وأقبل العيد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل الرحمات، وبكرمه وجوده تعم الخيرات والبركات، الذي اختصنا بأحسن كتبه وأفضل أنبيائه ورسله، فشرع لنا ديناً ميسراً يسعد من تمسك بـهداه، ويخيب من تنكب سبيله ومسراه، وجعل عماد هذا الدين العبودية له دون سواه: ((يا أيها الناس اعبدوا ربكم))، ((وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون))، ولأجل تحقيقها على الوجه الذي يحب ويرضى بين لنا السبيل والأعمال الموصلة لذلك فأمرنا باتباعها، ورغبنا بالإكثار منها بما أعده من جنات عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ونـهانا في المقابل من اتباع السبل والمسالك التي تبعدنا عن الخضوع له، فحذرنا من ذلك أشد تحذير: ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى))، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، النعمة المهداة والرحمة المسداة الذي تركنا على المحجة الواضحة لا يزيغ عنها إلا هالك أو مقصر وبعد.

 

معاشر الإخوة والأخوات:

ها نحن نودع شهراً كريماً وموسماً عظيماً اختصه الله من بين سائر الشهور بفضائل عديدةº منها إنزال القرآن: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن))، ومنها أن فيه ليلة خير من ألف شهر ((وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر))، ومنها أن الشياطين تصفد فيه وأن ثواب وأجر من أداه على الوجه المطلوب مفتوح العطاء ممن بيده ملكوت السموات والأرض:\"إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به\". فلقد قضينا في رحاب هذا الشهر الكريم لحظات عامرة بقراءة القرآن، وقيام الليل، والإنفاق في سبيل الله، في جو جماعي خاشع لا نشهد مثله إلا في هذا الشهر الكريم، ونستقبل بعد هذا الجو الإيماني العامر عيد الفطر الذي شرعه الله لنا بعد هذه الجولة المكثفة من الطاعات والقربات. وبين هذا الذي نودع وهذا الذي نستقبل تخالط نفوسنا مشاعر تتراوح بين الحزن والفرح، الحزن لما سنفتقده، والفرح بما يجب أن نفرح به ألا وهو العيد. فكيف السبيل إلى التخفيف من هذا الذي ينتاب مشاعرنا ويخالط أفئدتنا؟، فنفرح بالعيد على الوجه الذي شرع به وهو إدخال البهجة والسرور على الأنفس والذراري والأهل، ليكون ذلك شكراً لله على ما أولانا من فضائل رحمته بتوفيقنا إلى صيام رمضان وقيامه واللهج بذكره بتلاوة القرآن وترديد الأذكار والأوراد. إنه معاشر الإخوة والأخوات العزم مع الحزم على المحافظة على هذا الرصيد الهائل الذي حققناه، وعدم العودة إلى ما كنا قد أسرفنا فيه في جنب الله من ارتكاب المعاصي أو التقصير في الواجبات، وذلك لأن رب شهر رمضان، هو رب شوال وغيره، فكيف تطيب نفوسنا وترجع إلى سالف الأحوال بالتقصير في جنب الله، وهو الذي أمرنا بالعبودية، بل ما خلقنا إلا لأجل ذلك كما أسلفنا، على الدوام وليس في رمضان فحسب، فالله الله معاشر الأحبة في البناء على ما حققناه والاستفادة مما جمعناه، حتى لا يشملنا قول الله - جل وعلا -: ((كالتي نقضت غزلها من بعد قوة))، ولا كالذي قيل في شأنه ¼((واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين)) وهنا معاشر الإخوة والأخوات أذكر نفسي وإياكم بجملة من الأمور:

1 – المحافظة على الصلوات حيث ينادى بـهن، فلكم كانت مساجد الله عامرة في رمضان، ولكم كان إقبال النفوس عليها، وما إن ينقضي هذا الشهر الفضيل حتى تجد الكثير منا قد انفض عن تلك الأماكن الطاهرة التي تتضاعف فيها حسنات الصلوات التي نؤديها، وما يزال الواحد فينا في صلاة فيها ما انتظر الصلاة بعد الأخرى، ولا ننسى بعد أداء الفرائض الإكثار من النوافل التي هي من الزاد المعين في مثل هذه الأوقات التي تداعى علينا فيها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.

 

2 – تلاوة كتاب الله - عز وجل - وتدبره، فهذه الأمة ما كانت ليكون لها هذا الذكر بعد اصطفاء الله لها إلا بتمسكها بالقرآن ((وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون)) فلا عزة لنا إلا باتباع هديه، ولا مكانة لنا إلا بالتمسك بأوامره واجتناب نواهيه، ولا معرفة لنا حق المعرفة لسبيل المجرمين ومصارع الظالمين، وعاقبة المتقين إلا من خلاله، فالله الله في كتاب الله فليكن لكل واحد منا ورد يومي وليحافظ عليه وإن كان قليلاً. ولنسعَ إلى فهم آياته وأحكامه بإقامة حلق الذكر والعلم إن في بيوتنا أو في بيوت الله.

 

3 – صوم التطوع والنوافل، وما يصحب ذلك من كف الألسن والجوارح عن الخوض في القيل والقال وإهدار الأوقات في تتبع عورات المسلمين وإيذاء عباد الله الصالحين، فمن لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله بترك طعامه أو شرابه.

 

4 – الإنفاق في سبيل الله لوقاية أنفسنا من الشح المهلك والبخل المقيت لتربيها وتـهيئها لتكون جاهزة للبذل في سبيل الله بكل ما تملك، فالوضع الذي تمر به الأمة من مهانة، واستخفاف يتطلب جنداً من الباذلين والمضحين في كل الميادين، لا المتسكعين، اللامبالين الخاملين. جند من الذين ينفقون في السراء والضراء ويعملون بالسر والعلن لتعود لهذه الأمة نضارتـها بعد أن يرفع ما بـها من واقع ذلة ومسكنة. وبين يدي هذه الوصايا أوجه النداءات التاليات[1]:

 

أ – إليكم أيها المسلمون يا من كان حالكم فيه شيء من الأمن والاستقرار، لا تنسوا إخوانكم من أهل الإسلام، الذين لا يعرفون عيداً ولا فرحاً، حرموا الاستقرار والأمن، فهم بين تشريد وتجويع وسلب ديار وأموال، ترملت نساؤهم، وتيتم أطفالهم، وافتقر أغنياؤهم بسبب نيران الحرب وويلاتـها.

 

فأين أولئك من فرحة العيد وبـهجته؟.

لنستشعر حال أولئك المضطهدين، والمكبلين في أغلال الأسر، وغياهب السجون، فهم منا يستقبلون قبلتنا، ويصلون صلاتنا، فلهم حق الإسلام في المشاركة معهم ألماً وأملاً، عن أنس بن مالك - رضي الله  تعالى - عنه قال: قال رسول الله : لما رجع من غزوة تبوك:\"إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم\"، قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟! قال:\"وهم بالمدينة، حبسهم العذر\"أخرجه البخاري.

 

فليكن أولئك المسلمون المضطهدون نصب العيان. ولا تكن فرحة العيد منسية لنا عن أحوالهم، بل لتكن فرحة العيد شاحنة ومقوية لتذكر حالهم والتعاطف معهم، اللهم أبدلهم من بعد خوفهم أمناً.

 

ب – كلمة لكم معاشر الزوجات والأزواج: يا نساء المسلمين: يا أمهاتنا يا أخواتنا يا زوجاتنا يا بناتنا: أنتن المربيات، أنتن القدوات الصالحات.

 

صلاحكن صلاح للبيوت والأولاد، فعليكن – رعاكن الله – بتقوى الله - تعالى -.

 

احذرن دعاة السوء والفجور، دعاة التبرج والسفور، الذين يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا صباح مساء، والذين لا يرقبون في العفة والحياء إلا ولا ذمة، لا هم لهم إلا أن ينـزع جلباب الحياة والحشمة، أنتن جواهر مصونة، أنتن أعراضنا، نفاخر بكن أمم الشرق والغرب، للباس العفة والحشمة والبعد عن أماكن الاختلاط، فاحذرن ذئاب البشر فهم يتحينون كل فرصة لإفسادكن، كتاب فجرة ودعايات مضللة وقنوات فاضحة، فالله الله في لزوم الخير والحذر من دواعي الفتنة.

 

يا أيتها المسلمة لتكن فاطمة وعائشة وزينب وحفصة مثلك وقدوتك. وأنتم يا معشر الأزواج اتقوا الله - تعالى - في أنفسكم اتقوا الله - تعالى - في زوجاتكم عاشروهن بالمعروف، كونوا خير أزواج في البر والتربية والإصلاح، كونوا عوناً لنسائكم في إصلاح البيوت وتربية الأطفال، إياكم وإهمال المسؤولية، تجنبوا السهر وكثرة الخروج من المنازل، فبعض الأزواج لا يعرف أولاده ولا بيته إلا عند وقت النوم، والأكل، وأما سوى ذلك ففي وظيفته صباحاً ومع أصحابه ليلاً.

 

فاتقوا الله معاشر الرجال في نسائكم، وتذكروا قول النبي:\"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي\".

 

ج – ثم لكم أخيراً يا معشر الشباب والشابات، يا أمل هذه الأمة إن المسؤولية عليكم عظيمة اتقوا الله في أنفسكم، واحذروا وسائل الشر، فالمتربصون بكم كثير، يا شباب الإسلام لقد وقع بعضكم في براثن الرذيلة وفي أفخاخ الفساد المشرعة في هذه الديار، فاحذروا رفقاء السوء الذين لا يقر لهم قرار ولا يـهدأ لهم بال، إلا إذا رأوكم حيث يحب الله فقدكم، من ارتياد الأماكن التي حذرنا الله منها ورسوله.

 

يا شباب الإسلام: احفظوا أوقاتكم من اللغو والرفث، وكونوا لبنات خير ونفع لمجتمعكم.

 

سلوا الله التوفيق والسداد، واجتهدوا في تعليمكم، فالمجتمع بحاجة إلى العالم والطبيب والمهندس والخبير، من أهل الكفاءات والاختصاص، فاشغلوا أوقاتكم بما يفيدكم في الدنيا والآخرة، وبما يعود على أمتكم بالخير والفائدة.

 

وفي الختام أيها الأخوة والأخوات هذا يوم عيد شرع فيه الفرح، فأدخلوه على أنفسكم وأهليكم وفي بيوتكم، وأشيعوه بين جيرانكم وأقرانكم ليعلم الجميع أن في ديننا فسحة يروح فيها على النفوس لتأخذ نفسها وتستعيد نشاطها لإكمال مشوارها ألا وهو عبودية الواحد الديان.

 

اللهم نضر وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود أخرى، اللهم ثبتنا على دينا، ووفقنا لكل خير...

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply