بسم الله الرحمن الرحيم
من المفترض أن يكون بابا روما وغيره من قادة الكنيسة آخر من يتهم الإسلام بالشر والجمود العقلي.. فهو يعرف قبل غيره أن الإسلام لم يعرف الشر أبداً، وإنما جاء لدفعه وهزيمته، وأن العقيدة الإسلامية لم تعرف أبداً الجمود أو الغموض بل هي واضحة أبلج من الصبح .. لكننا حيال كلمات البابا المشينة والظالمة بحق الإسلام نتوقف عند بعض الأمور التي نعتقد أنها مهمة:
فالكنيسة تعاني في السنوات الأخيرة من أزمة كبيرة في العقل وفي رسالتها الروحية، وقد أصبح ذلك واضحاً ومفهوماً لمعظم أتباعها، فلم يجد البابا بداً من افتعال تلك المعركة وتلك الهجمة المفاجئة على الإسلام، رامياً هذا الدين العظيم بكل ما تعانيه الكنيسة من أدواء، وفي ذلك رسالة إلى أتباعه مفادها: "إن كانت المسيحية اليوم تعاني من أدواء عضال، فإن الإسلام يعاني أيضاً منها، ولكن بصورة أشد".. لكن رسالته فشلت، وأخطأت طريقها وارتدت عليه ليس بسبب هبة المسلمين الكبرى، انتصاراً لدينهم وتكذيباً لهذه المزاعم، ولكن بسبب أن جماهير الكنيسة تقرأ وتدرس، ويمكنها أن تتبين خطيئة "باباها" بسهولة. فالقرآن الكريم موجود وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - قائمة، وبالتالي فإن هذه الهجمة الحافلة بالمزاعم لن تغير من حقيقة الأزمة التي تعيشها الكنيسة اليوم، فيما يتعلق بالعلاقة بين العقل والعقيدة، وفيما يتعلق برسالتها الروحية التي من المفترض أن تنشر الخير وتوقف الشر.. وهنا نتوقف قليلاً لبيان بعض جوانب الأزمة:
فقد تابعنا خلال العامين الأخيرين ما أحدثته رواية وفيلم "شفرة دافنشي" من هزة كبيرة حول تاريخ الكنيسة، ثم ما أحدثته الترجمة التي ظهرت في مايو الماضي ل"إنجيل يهوذا"، وما كشفته الترجمة من تناقضات جديدة في العقيدة المسيحية حول صلب المسيح، وغيره، وهو ما عمَّق الهوة بين الأناجيل المتعددة.
هذا على صعيد العقيدة التي تصيب الاجتهادات حولها العقل بالشلل وليس الجمود.. أما على صعيد رسالة الكنيسة الروحية، فقد كان من المفترض أن تحقق الكنيسة نجاحاً على المستوى الأخلاقي والقيمي، وأن يكون لها دور واضح في معالجة المحنة الأخلاقية التي يعيشها الغرب، من انحلال وشذوذ وانهيار أسري، لكنها فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً .. ليس ذلك فحسب، بل بدلاً من أن تقاوم طوفان الانهيار في القيم والأخلاق، إذا بذلك الطوفان يجرفها ويأخذها معه... وبدلاً من أن تكون مرتكزاً للحل صارت جزءاً معقداً من المشكلة... فقد فوجئنا في السنوات الأخيرة بممارسة القساوسة للشذوذ الجنسي بل إن بعض الشواذ من مثليي الجنس ارتقى كرسياً كنسياً، وليس ذلك الكلام من الخيال، وإنما من واقع بيانات واعترافات الكنيسة ذاتها ومن واقع البيانات الصحفية واستطلاعات الرأي من داخلها، ففي فبراير 2005م، ذكرت شبكة سياتل الأمريكية نقلاً عن زعماء الكنيسة الكاثوليكية الرومانية الأمريكية أنهم تلقوا 1092 بلاغاً جديداً حول ممارسات غير أخلاقية وفاحشة للقساوسة الكاثوليك.
وفي تقرير صادر عن الفاتيكان (مارس 2001م) كشف قيام كثير من القساوسة والأساقفة بالاعتداء الجنسي على الراهبات.. وفي إسبانيا أوقفت الكنيسة الكاثوليكية القس "خوسيه مانتيرو" لاعترافه بالشذوذ الجنسي، وفي أستراليا أثار التحرش الجنسي من القساوسة جدلاً داخل الكنيسة، وفي فبراير 2004م قال مراسل بي بي سي للشؤون الدينية في واشنطن: إن قساوسة أمريكيين ارتكبوا 11 ألف إساءة جنسية.
هذه المسالك أفقدت ثقة الكثيرين في الكنيسة، وتسببت في عزوف الناس في الغرب عنها. فقد تراجعت ثقة الأمريكيين في الكنيسة إلى النصف، وفي النمسا انخفضت ثقة الناس في الكنيسة إلى 38%. وقال راديو لندن: "إن الفضائح المتعلقة بالجنس لعدد من القساوسة كانت أحد الأسباب التي دفعت الناس إلى الابتعاد عن الدين المسيحي".
إذاً هناك أزمة عقائدية وأخلاقية تضرب أعمدة الكنيسة ولا فكاك منها وليس لدى البابا حل لها، فاختار الطريق الأسهل بافتعال معركة مع الإسلام والمسلمين، حتى يوحد أتباعه حوله..لكننا نعتقد أنه لن ينجح حتى ولو اصطف معه الساسة من قادة الحرب الجارية على الإسلام..فحقيقة الإسلام الناصعة ستظل ماثلة على الأرض.. وواقع الأزمة التي تعيشها الكنيسة سيظل واضحاً للعيان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد