بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يقدر الليل والنهار وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فهكذا طويت صفحة من صفحات الزمن، وتساقطت ورقات من شجرة العمر، وذبلت زهرات في بستان الحياة. مضت الإجازة بخيرها وشرها وحلوها ومرها، مضت أشهر تشكل فصلاً من فصول حياتنا، وكل يوم مضى يدني من الأجل
مضت الإجازة ومضت معها أيام لم نحسب حسابها ولم نقدر لها قدرها، واليقين أنها محسوبة من أعمارنا مقربة لآجالنا وسنسأل عنها أمام ربنا، فالذي لا ينطق عن الهوى قال: ((لن تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع ومنها عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه)).
مضت الإجازة والناس في استغلالها أصناف شتى قد علم كل أناس مشربهم، فمنهم من رأى فيها قعوداً عن الجد، وهروباً من الإنتاج والإيجابية، وآخرون جعلوا منها موسماً للتحلل من آداب الإسلام وأحكامه، فملؤها لهواً ولعباً وغناءً وصخباً بمهرجانات غنائية وحقلات سياحية كانت مفتاحة لباب شرور، ومستنقعاً لكل منكر من القول وزوراً
وطائفة قد غلت عليهم أنفسهم، وعلت هممهم فسموا بها إلى معالي الأمور، فجعلوا من الإجازة ظرفاً لعملٍ, آخر مثمر وانتقلوا فيها من إيجابية إلى إيجابية جاعلين نصب أعينهم قول الحق: ((فَإِذَا فَرَغتَ فَانصَب)).
وكل أولئك طويت صفحاتهم ليوم بما تحمل إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فكم يا ترى في هذه الإجازة من مثاقيل الذر من خير وشر وتبقى الصحف مطوية حتى ينشر يوم الحساب، فماذا يا ترى سيكون الحال يومئذ؟
ولت الإجازة وقد حوت أحداثاً وعبراً، فتأمل أخي المسلم: كم ودعت فيها من حبيب وكم فارقت من قريب؟
مات أقوام وولد آخرون، شفي أناس ومرض أناس، واغتنى قوم وافتقر أقوام، وربنا كل يوم هو في شأن
ونحن نودع الإجازة التي تشكل جزءاً من حياتنا، فما أحرانا أن نتحسر على أيامٍ, أضعناها وأوقات تركناها، ذهبت بما حملت، ولنرى في حال السابقين من أسلافنا كيف ينظرون إلى هذه الأوقات وماذا عملوا فيها
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((ما ندمت عل شيء ندمي على يومٍ, غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي)).
وقال أبو سليمان الدراني: ((لولم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى فيه في غير الطاعة لكان خليقاً أن يحزنه ذلك إلى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله))
إذا مر بي يوم ولم أقتبس هدى ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري
والدنيا ثلاثة أيام:
أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلك لا تدركه، فاليوم لك فاعمل فيه وكلما ازداد اغتناماً لزمانه وبالتالي كان أقرب لتلك الغاية وأكثر تحقيقاً بها
إن الزمن يساوي عطاء الإنسان وحصاد عمره، يساوي اليد التي ستحمل كتابه، يمنى تكون أو يسرى
أؤمل أن أحيا وفي كل ساعة * * * تمر بي الموتى يهز نعوشها
وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي * * * بقايا ليال في الزمان أعيشها
ونحن نستقبل في كل عامٍ, إجازة ثم نودعها فما أجدرنا أن نقف مع أنفسنا وقفة معاتبة ومحاسبة فإن كان ما عملنا خيراً حمدنا الله عليه وعزمنا على المزيد فيه، وإن كان سوءاً ندمنا عليه وسارعنا إلى التوبة منه توبةً صادقة
لا بد لنا من مواقف مع النفس نحاسبها ونعاتبها لنأمن من شرها ونتحكم في قيادها، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني
وحينما تمضي الإجازة تفتح المدارس أبوابها فتنفتح معها الآمال والتحديات والمشكلات في كل أسرة، ففي كل بيت حكاية عن الدراسة والمدرسة، ولدى كل أبٍ, وكل أمٍ, أمل يتجدد في أن يجتاز أبناؤهم الدراسة بتفوق، ومع بداية الدراسة يتغير إيقاع الحياة في أكثر البيوت ويعلن الحادي أن وقت اللعب ولى، وجاء وقت الجد
مع إشراقة الشمس ترى الشوارع وقد غصت بالحركة، والبيوت وقد رفعت درجة الطوارئ، وترى حركة غير طبيعية، وتبذل جهود وتستثمر طاقات لو أنفق بعضها في سبيل الصلوات لأصبح أبناؤها ممن قلوبهم معلقة بالمساجد
إن ما نراه من مشاهد تحدث صباح كل يوم دراسي يؤكد لك أن الناس عباد الدنيا، النائم يوقظ، والمسافر يقدم، والرغبات تحقق، والخواطر تجبر، كل هذا في سبيل الدراسة وذاك أمر حسن، ولكن أين هذه الاهتمامات في سبيل القيام بحقوق الله وتربية النشء على طاعة الله، أين هذه الهمة وذاك الحرص مع الأبناء في صلاة الفجر
لقد أصبحت الدراسة عند البعض مقدمة على طاعة الله جل جلاله والله المستعان.
بعد هذا يصمت اللسان ويخرس البيان وما لنا إلا أن نردد:إنا لله وإنا إليه راجعون. إنا لله وإنا إليه راجعون. إنا لله وإنا إليه راجعون....
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد