بَغدَادُ كَيفَ تَجَرَّأَ الأَوغَادُ
عَظُمت مصيبتُها وهُدَّ كيانُها
هَتكوا حِماها واستذَلٌّوا شعبها
كيفَ استباحوا حُرمةَ الدارِ التي
أَوَتِ الخِلافةُ في رُباها حِقبةً
وَتَمَكَّنوا في الأرضِ مِن أرجائِها صَنَعوا من الأمجادِ تاريخاً لنا
والكبرياءُ على شواطئِ دجلةٍ,
أرأيتَ دجلةَ كيفَ يزهو ماؤُه
كم مِن عُلوجٍ, ساقَهم حادي الرَّدى
يَحمي حِماها إن تأزَّمَ خَطبُها
لم يَحمِها بعثُ العفالِقِ بَتَّةً
ما بينَ هولاكو وبوشٍ, لُحمَةٌ
قد ذَلَّتِ الزوراءُ بَعدَ مَهابةٍ,
هَلاّ سألتِ الشامَ عن جيرانها
هذا النخيلُ تَرَنَّحَت أعطافُه
هذانِ دجلةُ والفراتُ تعانقا
وقفَ الرشيدُ على مِنَصَّةِ عِزِّهِ
والمُزنُ جاريةٌ وفي أَعطافِها
قال الخليفَةُ للسحابةِ فاذهَبي
شَمسُ الخلافةِ لو توارَت حِقبةً
سَتَعودُ ساطعةً كسابقِ عهدِها
البَعثُ جُزءٌ من مؤامرةٍ, جَرَت
وَتَجَذَّرَت أفكارُهُ في منهجٍ,
فَتَحوا الطريقَ وسلّموا أرباضَها
حُبِكَت مؤامرةٌ وتَمَّت صفقةٌ
صدامُ وابنُ العَلقَمِيِّ كِلاهُما
هَدَما بِناءً سامقاً متطاولاً
جاءَ التتارُ وجاءَ هولاكو بِهم
وَأَتى الصليبُ بحقدِهِ وبرجسِهِ
فجميعُهُم متآمرونَ بكيدِهم
قَومِيَّةٌ فَسَدَت وَأَنتَنَ ريحُها
وَهَموا بأنَّ عُروقَهم شَفَعَت لهم
لأصولِ دينِهِمُ وحُكمِ كِتابِهِم
قد قارَبَ الإسلامُ فيما بينَهُم
وعُصارَةُ العلمِ التي قد دُوِّنَت
قَذَفوا بها واسوَدَّ دجلةُ ماؤهُ
وجُنودُ بوشٍ, أضرموا نيرانَهُم
صدامُ أضحى فارساً ذا صَولَةٍ,
يا للمصيبةِ كم تعاظمَ أمرُهُ
فَإذا به يَهوي كريشَةِ طائِرٍ,
حَمَلوهُ محفوظاً وخَلَّى شعبَهُ
مُتَمَزّقاً إرباً يُقَتِّلُ بعضَهُ
هذي الثعالبُ لو تَمادَت فترةً
يأتي الذي يخشَونَ بَعدَ هُنَيهَةٍ,
وَيَعُودُ سلطَانُ الخلاَفَةِ شَامِخاً
تَحدُوهُمُ الأَطمَاعُ وَالأَحقَادُ
وَتَفَتَّتَت لمصابها الأكبادُ
وَتَيَتَّمَ الأطفالُ والأولادُ
شَمَخت وشادَ بناءها الأجدادُ
عَزَّت وَعَزَّ المسلمونَ وَسادُوا
بَلَغُوا الثريا في الشموخِ وكادُوا
نِعمَ الصنيعُ ونِعمَتِ الأمجادُ
عَبَقُ الخلافةِ عِزةٌ وجهادُ
في شاطِئَيهِ اليمنُ والإسعادُ
سَحَقَتهُمُ غِيَرُ القرونِ وبادُوا
صيدٌ لُيوثٌ في الوغى آسادُ
هل يَفتديها الكفرُ والإلحادُ؟
لَهُما على بُعدِ المدى ميعادُ
والأعظَمِيَّةُ داسَها الأوغادُ
والقدسَ كيفَ تَمَرَّغَت بغدادُ
لَثَمَ النسيمَ وغصنُه ميّادُ
رُوِيَت بمائِهِما قرىً وبلادُ
وَيُحيطُه الأجنادُ والقُوادُ
لِلمُعوِزينَ مِنَ الخلائقِ زادُ
فَخَراجُ رزقِكِ عندنا سَيُعادُ
وَاشتَدَّتِ البَلوى وَعَمَّ فَسادُ
تَحنو عليها في الضٌّحى الآرادُ
حُبِكَت وإثمُ خيوطِها يزدادُ
نارٌ لهيبُ سعيرها وَقّادُ
لعدوِّهِم وتخاذلوا وانقادُوا
منذُ القتالِ وسُلِّمَت بغدادُ
لَعَنَتهُما الأحقابُ والآبادُ
ما كانَ مثلَ رسوخِه الأطوادُ
والأمرِكانُ وَبوشُ والأوغادُ
سَفَكَ الدماءَ وَدَأبُهُ الإفسادُ
فَسَيُقتَلونَ بكيدِهم ما كادُوا
وَتَلَوَّثَت من نَتِنها الأجسادُ
عِندَ الغُزاةِ وليتهم لو عادُوا
العُربُ والأتراكُ والأكرادُ
رُحَماءُ لكن للعِداةِ شِدادُ
نَمَطَ الثقافةِ حكمةٌ ورشادُ
إذ غَيَّرَتهُ صحائِفُ وَمِدادُ
بالمكتباتِ فَإذا بهنَّ رَمادُ
وَتَهابُهُ الجيرانُ والأبعادُ
واغتَرَّ فيهِ معاشِرٌ وعبادُ
ثم اختفى ووراءَه الأرصادُ
تَحتَ العَناءِ تدوسُه الحُسّادُ
وَأَطَلَّتِ الثاراتُ والأحقادُ
ما غَرَّها- لو راوَغَت - سَتُصادُ
فَيُقامُ بنيانُ الهُدى وَيُشادُ
تَعلُو العُقَابُ وَيَنحَني الأَوغَادُ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد