بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ العلي الأكرم, الأعز الأعظم, الذي علم الإنسان ما لم يعلم.
والسلامُ على الرسولِ الصادقِ الأمينِ, الذي للحقِ بِنُطقِهِ وفِعلهِ مُبين, محمّد نبيٌّنا المُختار وعلى إخوانهِ المصطفينَ الأخيار, وآلِ بَيتِهِ الأبرار, وَزَوجاتهُ أمهات المؤمنينَ الأطهار, وتابعيهم بإحسانٍ, عليهم رحمةُ اللهِ إلى يومِ الدينِ, وبَعدُ:
فَقَد جعلَ الله للعلومِ محلينِ: أحدهُمُا القلوب, والآخرُ الكُتُبُ المُدوّنَة, فَمَن أوتيَ سَمعَاً واعِياً, وقَلباً حافِظاً, فَذاكَ الذّي عَلت دَرَجَتُه, وعَظُمَت في العِلمِ منزِلتُهُ. ولي مَعَ طلبةِ العلمِ ونشّادهِ وقفةُ تذكيرٍ, لأمرٍ, مُهمٍ,, راجياً بها الإِفادةُ, ومِنها الاستفادة, ومِنَ اللهِ عليَّ المَغفِرةَ وفي الدارِ الآخرةِ السعادة.
ألا وهِيَ: جَمعُ المُفيدِ مِنَ الكُتُبِ وتَحصيلهِ.
قالَ الإِمامُ النوويٌّ - رحمه الله - في\"المجموع\"(1\\71):\"يَنبَغِي لِلعَالِمِ والمُتَعَلّم أن يَعتَني بِتَحصيلِ الكُتُبِ شِراءً واستِعَارَة.\"أ,هـ.
وأكدَّ ذلكَ الخطيبُ البغداديّ - رحمه الله - بِتفصيلٍ, أدق, حاكيا ذلك عن العلماء في\"تقييد العلم\"(ص136) حيث قال:\"يَنبَغي للِمَرءِ أن يَذّخِرَ أنواع العلومِ, وإن لم تَكُن لَهُ بِمَعلوم, وأن يَستَكثِر مِنها ولا يَعتَقِدُ الغِنى عَنها, فَإِنّه إن استَغنى عَنها في حالٍ,, احتَاجَ إِليها في حالٍ,; وإن سَئِمَهَا في وقتٍ, ارتَاحَ إِليها في وَقتٍ,; وإن شُغِلَ عَنها في يومٍ,, فَرِغَ لهَا في يومٍ,; وأن لا يُسارِعُ فَيَعجَل فَيَندَم ويَوجل; فَرُبما عَجِلَ المَرءُ على نَفسِهِ بإِخرَاجِ كِتابٍ, عن يَدِهِ, ثمّ رامَهُ فتعذّر عَلَيهِ مَرَامَهُ. وابتَغى إِلِيهِ وُصُولاً, فَلَم يَجِد إِلِيه سَبِيلاً; فَأتبعَهُ ذَلكَ وأنصَبَهُ, وأقلَقَهُ طَويلاً فَأَرّقَهُ. كالذي حُكِيَ عَن بعضِ العُلماءِ, قالَ: بِعتُ في بعضِ الأيامِ كِتاباً ظَننتُ أنّي لا أحتاجُ إِليه, فلمّا كان ذاتَ يَومٍ, هَجسَ في صَدري شيٌء كانَ في ذَلِكَ الكِتاب, فَطَلَبتُهُ في جمَيعِ كُتُبي فَلَم أَجِدهُ, فاعتَمَدتُ أن أسأل عَنهُ عالماً عِندَ الصباحِ, فما زِلت قائماً على رِجلي إلى الصباحِ, قِيلَ: فهلاّ قعدتَ؟ قالَ: لطولِ أَرَقي وشِدَّةَ قَلقَي.\"أ,هــ. المراد.
لا تُخدعنّ عن العلومِ فإنّـهـا....سراجٌ يزيــدُ على الزمانِ ضياؤُها
تنسى القرون فلا يَشيد بذكرِها....أحدٌ ويُذكـر دائـمـاً علـماؤُها
فاحـرِص على جمعِ العلومِ فإنّها....ريٌّ القلوبِ من الصدى وشـفاؤُها
تنبيه: يلزمُ طالبُ العلمِ أن لا يكتفي بالشراءِ بلا مطالعة, قال بن جماعة الشافعي - رحمه الله –في \"التذكرة\"(ص164): \"ولا يجعل تحصيلها وكثرتها حظه من العلم, وجمعها نصيبه من الفهم, كما فعله كثير من المنتسبين للفقه والحديث وقد أحسن القائل:
إذا لم تكن حافظا واعيا...فجمعك للكتب لا ينفع\"أ,هـ.
ختاماً أُنبِّه إلى أمرٍ, ذِي بال, وافتِراقُهُ عَن لبّ المقَالِ مُحَال, ألا وهُوَ: مُرَاعاةُ طَريقَةِ انتِقاءِ الكُتُبِ النَافِعَةِ, إذ إِنَّ لتِحصيلِ الكُتُبِ المُفِيدَةُ آدابٌ وَقَوَاعِد عَدِيدَة, أتَى عَليهَا أئِمَةُ السَلفِ, وتَلِيَهُم بِذَلِكَ عُلَمَاءُ الخَلفِ عَلَيهِم مِنَ اللهِ الرّحمةُ والمَغفِرَةُ وَلِسَائِرِ الأُمّة.
والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد