نهج البردة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ ****أَحَـلّ سـفكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ

رمـى القضـاءُ بعينـي جُـؤذَر أَسدًا*** يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِك ساكن الأَجمِ

لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً*** يـا وَيـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي

جحدتهـا، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي**** جُـرحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ

رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق*** إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذر فـي الشِّيَمِ

يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ -*** لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ

لقــد أَنلتُــك أُذنًــا غـير واعيـةٍ,*** ورُبَّ منتصـتٍ, والقلـبُ فـي صَمـمِ

يـا نـاعس الطَّرفِ; لاذقتَ الهوى أَبدًا*** أَسـهرتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ

أَفـديك إِلفًـا، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى**** أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ

سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميًا، فأَسَا**** ورُبَّ فضــلٍ, عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ

مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرٌّبى وقَنًـا**** اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي?

الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى يُغِـرنَ**** شـمسَ الضٌّحى بالحَلي والعِصَمِ

القــاتلاتُ بأَجفــانٍ, بهــا سَــقَمٌ**** وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ

العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا**** أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ

المضرمـاتُ خُـدودًا، أسـفرت، وَجَلت**** عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ

الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا**** أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ

مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا**** للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ

يُـرَعنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ,**** إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ

وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى**** يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ, منـه وفـي أَكـمِ

يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه**** أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ?

مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه**** أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ

مَـن أَنبتَ الغصنَ مِن صَمصامةٍ, ذكرٍ,?**** وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ?

بينـي وبينـكِ مـن سُـمرِ القَنا حُجُب**** ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ

لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى**** مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ

يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخـفي كـلَّ مُبكيـةٍ,**** وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ

فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكت**** كمــا يُفـضٌّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ

مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ – خاطبَةٌ**** مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرمِل، ولم تَئمِ

يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها**** جــرحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ

لا تحــفلي بجناهــا، أَو جنايتهــا**** المـوتُ بـالزَّهر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ

كـم نـائمٍ, لا يَراهـا، وهـي سـاهرةٌ*** لــولا الأَمـانيٌّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ

طــورًا تمـدّك فـي نُعمـى وعافيـةٍ,*** وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ

كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحجَـب بصيرتُه*** إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلقمـا يَسُمِ

يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا*** مُسـوَدَّةُ الصٌّحـفِ فـي مُبيَضَّـةِ اللّمَمِ

ركَضتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما*** أَخـذتُ مـن حِميَـةِ الطاعـات للتٌّخَـمِ

هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا*** والنفسُ إِن يَدعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ

صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه**** فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ

والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ,**** والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرتَعٍ, وَخِمِ

تطغـى إِذا مُكِّـنَت مـن لـذَّةٍ, وهـوًى*** طَغـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشٌّكُمِ

إِن جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ**** فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ

أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على**** مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ

إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذٌّلِّ أَسـأَله**** عِـزَّ الشـفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ

وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ,**** قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبرَةَ النـدَمِ

لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـن**** يُمسِــك بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ

فكــلٌّ فضـلٍ,، وإِحسـانٍ,، وعارفـةٍ,**** مــا بيــن مســتلمٍ, منـه ومُلـتزمِ

علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزٌّ بـه**** فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللٌّحَـمِ

يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيرًا حين أَمدحُه**** ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ

محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه**** وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلقٍ, ومـن نَسَـمِ

وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرٌّسلُ سائلةٌ**** متـى الـورودُ? وجـبريلُ الأَمين ظَمي

ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً**** فـالجِرمُ فـي فلـكٍ,، والضوءُ في عَلَمِ

قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه**** مـن سـؤددٍ, بـاذخ فـي مظهَـرٍ, سَنِم

نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا**** ورُبَّ أَصـلٍ, لفـرع فـي الفخـارِ نُمي

حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطٌّهـرِ قبلهـم**** نـوران قامـا مقـام الصٌّلـبِ والرَّحِم

لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه**** بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ

سـائل حِراءَ، وروحَ القدس: هل**** عَلما مَصـونَ سِـرٍّ, عـن الإِدراكِ مُنكَـتِمِ?

كــم جيئـةٍ, وذهـابٍ, شُـرِّفت بهمـا**** بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ

ووحشــةٍ, لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا**** أَشـهى مـن الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ

يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه**** ومَــن يبشِّـر بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ

لمـا دعـا الصَّحـبُ يستسقونَ من ظمإٍ,**** فــاضت يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ

وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلٌّ بـه**** غمامــةٌ جذَبَتهــا خِــيرةُ الــديَمِ

محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها**** قعـائدُ الدَّيـرِ، والرٌّهبـانُ فـي القِمـمِ

إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــت يكـاد بهـا**** يُغـرَى الجَمـادُ، ويُغـرَى كلٌّ ذي نَسَمِ

ونـودِيَ: اقـرأ. - تعالى - اللـهُ قائلُهـا**** لـم تتصـل قبـل مَـن قيلـت له بفمِ

هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت**** أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ

فـلا تسـل عـن قريش كيف حَيرتُها?**** وكـيف نُفرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ?

تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ, قـد أَلـمَّ بهـم**** رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ

يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه**** هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ?

لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ,**** ومــا الأَميــنُ عـلى قـولٍ, بمتّهَـمِ

فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـم**** بـالخُلق والخَـلق مِـن حسنٍ, ومِن عِظمِ

جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت**** وجئتنــا بحــكيمٍ, غــيرِ مُنصَـرمِ

آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ**** يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ

يكــاد فــي لفظــةٍ, منـه مشـرَّفةٍ,**** يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ

يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً**** حــديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ

حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ, جِـيدَ البيـانِ به**** فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ

بكــلِّ قــولٍ, كـريمٍ, أَنـت قائلُـه**** تُحـيي القلـوبَ، وتُحـيي ميِّـتَ الهِممِ

سَــرَت بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده**** في الشرق والغرب مَسرى النور في الظلمِ

تخـطَّفت مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ,**** وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ

رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت**** مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ

أَتيـتَ والنـاسُ فَـوضَى لا تمـرٌّ بهم**** إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ

والأَرض مملــوءَةٌ جـورًا، مُسَـخَّرَةٌ**** لكــلّ طاغيـةٍ, فـي الخَـلق مُحـتكِمِ

مُسَـيطِرُ الفـرسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ**** وقيصـرُ الـروم مـن كِـبرٍ, أَصمٌّ عَمِ

يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ,**** ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ

والخــلقُ يَفتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم ****كــاللَّيث بـالبَهم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ

أَســرَى بـك اللـهُ ليـلاً، إِذ ملائكُـه**** والرٌّسـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ

لمــا خـطرتَ بـه التفٌّـوا بسـيدِهم**** كالشٌّـهبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ

صـلى وراءَك منهـم كـلٌّ ذي خـطرٍ,**** ومــن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأتممِ

جُـبتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم**** عـــلى منــوّرةٍ, دُرِّيَّــةِ اللٌّجُــمِ

رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ, ومـن شرفٍ,**** لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَينُق الرسُمِ

مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه**** وقــدرةُ اللــه فـوق الشـك والتٌّهَـمِ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply