قادة الغرب يقولون : دمروهم بالنووي


بسم الله الرحمن الرحيم

 

فالغرب في هذه المرة يجهر بلا أي مواربة في توجيه التهديد، والتهديد مغلف باستخدام السلاح النووي، على ما في هذا السلاح من خطورة ليست في حجم الدمار الذي يخلفه بمثل ما فيه من قدرة على توسيع رقعة أي مواجهة قد يكون طرفاً فيها. والمواجهة هذه المرة ليست مواجهة أحلاف وتكتلات على مصالح متناقضة، بل مواجهة حضارات بحسب الرؤية الغربية، وهذا الصدام الحضاري الذي نال امتياز التبشير به حكماء ومفكرو الغرب سيقع حتماً بين أطراف عقائدية وفكرية في الأساس.

 

في تحذير صريح ومباشر في آن واحد، هدد الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، الخميس 19/1/2006م، باستخدام الترسانة النووية لبلاده ضد أي دولة ترعى هجوماً (إرهابياً) على الأراضي الفرنسية.

وقال شيراك: إن باريس ستكون مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية في حال وقوع أي هجوم عليها. جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي الذي دأبت الأدبيات الرسمية العربية على اعتباره (صديق العرب والمسلمين في أوروبا) خلال زيارته للقاعدة النووية الفرنسية بجزيرة "ليل لونغ" قبالة سواحل برست بغرب البلاد.

 

وتحدث شيراك عما وصفه بالتهديدات الجديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة. وقال: "إن في العديد من البلدان، تنتشر أفكار متشددة تدعو إلى المواجهة بين الحضارات"، مضيفاً أن زعماء الدول التي: "ستقدم على استخدام الوسائل الإرهايبة ضدنا، عليهم أن يعوا أنهم سيعرضون أنفسهم لرد حازم ومناسب من جانبنا". وقال: إن فرنسا كيفت قواتها النووية بشكل يسمح لها بالرد على التهديدات.

 

ولم تكن هذه التصريحات الصادرة عن أحد زعماء الأجنحة الغربية العتيقة من النوع العابر بأي حال، خاصة وأنها تأتي في ظل الجدل المثار حول البرنامج النووي لإيران باعتبارها المارد الإسلامي المتشدد الذي يتأهب لتدمير الحضارة الغربية ومعها أمريكا وإسرائيل.

 

وكانت فرنسا أبدت قلقها حيال البرنامج الإيراني ودعت طهران لوقف عمليات البحث والتطوير في منشآتها النووية. ولما لم يقم دليل واحد لدى الغرب حتى الآن على وجود دولة ترعى الهجمات ضد بلاده شرقية كانت أو غربية، خاصة وأنه ما من عملية هجومية تقع في دولة من الدول الغربية إلا وتصحبها سلسلة من الإدانات والاستنكارات الرسمية، فلابد من الوقوف أمام هذه التصريحات لمعرفة وجهتها الحقيقية والهدف من ورائها.

 

فقد تحدث شيراك من بين ما تحدث عما وصفه بالتهديدات الجديدة في عالم ما بعد الحرب الباردة. هذه الحرب التي تمخض عنها "حلف شمال الأطلسي" آنذاك في مقابل "حلف وارسو" الشرقي الذي سرعان ما انهار مخلفاً عالم القطب الأوحد والحلف الأوحد الذي شاءت له الظروف أن يأخذ طابع التحالف العسكري الأبدي بين القوى الغربية.

 

وقد صاحب الأبدية التي تلون بها الحلف الغربي تساؤل قوي ظل يطرح نفسه دون أن يهتدي لجواب..في مواجهة من؟ ظل الغربيون حريصون على بقاء حلفهم العسكري وقد انهار العدو الشرقي!؟.فلا يوجد عدو واضح يمكن توجيه الآلة العسكرية الغربية إليه، ولا توجد أرض معركة ظاهرة للعيان، ولا دولة معينة يمكن إسقاطها لتنتهي عند ذلك حربهم.

 

ولم يكن الغربيون من السفه حتى يوجهون طاقاتهم لقتال الأشباح.

فمن بين الأوصاف التي خلعها الرئيس الفرنسي على الدول التي حذرها من رعاية الهجمات التي قد تستهدف بلاده دول: "تنتشر فيها أفكار متشددة تدعو إلى المواجهة بين الحضارات". وهذا الوصف لا شك لا ينطبق ـطبقاً للرؤية الغربيةـ سوى على دول المنطقة العربية والإسلامية. ومن ثم فلا مجال لنفي حقيقة التهديد الموجه من قبل الغرب، وهو ما أعلنه الأمريكيون قبل ذلك صراحة فيما يسمى بـ (الحرب على الإرهاب) هذه الحرب التي دارت رحاها وجميع معاركها على أرض إسلامية (العراق، أفغانستان، باكستان، اليمن، السودان، السعودية، الكويت) وأخيراً (سوريا وإيران ولبنان) ناهيك عن تجنيد الأنظمة المتحالفة مع الغرب ضد شعوبها في هذا المجال.

 

وأمام هذه الحرب التي أخذ الحلف الغربي بجميع أجنحته يعد لها العدة ـ كما يبدو من خطاباته ـ وهو ما بدى جلياً في التحالف الذي اجتاح الأراضي العراقية بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، واسقاط نظام صدام حسين، تتجلى خطورة وحجم التهديد.

 

فالغرب في هذه المرة يجهر بلا أي مواربة في توجيه التهديد، والتهديد مغلف باستخدام السلاح النووي، على ما في هذا السلاح من خطورة ليست في حجم الدمار الذي يخلفه بمثل ما فيه من قدرة على توسيع رقعة أي مواجهة قد يكون طرفاً فيها. والمواجهة هذه المرة ليست مواجهة أحلاف وتكتلات على مصالح متناقضة، بل مواجهة حضارات بحسب الرؤية الغربية، وهذا الصدام الحضاري الذي نال امتياز التبشير به حكماء ومفكرو الغرب سيقع حتماً بين أطراف عقائدية وفكرية في الأساس.

 

نحن إذن أمام صدام تطوع زعماء الغرب بالترويج له، وإن قالوا أنه ضد ما يرونه (إرهاب) هذه الكلمة التي اختلفوا في تحديد مدلولها ظاهريا وإن اتفقوا على تحديد العدو الذي أسقطوها عليه، ووجهوا نحو صدره سهامهم. ولعل تصريحات الرئيس الفرنسي تعيد إلى الأذهان وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش (الابن) الحروب والمعارك التي أشعلها في البلاد الإسلامية بـ "الحرب المقدسة" هذه الحرب التي ساق لها الغربيون قوة عسكرية هائلة، وحشد سياسي وإعلامي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية حتى الآن.

 

ولعل ما يثير الريبة إزاء التهديدات الغربية هو (الخطاب الجماعي) الذي دائماً ما تتحلى به تصريحات الزعماء الغربيين، ففي خطاب شيراك الذي عليه مدار الحديث يقول الرئيس الفرنسي: إن "مكافحة الإرهاب هي بالتأكيد من أولوياتنا"، مضيفاً "سنواصل على هذه الطريق بحزم وتصميم". معتبراً أن الإمدادات الإستراتيجية والدفاع عن الحلفاء يشكلان مصالح "حيوية" وتبرر بالتالي اللجوء إلى قوة الردع النووية. ويضيف شيراك: إن باريس يجب أن تكون قادرة على أن تضرب بقوة مراكز القوى في الدولة المعادية وقدرتها على التحرك.. وإن كل القوات النووية الفرنسية تضع هذه الإستراتيجية في ذهنها.

 

فشيراك بخطابه هذا كمن يشرع لعدون مستقبلي، وهذا العدوان لم يحتكم سوى لرؤية أحادية في تحديد مكمن الخطر الذي ينبغي أن تتوجه إلى سهام باريس النووية حيث يقول: "يعود إلى رئيس الجمهورية (الفرنسية) تقدير الحجم والنتائج المحتملة للتهديد أو الابتزاز".

 

وفي الوقت الذي يتغنى فيه بقوة فرنسا النووية التي يتوعد بها الآخرين يشير إلى أن العالم: "مطبوع بظهور استعراضات قوى تستند إلى امتلاك أسلحة نووية أو بيولوجية أو كيميائية". وحمل على: "محاولة بعض الدول حيازة القوة النووية بما يتنافى مع المعاهدات" الدولية!، جاء هذا الكلام وسط اشتداد الأزمة حول البرنامج النووي لإيران التي يتهمها الغرب بمحاولة الحصول على السلاح النووي باعتبار أنه من الكبائر أن تفكر أي جهة غير غربية في الحصول على هذا السلاح.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply