بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نتحدث عن الشيخ محمد الحسن ولد الددو تتسابق الصفات والأوصاف، قدم راسخة في العلم، ونفس مرتفعة بالتواضع الجم، وصيت عالمي سيّار، ومجلس إفتاء، وتدريس يغسل رين النفوس، وتنتقى فيه أطايب الكلام، ولأمر ما تقفز إلى الذهن عند رؤية سمت الشيخ في مجلسه وبين طلابه أبيات الشاعر القديم:
يدع الكلام فلا يراجع هيـــــــــبة والســـــــائلون نواكس الأذقان
سيما الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
الحديث إلى الشيخ محمد الحسن بن الدوو حديث متعدد الأبعاد والزوايا، مفتوح على كل الاتجاهات، شائق لا يُمل رغم المشاغل الجمة، والارتباطات الدعوية المتعددة، فضلاً عن استقبال الزوار والمهنئين بإطلاق السراح، لذا ليس من السهل إطلاقاً أن تحصل خلال هذه الأيام على وقت من الشيخ، لكن بالعزم والتصميم، وقدر كبير من تواضع الشيخ وتحمله كانت هذه المقابلة:
في البداية لماذا تم اعتقالكم أصلاً؟ ولماذا أُفرج عنكم أيضاً دون محاكمة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن هذا السؤال جدير أن تسأل عنه الجهات التي قامت باعتقالنا، فنحن لا مشاركة لنا لا في قرار الاعتقال، ولا في قرار الإفراج.
أما التهم التي وُجهت إلينا أو التي كان السؤال عنها والتحقيق فيها فهي في المرة الأولى: هل لنا علاقة بالذين دعموا الانقلابيين، وفي المرة الثانية: هل لنا علاقة بنشر صور لبعض الأشخاص المعذبين.
تعرضتم في الفترة الأخيرة للاعتقال مرتين: الأولى على خلفية "الانقلاب"، أما الأخيرة فكانت بتهمة فبركة صور عن التعذيب، كيف تردّون على كلتا التهمتين؟
الأولى: لم تكن تهمة قضائية وإنما كانت مجرد اشتباه، وقد حققت فيه الجهات الأمنية فعرضت علينا بعض المدنيين الذين ذكروا أنهم كانت لهم علاقة ببعض الانقلابيين، وسألونا: هل لنا علاقة بهم أو نعرفهم؟ فنفينا ذلك، ونفوا هم أيضاً فعرفوا أنه لا علاقة لنا بالانقلابيين، ولا صلة بيننا وبينهم.
أما في المرة الأخيرة فكانت التهمة التي حددها وكيل الجمهورية هي الترويج لصور تظهر عرياً، ومظاهر مخالفة للشريعة الإسلامية والأخلاق القويمةº فهذه هي التهمة التي كيفوا لنا، وكان التحقيق في أغلبه حولها، وربما جاءت فيه أسئلة أخرى عن غير هذا.
ومن المعلوم أنه لا علاقة لنا بالإعلامº فليست لنا مواقع إلكترونية، وليست لنا مراكز تصوير، ولا علاقة لنا بالصور ووسائل الإعلام التي تنشرها، فهذه أمور نحن أبعد الناس عنها، وهم يعرفون ذلك جيداً، ولذلك لم تكن الأسئلة الموجهة إلينا من هذا القبيل مباشرة، فتعليقنا على التهمتين أن كلتيهما كانت مسرحية هزيلة ضعيفة الإخراج، ويبدو أنها لم يكن قبلها الكثير من التروي، ولا استشارة أهل الخبرةº إذ لو كان الحال كذلك لاستخرجت - على الأقل - من وجه يمكن أن يصدقه عقل.
دعوتم - قبل اعتقالكم الأول - لمصالحة وطنية هل مازلتم مصرين على هذه الدعوة، وما هي أسبابها وشروطها في نظركم؟
لقد دعونا إلى مصالحة وطنية في وقت تكاد المشكلات والأزمات تعصف فيه بهذا البلد وسكانه في مهب الرياح، وقد تكرّرت في هذه الآونة الأخيرة الانقلابات العسكرية سواء كانت حقيقية أم كانت دعوى، وكثر التذمر في مختلف الجهات، وكادت تحصل فتنة طائفية وجهوية بعد أن تم القيام بالكثير من الاستهدافات لبعض القبائل والجهات، ونشر الكثير من المناشير التي تدعو إلى الكراهية بين أفراد هذا الشعب، وهذا الشعب لا يتحمل مثل هذا النوع من الأمورº فلأجل ذلك دعونا لمصالحة وطنية تلتئم فيها الكثير من الحساسيات، وتقوم على أساس ترجيح المصلحة على المفسدة، والتعقل والإيثار على الأنا والعواطف.
فما لم يقع الحوار ويطلع كل طرف على ما لدى الآخر عن كثب لا يمكن أن تقع مصالحة، فالمصالحة لا تكون إلا بعد المصارحةº فلذلك دعونا أولاً إلى حوار شامل ليس فيه إقصاء لأي طرف، يقدم فيه كل طرف اقتراحاته، والحلول التي يراها، وتناقش على حد سواء، على أن يكون كل طرف مستعداً للتنازل عن بعض آرائه في هذا الوقت الحرج للمصلحة الكبرى للوطن، ولابد قبل الحوار من إيجاد أجواء من الثقة المتبادلة التي تستدعي من كل طرف بعض الخطوات الضرورية، فمن طرف النظام لا بد من الاعتراف بشركائه في هذا الوطن والبلد من مختلف الحساسيات السياسية، ولا بد أن يدرك أيضاً أنهم وطنيون، وأنهم يريدون مصلحة الوطن، وأن لهم أطروحاتهم وآراءهم في مختلف القضايا، ولا بد أن تُسمع هذه المقترحات وتُناقش على محك العدل والإنصاف، وفي مقابل ذلك يتحتم أيضاً من طرف المعارضة بمختلف أطيافها القيام ببعض الخطوات المطمئنة اللازمة، تقتضي أولاً تهدئة ونقصاً من حدة الخطاب، ولغة التشنّجº حتى تتوفر أرضية صلبة للتفاوض، وإذا حصل ذلك فينبغي أن تعقبه خطوات أخرى بناءة تؤدي إلى جمع الشمل من مثل إصدار عفو عام، وتحقيق انفتاح وديمقراطية حقيقية ينال فيها كل طرف حريته في تشكيل ما شاء من الأحزاب والجمعيات والنوادي، وكذلك حرية الصحافة وعدم مصادرتها، وكذلك إتاحة الفرصة للجميع على حد سواء أثناء الانتخابات وبإشراف هيئة أو لجنة مستقلة عليها، ،كل ذلك خطوات نراها بناءة إذا حصلت، وحينها سيكون سكان هذا البلد مستعدين للتعاون والتشاور، وهذه المصالحة لا يظهر في الأفق أي انفراج ما لم تقع، ولا يمكن أن يستمر هذا الاختلالº فلابد أن يغلب العقل الهوى، وأن تغلب المصلحة المفسدة، كما لابد أن يتراجع عقلاء كل طرف حتى يجتمعوا على كلمة سواء لتحقيق مصلحة هذا البلدº فالاستمرار في الخطأ أعظم ضرراً أصلاً من وقوعه، ولذلك فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: " ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك فهُديت فيه إلى رشدك أن ترجع فيه إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"، وقد قال أحد الحكماء:
ليس من أخطأ الصواب بمخط أن يؤب لا ولا عليــــه ملامة
إنما المخطئ المسيء إذا ما ظهر الحق لجّ يحمي كلامه
حسنات الرجوع تذهـــب عنه سيئات الخطا وتنفي الملامة
ونحن ما زلنا نؤكد على هذه الدعوة إلى المصالحة الوطنية، ولا يتأثر موقفنا بمثل هذه الأحداث والضغوطº فمواقفنا إنما نتخذها في ضوء ديننا، وما يدعونا إليه الإسلام والحق، فلذلك لا يُخشى أن نتأثر بمثل هذه المضايقات.
التقارير الطبية أكدت أنكم بحاجة ماسّة للعلاج في الخارج ما حقيقة وضعكم الصحي، وهل أثرت فيه ظروف الاعتقال سلباً؟
نحمد الله على كل حال، فأنا أعاني منذ فترة من قرحتين في المعدة وإحداهما على العرق الأساسي فيها، ولذلك ينشأ عنها في الكثير من الأحيان نزيف داخلي يؤدي إلى تقيّؤ الدم، وليس لذلك علاج هنا، فالمستشفيات ما زالت متخلفة إلى حد بعيد، ولا يوجد فيها علاج لهذا النوع من الأمراض، ولا شك أن الاعتقال يؤثر في هذا النوع من الحالاتº لأن القرحة المعدية من أسبابها النشاط البكتيري الذي يؤدي إليه السهر، وكذلك روائح الدخان ونحوه، وهذه أمور لابد للمعتقل منها، فلذلك تأثرت فعلاً في المعتقل جراء السهر ورائحة الدخانº مما أدى لزيادة عمق هذه القرحة وزيادة المرض، وإلى الآن ما زال جوازي محجوزاً لدى إدارة أمن الدولة، وغير مسموح لي بالسفر إلى أي بلد من بلدان العالم، رغم كون هذا مخالف للقانون، ولم يصدر فيه أمر من المحكمة، كما أنه مخالف لدستور البلاد الذي ينص على كفالة حرية التنقل لجميع أفراد هذا الشعب.
كيف كانت ظروف الاعتقال (لدى الشرطة والقضاء معاً)؟ وهل كنتم تقومون بأنشطة دعوية داخل السجن؟ وما حجم التجاوب معها في أوساط السجناء؟
كانت الفترة الأولى وهي 15 يوماً في مفوضية الميناء رقم 2 في زنزانات انفرادية، في العشر الأواخر من رمضان وبداية شوال، لم يكن فيها - ولله الحمد - كثير عناء لأننا كنا نريد الاعتكاف، والزنزانة الانفرادية أقرب شيء إلى الاعتكاف، فلم يكن فيها ما يشغل الإنسان عن الاعتكاف إلا بعض الأمور اليسيرة مثل: محاولتهم منع الأذان الذي كنا نرفعه ليسمع بعضنا بعضاً وبالأخص في التراويح، حيث كان بعض الإخوة يقتدون بي، وكذلك بعض أهل الشارع إذ كان بعضهم يصطف في محال تجارية مجاورة للمفوضية فيصلون معنا التراويح، ولولا الأذان لما أدركوا ذلك ولما علموا به، ولكن الشرطة لم يفلحوا في ثنينا عنه، فلم يكن منهم إلا الإذعان لذلك وقبوله، ولم يكن تعاملهم معنا على درجة واحدة، وإن كان في أغلبه يطبعه الاحترام.
أما ظروف الاعتقال في المرحلة الثانية في السجن المدني وهو السجن المركزي في نواكشوط، وهو سجن قديم يجمع كثيراً من المعتقلين، كثير منهم من سجناء الحق العام كالقتلة، وأصحاب المخدرات والخمور، وفيه المسلمون وغير المسلمين، والمواطنون والأجانب، وهو عبارة عن معتقلات كبيرة، وقد كنا في المعتقل الثالث منها، وأكثر الذين فيه من المحكوم عليهم قصاصاً في القتل ونحوه، وهذه الأحكام تصدر عن المحاكم ولكن لا تنفذ، فكل الحدود موقوفة عندنا تحكم بها المحاكم ولكن لا تنفذº فلذلك كثير من الذين حكم عليهم بالقتل في حد من حدود الله أو بالقصاص، أو الذين حكم عليهم بقطع اليد ونحو ذلك هم مسجونون سجناً طويلاً، لا يدرون ما نهايتهº لأن الحدود موقوفة، والسجناء أنواع منوعة، فمنهم المظلومون الذين أدخلوا وأودعوا السجن فنُسي أمرهم أو تنوسي، ومنهم مجرمون محترفون مشاهير، ومنهم الذين تعرضوا لتصفيات سياسية فليست لديهم قضايا، وهكذا فهم أنواع منوعة، والمعتقل الذي كنا فيه بداية كان فيه واحد وخمسون معتقلاً سوانا كان أغلبهم لا يصلّون، ولا اهتمام لهم بأمر الدين، فقمنا ببعض الأنشطة ومنها إقامة الصلاة والجمعة، وكانت لأول مرة تُصلّى في السجن، وكانوا يصلون معنا جميعاً، وبعضهم يقوم الليل، ونظّمنا دروساً يومية دائمة، وصلاة الجمعة والجماعة، وكانت تلك الأنشطة سبباً لتوبتهم ورجوعهم، وأسلم في هذه الفترة شخصان من السجناء كانا كافرين، وحصل فيها انسجام تام مع السجناء حتى من خارج المعتقل الذي نحن فيهº فالسجن يضم سبع معتقلات، وتفتح أبوابه الداخلية ساعتين يومياً ليزور كل أصحاب المعتقل المعتقلات الأخرىº ليسأل من هو محتاج للسؤال، وليعمل من يجد عملاً، ووجدنا - ولله الحمد - طرقاً لإطلاق سراح الكثير منهم عن طريق المحامين المتطوعينº لأن الكثير منهم اعتقلوا وأُودعوا السجن ونُسيت قضيتهم، فينقضي زمن لا يُحكم فيها، ولا تُعرض على القضاء، وهم مظلومون، وتمّت محاكمة البعض الآخر ممن كان لا يطمع في المحاكمة، وكنا أيضاً نكتب الدروس لبعض السجناء لتقديمها لزملائهم، وقد اشترينا بعض الألواح من أجل تعليمهم، وقمنا كذلك بتوزيع بعض الأشرطة والكتب الصغيرة، واستفادوا كثيراً من هذه الأنشطة، إلى جانب ذلك كان هناك عمل اجتماعي، وبعض المساعدات العينية التي وزّعناها على المعتقلين، وكنا نحن أنفسنا في ضيافة سكان هذه المدينة الكريمة نواكشوط، وفي كل يوم هناك ضيافة من أسرة كريمة أو قبيلة من القبائل، وبعد إخراجنا من هذا المعتقل بعد شهر تقريباً جُعلنا في غرف مستقلة عن المعتقلات، وحُرمنا لقاء السجناء، وصُودرت منا الأجهزة والأشرطة، وصُودر كذلك أكثر من (57) جهاز تسجيل من السجناء خشية أن يسمعوا الدروس والمحاضرات، وحُرمنا من تسجيل الدروس والخطب، وكنا لا نلتقي مع المساجين إلا من خلال تعاون بعض أفراد الحرس، أو بالتعاون المتبادل بينهم وبين بعض السجناء.
والطابع العام للسجناء أنهم يعيشون ظروفاً صعبة جداًº فكثير منهم يشكو الجوع والأمراض، ويحتاجون إلى من يمد لهم يد المساعدة والعون، وللأسف لا يجدون إلا بعض المنظمات التنصيرية التي لها انتقاء واختيار، فتختار بعض الأشخاص فقط ولا تعتني بالبقية، وقد علمنا فيما بعد أن هذه المنظمات تدخلت فعُزلنا في غرفة مستقلة، وحتى في فترة العزل هذه أسلم أيضاً بعض الأفراد، ونوقش مع البعض الآخر ولم يدخل بعد الإسلام، ولكن قطعنا معهم خطوات في سبيل ذلك.
هل تأثير المنظمات التنصيرية ملموس في السجن؟ أي هل تحوّل بعض السجناء إلى اعتناق غير الإسلام؟
بالنسبة للتحول فالله أعلم به، ولكن كثير من المظاهر التي شاهدناها تدل على ذلك، فبعض السجناء يعلقون بعض الشعارات، ويرسمون بعض الصلبان على أجسامهم بواسطة الوشم، ويعلقون بعضها أيضاً، ومع ذلك فإن اعتناق البعض للعقيدة التي تدعو لها هذه المنظمات لا يعني أنه ملتزم بالديانة المسيحية أو غيرهاº فالالتزام لا يُطلب من السجناء فهم غير ملتزمين بشيء، بل يوجد بينهم من أنواع الأخلاقيات أشياء رهيبة جداً، فمثلاً كان أحدهم محكوماً عليه بخمس سنوات في جريمة وفي الأسبوع الذي سيخرج فيه من المعتقل سرقت له أحذية من البلاستيك الرخيص فاتهم بها سجيناً آخر فضربه على رأسه حتى قتله، وآخر آذاه أحد السجناء فأخذ قدراً فيه بقايا الزيت الذي يطبخ به فوضعه على النار حتى غلا ثم صبه على هذا السجين وهو نائم، ناهيك عن المخدرات وأنواع الفساد الأخرى، وفي الآونة الأخيرة كان بعض السجناء يُستغلون لتنظيف مخزن قديم من مخازن السجن، فوجدوا بعض حبوب المخدرات التي قد انتهى تاريخها منذ فترة فبيعت في السجن فاستعملها عدد من السجناء فأثرت فيهم تأثيراً كبيراً.
يتهمكم النظام بالتطرف والغلو والتحريض على الكراهية من خلال محاضراتكم، وأنشطتكم الدعوية، وفتاواكمº خصوصاً تلك المتعلقة منها بحرمة التطبيع، ووجوب المقاطعة الشاملة للعدو؟
هذه التهمة لم تُوجّه إلينا قضائياً وإن كانت المعاملة تدل عليها، وطبعاً ليس لها أي أساسº فنحن منهجنا منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن فالله - تعالى- يقول: ((ادفع بالتي هي أحسن)) ويقول: ((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن))، ولا نعادي أحداً من المسلمين، إنما نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وليس لنا حقد على أحد، ولا كراهية لجنس من الأجناس، أو شعب من الشعوب، وإنما ننطلق مما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند الله - تعالى- فمن كان يكره ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذلك أمر يعنيه، أما ما يتعلق بالفتاوى فهي أمانة، ويجب على الإنسان أن يجتهد في قول الحق فيها، وألاّ يخاف في الله لومة لائم، وقد قال تعالى: ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون))، فيجب على من ائتمنه الله على شيء من العلم أن يقوم فيه بالحق، وأن يؤديه على وجهه الصحيح، وقد قال الله - تعالى-: ((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)).
بعد قرابة سنتين من صدور ما يعرف بـ"قانون المساجد" كيف تقيمون الأداء الدعوي في موريتانيا، وهل ساهم قانون المساجد فعلاً في تحجيم هذا الأداء، أو الحد منه؟
هذا القانون في ظاهره أريد به تحجيم الدعوة في المساجد، على خلفية ما يذكر من أن المساجد تستغل للسياسة، وهو ادعاء يفتقد الصدقية والأساس الصحيحº فالمساجد إنما فيها تعليم ودعوة، وهذا الذي شُرع القانون على خلفيته، وإلى الآن لم يطبق هذا القانون تطبيقاً حازماً، وقد اتخذ ذريعة لمضايقة بعض الدعاة دون بعض، والتركيز على بعض المساجد دون البعض الآخر، فأغلقت مراكز جماعة الدعوة والتبليغ في نواكشوط وانواذيبو، وضويقت بعض المساجد التي كانت فيها دروس منتظمة، وبعض الليالي التربوية التي يفد إليها الناس من كل حدب وصوب، ومع ذلك فلم يزد ذلك الدعوة إلا رسوخاً وقوةº حيث انتشرت في البيوت والمساجد وفي كل مكان، وأصبحت الدعوات العامة وحتى حفلات الزفاف ونحوها وسائل جديدة للدعوة، وقُدمت فيها البدائل الإسلامية والدروس، فهذه الدعوة لا يمكن أن يقف في وجهها مثل هذا النوع من بناء العنكبوتº لأنها أمر الله - تعالى-، وهي صفته التي وصف بها نفسه فقال: ((والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)) وقال: ((والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس))، ووصف بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً)) وقال: (( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين))، وهي أحسن الأقوال فقد قال الله - تعالى-: ((ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)) فلا يمكن أن تزيدها المضايقات إلا انتشاراً، ولا تزيد الناس عليها إلا إقبالاً.
انتشرت في الآونة الأخيرة في بعض الدول الإسلامية مظاهر عنف (اغتيالات، تفجيرات...الخ) ما هي نظرتكم لها، وما هو الموقف الشرعي منها؟
لا يُقبل شرعاً ولا طبعاً قتل المسلم لأخيه المسلم، وقد قال تعالى: ((ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً))، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) قيل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: (أليس كان حريصاً على قتل صاحبه)، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، فلذلك لا بد أن تُوضع الأمور في نصابها، وأن يُعلم أن قتل المسلم أمر عظيم، وقد بين الله - تعالى- خطره وضرره، وبين ذلك رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعلى المسلمين أن يبتعدوا عن مثل هذا النوع من الأعمال المخالفة للشرع، وأن يعلموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة حجة الوداع: ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) فلذلك لا بد من الابتعاد عن مثل هذا النوع من الأعمال والحذر منه مطلقاً، وهذا التحذير موجّه للجميع، ليس للتيارات التي تقوم به فقط، بل في المقابل هو أيضاً موجّه للحكوماتº فعلى الجميع أن يحذروا من القتل، وأن يعلموا أن قتل المسلم أمر خطير، وأنه لا يأت بخير، بل القتل لا يؤدي إلا إلى القتل.
هل من كلمة أخيرة؟
أشكر موقع (الإسلام اليوم) والقائمين عليه جميعاً، وأسأل الله أن يوفقهم ويسددهم وينفع بهم، وأن يجعل عملهم خالصاً لوجهه الكريم، ولا شك أن اهتمامهم بقضايا المسلمين وبواقعهم هو الذي أدّى إلى مثل هذه المقابلة، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم، ويبارك في جهودهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد