بسم الله الرحمن الرحيم
أدّت الهجرات الإسلامية المعاصرة إلى تنشيط دور المسلمين في جزيرة هسبانيولا - إحدى جزر البحر الكاريبي -، ويسعى المسلمون حالياً لاسترداد أمجاد أجدادهم الذين هاجروا من دول غرب أفريقيا منذ القرن الخامس الهجري إلى الجزيرة، ونشروا الإسلام بين الهنود الحمر منذ فجر الدعوة الإسلامية في هذا الجزء من العالم.
وبالرغم من أن جزيرة هسبانيولا مقسمة إلى قسمين: الجزء الشرقي وتحتله "الدومينكان"، والجزء الغربي الذي تشغله " هايتي"، إلا أن روح الأخوة تسود بين المسلمين هناك إذ آخى الإسلام بينهم.
دُعاة من الأفارقة:
تمكّن الأفارقة من اكتشاف جزيرة هسبانيولا بالبحر الكاريبي منذ نهاية القرن الخامس الهجري، وذلك عندما هاجر إلى هناك عدد لا بأس به من الأفارقة من دول غرب أفريقيا خاصة من السنغال وبنين.
ولم يشعر الهنود الحمر - سكان الجزيرة - بأن هؤلاء المهاجرين الأفارقة غرباء عنهم وذلك نتيجة لتشابه العادات القبلية بين الطرفين، فقد تعايش الجميع في وفاق، وأسهم ذلك بشكل إيجابي في نشر الإسلام بين الهنود الحمر.
وخلال عدة سنوات اعتنق عدد كبير من سكان الجزيرة الإسلام حتى صار دين الغالبية هناك، وقد شارك الجميع في تشييد المساجد، وعقد حلقات التلاوة القرآنية، وتأسس لأول مرة مجتمع إسلامي تسوده الأخوة والصدق في المعاملات، والبعد عن الرذائل.
كما قامت بين الأفارقة والهنود الحمر علاقات تزاوج ومصاهرة أدّت إلى نشوء جيل جديد من المسلمين، وأدّى هذا التجانس البشري إلى نشوء لغة جديدة سادت بالجزيرة، اختلطت فيها المفردات اللغوية الأفريقية ولهجات الهنود الحمر باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم.
الجزيرة والناس:
وتبلغ مساحة هسبانيولا (76) ألف و (484) كيلو متراً مربعاً، وتقع هذه الجزيرة إلى شرقي جزيرة كوبا، وتعتبر هسبانيولا ثانية جزر البحر الكاريبي مساحة بعد كوبا.
والأفارقة هم أول من اكتشفوا هذه الجزيرة، واستقرّوا بها، فعندما توجهت حَمَلات الكشوف الجغرافية في عام 898 هجرية (1492 ميلادية) بقيادة كولمبس استقبله المسلمون، وعاونوه في اكتشاف مجاهل هذه الجزيرة ومعالمها الجغرافية، وقد خضعت هسبانيولا للاستعمار الأسباني منذ هذا الوقت.
فقامت أسبانيا بتقسيم الجزيرة في محاولة لتفرقة المسلمين، وأطلقت على الجزء الشرقي من هسبانيولا اسم " الدومينكان" وخصصت لها ثلثي مساحة الجزيرة، كما اختارت مدينة " سانت دمنجو" عاصمة لها، وقد حصلت الدومينكان على استقلالها عن الاستعمار الأسباني ثم الفرنسي وذلك في عام 1260 هجرية.
الغالبية من المسلمين:
وغالبية سكان الدومنيكان من المسلمين الأفارقة، وللحد من التفوق البشرى الإسلامي قامت أسبانيا بتهجير عدد كبير من سكان الأندلس، واتضح لأسبانيا بعد تهجيرهم أنهم من المسلمين، وهكذا زادت أعداد المسلمين، فقررت أسبانيا وقف ومنع هجرة المسلمين إلى الجزيرة، ومع تزايد انتشار الإسلام قررت أسبانيا طرد المسلمين من الجزيرة ومن كل مستعمراتها في جزر البحر الكاريبي، وهكذا تقلص الوجود الإسلامي في الجزء الشرقي من هسبانيولا أو الدومنيكان.
أول جمهورية زنجية:
أما الجزء الغربي من جزيرة هسبانيولا فقد تأسست به دولة "هايتي"، وقد احتلتها فرنسا عام 1036 هجرية ( 1626ميلادية ) وطردت أسبانيا منها، حتى حصلت هايتي على استقلالها في عام 1219 هجرية ( 1804 ميلادية )، فكانت أول جمهورية زنجية في العالم كله.
وأغلب سكان " هايتي" من الزنوج الأفارقة الذين استقروا في جزيرة هسبانيولا منذ نهاية القرن الخامس الهجري، بالإضافة إلى عدد آخر من الأفارقة الذين جلبتهم فرنسا من غرب أفريقيا.
جهاد المسلمين:
لقد عانى المسلمون في هايتي - أو الجزء الغربي من هسبانيولا - من الاضطهاد الديني، حيث وضعت فرنسا العديد من العراقيل لمنع المسلمين من ممارسة شعائر دينهم الإسلامي الحنيف، فاضطر عدد كبير منهم للهجرة إلى جزيرة " جوناف" المجاورة.
ونتيجة لاستمرار الاضطهاد قامت ثورات إسلامية للمطالبة بتقرير حق المسلمين في ممارسة شعائر دينهم، وقد سجل التاريخ الإسلامي لجزيرة "هسبانيولا" جهاد المسلمين بقيادة الشيخ محمد ماكندال الذي حُكم عليه بالموت حرقاً لإخماد صوت المسلمين، ومنعهم من المطالبة بحقوقهم المشروعة.
الصحوة المعاصرة:
لقد أدّت سياسة القمع في " هسبانيولا" إلى تقلّص أعداد المسلمين في الدومنيكان وهايتي وجوناف، فمن سبعة ملايين نسمة في هايتي يوجد الآن تسعة آلاف نسمة من المسلمين فقط، ومن بين نحو ثمانية ملايين نسمة في الدومنيكان يوجد بينهم سبعة آلاف نسمة من المسلمين، أي أن (15) مليون نسمة هم سكان هسبانيولا يوجد (17) ألف مسلم فقط يمثلون أكثر من 1% من إجمالي عدد السكان.
ويسعى المسلمون في هسبانيولا لاسترداد أمجادهم الإسلامية، فقد بدؤوا حركة نشطة لنشر الإسلام في الجزيرة من جديد، وإنشاء مراكز إسلامية في " سانت دمنجو" و" بورت أو برنس" وبعض المدن الأخرى.
وقد كشف تقرير معاصر عن حاجة المسلمين هناك إلى ترجمات معاني القرآن الكريم باللغتين الأسبانية والفرنسية، ومكتبات دينية، ودُعاة لتبصير المسلمين هناك بأحكام وهدايات الدين الإسلامي الحنيف.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد