنتُ أتلو -بفضل الله- أكثر من جزء واستمررت على هذه الحال إلى أن وصلت إلى المرحلة المتوسطة، وكنت باستمرار أتلو من أول الفاتحة إلى الناس حتى التحقت بحلقة الشيخ عبد الله بن صالح الملحم في مسجد النويحل بعد صلاة العشاء، وقد مكثت فيها نحو ثلاث سنوات إلى أن التحقت بكلية إعداد المعلمين بعد المرحلة المتوسطة، وقد حفظت أثناء دراستي أربعة أجزاء فقط مع استمراري في التلاوة، وبعد أن تخرجت في الكلية أتممت الحفظ الذي استغرق ثلاث سنوات، وكنت خلال هذه السنوات الثلاث مع الشيخ الفاضل خالد بن محمد المغربي، وقبل أن أبدأ في الحفظ كان ينصحني دائمًا بأن أخلص النية لله في الحفظ.
ما المنهج الذي اتبعتموه لإتمام حفظ القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف النعيم: كان البرنامج مكثفًا في بداية الحفظ، وذلك باستغلال العزيمة الموجودة لديّ، وخاصة في الأجزاء الثلاثة الأولى، حيث كنت أحفظ كل أسبوع جزءًا بعد قراءته على الشيخ وأراجعه يوم السبت من الأسبوع الذي بعده.
أما الأجزاء الأخرى من الرابع فما فوق فكنت أقرأ ثًُمنَين أو أكثر نظراً ثم أُسَمِّعهُ خلال الأسبوع، ومع بداية الأسبوع الذي يليه (يوم السبت) تكون مراجعة لحفظ الأسبوع المنصرم ومراجعة جزء من الأجزاء المحفوظة، ومع بداية كل شهر يكون هناك أسبوع لمراجعة الحفظ بأكمله.
ويقول الأستاذ رائد: الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن، وأخصٌّ منها حلقتي المفضلة وهي حلقة الشيخ سليمان بن إبراهيم الحصين - حفظه الله - بجامع الخزان، كما أني التزمت سماع أشرطة الشيخ سعود الشريم إمام وخطيب المسجد الحرام - حفظه الله -.
أما الأستاذ أحمد عبد اللطيفº فيقول: كنت أحفظ مع الشيخ ثلاثة أيام في الأسبوع وبقية الأيام كنت أراجع وأحفظ الجزء الجديد حتى إذا انتهت الأيام الأربعة كنت قد حفظت الآيات التي سأسمّعها في الأيام الثلاثة، وهكذا إلى أن أتممت الحفظ في هذه السنوات الثلاث، وهذا هو البرنامج الذي اتبعته لإتمام حفظ القرآن الكريم.
كثيرًا ما يحفظ البعض القرآن أو بعضًا منه ثم يتفلّت ما حفظه، كيف تتغلبون على هذه المشكلة؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: إن أفضل طريقة لتثبيت الحفظ هي المراجعة المستمرة. ويوافقه في ذلك الأستاذ أحمد. ويضيف الأستاذ رائد على ذلك: الهمّة العالية ومصاحبة من يعين على الحفظº فالقرين بالمقارن يقتدي والالتزام بشيخ معين تكرر عليه عرض القرآن الكريم.
في ظل وجود وسائل اللهو الحديثة المتعددة والمنوعة كيف يمكن لأبنائنا التركيز وحفظ القرآن الكريم؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: في ظل هذه الظروف يجب إلحاق الأبناء بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومتابعتهم، وكذلك استغلال وسائل أخرى في تثبيت الحفظ مثل حاسب الآلي.
- ويقول الأستاذ رائد: إنه لابد أن يكون هناك وقت محدد للهو واللعب المباح، ولكن على الوالدين أن يكونا يقظين في صرف هذه الشواغل عن أبنائهم وأن يقدموا لهم الحوافز التي تشجعهم على حفظ القرآن وتخصيص وقت معين لذلك.
يزعم البعض أن الانشغال بحفظ القرآن الكريم قد يؤثّر على التحصيل العلمي للطلاب.. هل في القول شيء من الحقيقة؟ وكيف نردّ على هؤلاء؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: إن هذا القول لا يمتٌّ إلى الواقع بصلةº فقد أثبتت التجارب أن حفظ كتاب الله يساعد كثيرًا في توسيع مدارك الطلاب لحفظ المواد الأخرى. كما أن حفّاظ كتاب الله غالبًا يكونون متفوقين علميًّا إلا القليل النادر.
ويؤكد الأستاذ رائد على نفس المعنىº فيقول: أبدًا.. فهذا القول عارٍ, من الصّحةº بل إنّ القرآن هو مفتاح التحصيل العلمي للطلاب، وقد عملت دراسة لطلاب تحفيظ القرآنº فكانت النتيجة أنهم أكثر تفوقًا من غيرهم من طلاب المدارس العامة، وما ذلك إلا لأن حفظ القرآن سبب في زيادة التحصيل العلمي لدى الطلاب. وأذكر أني في دراستي الجامعية إذا خرجت من قاعة الدراسة أشتاق كثيراً لحفظ شيء قبل فترة الغداء وبعدها أذاكر دروسيº وهذا لا يتعارض مع التفوق الدراسيّ.
المرأة (الأم والزوجة).. هل لها دور في المساعدة على حفظ القرآن الكريم؟ وما هو؟
يقول الأستاذ عبد اللطيف: نعم.. إن المرأة في المنزل وخاصة الأم أو الزوجة في تهيئتها الجو المناسب وعدم إشغال الابن أو الزوج في الأوقات التي يخصصها للحفظ أو المراجعة اليوميّة لها أثر كبير في هذا المجال.
ويضيف الأستاذ رائد: نعم لها دور مؤثر فالأم خير معين لولدها على حفظ القرآن وهي تهيّئ الدوافع النفسيّة له وخاصة بالدعاء أمامه الذي يشعره باهتمامها باستمراره في حفظه ومراجعته والزوجة أيضًا لها دور كبير فهي توفر لزوجها سبل الراحة التي تعينه على إنجاز أهدافه في الحفظ والمراجعة.
جاء في الأثر: (من أراد الدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معا فعليه بالقرآن) هل لهذا القول واقع في حياتك؟.
يقول الأستاذ عبد اللطيف: نعم لقد كان لحفظي لكتاب الله أثر كبير في حياتي فقبل أن أختم القرآن أصبحت إمام مسجد - ولله الحمد- ثم توالى الخير بعد ذلك وأدعو الله أن أخلص له النية ليكون شفيعًا لي يوم القيامة ورِفعة لي في الدنيا والآخرة.
نصيحة تقدمونها لمن أراد حفظ القرآن الكريم؟
يؤكد الأستاذ عبد اللطيف لمن أراد الحفظ أنّ الأمر ميسر له ولله الحمدº فقد قال - تعالى -: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) [القمر: 17] ولا يحتاج إلا إلى العزيمة الصادقة، والجهد اليسير المستمر وإخلاص النية لله - تعالى -.
ويقول الأستاذ رائد: الله الله بالهمة العالية في حفظ كتاب الله الكريم، وتذكّر أنه نور لك في الدنيا والآخرة، وأنك سَتُتَوِّج والِدَيكَ بتاجِ الوقار، الياقوتة الواحدة خير من الدنيا وما فيها.. فكيف بك أنت يا مَن حفظت الكتاب في صدرك ماذا أعد الله لك؟! فأخلص في عملك تجد توفيقا من ربك، ولا بد أن تحمل هذا الهمّ في نفسك وتنقله لغيرك والله في عونك.
ويوصي الأستاذ أحمد من أراد الحفظ بتقوى الله - تعالى -، وأن يحفظ القرآن ويعمل به، وأن يكثر من تلاوته نظرًاº لأنّ ذلك يساعد على حفظه.
ونصيحة أخرى تقدمونها لمن أتم حفظ القرآن الكريم؟
ويوصي الأستاذ عبد اللطيف من أتمّ الحفظ بأن أفضل وسيلة لتثبيت الحفظ هو المراجعة المستمرة والتي لا تقل عن مرة واحدة في الشهر في أضعف الحالات ثم العمل به ليكون حجة لك يوم القيامة.
ويُذكّر الأستاذ رائد حَفَظَة كتاب الله بأن يشكروا نعمة ربهم وليتذكروا قول الحق - سبحانه -: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)[يونس: 58] وقوله - سبحانه -: (وما بكم من نعمة فمن الله) [النحل: 53] واجعله يا أخي - حجة لك لا عليك يوم تلقاه.
وأقول: عاهد نفسك بالمراجعة الجادّة اليومية، وتذكّر أنّ أناسا كثيرين قد حُرموا من حفظ القرآن وقد سيطرت عليهم هموم الدنيا ومشاغلها وأنت قد هيأ الله لك ذلكº فاحمد الله على ذلك...
كما لا تنسَ أن تدعو لمن تسبب في حفظك للقرآن سواءً الوالدين أو المشايخ الذين درَّسوك وحفظوك فلهم حق الدعاء في هذا الفضل الذي حصلت عليه...
أما الأستاذ أحمد عبد اللطيف فيختم كلامه بنصيحة يقول فيها:
نصيحتي لمن حفظ القرآن وأراد أن يحافظ عليه ويعمل به إلى الممات، أن يكثر من مراجعته، وأن يجعل له ورد ا يوميا بأن يقرأ كل يوم جزأين، وأن يلزم نفسه بذلك.وأخيرًا أسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا، ويجعله أنيسنا في قبورنا، ونورا لنا في طريقنا إلى الجنة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد