بينما يرى المراقبون أن القرار الأمريكي - الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع 6/12/2006م - إنما يهدف إلى دعم حكومة "بيدوا" الضعيفة الموالية لأديس أبابا في مواجهة المحاكم الشرعية المدعومة من أبناء الشعب الصومالي، يذهب المحللون إلى احتمال انتقال الصراع المتصاعد في القرن الأفريقي إلى بلدان أخرى في المنطقة، حيث يُخشى بشكل خاص من أن تتقاتل إثيوبيا وإريتريا ضد بعضهما بعد أن يروا في الصومال ساحة حرب أخرى لمواصلة المواجهة العسكرية المتقطعة بينهما على قضية حدودية.
إذ جاء قرار مجلس الأمن كحلقة أخرى في مسلسل الأزمة الصومالية المتفاقمة، وهذا بعد أن أجاز المجلس للدول الأفريقية تشكيل قوة تدخل عسكرية تحت لافتة (السلام) بهدف وقف تقدم المحاكم الشرعية على الأرض، ودعم الحكومة المؤقتة.
ووافق القرار - الذي أعدت نصه وقدمته الولايات المتحدة - على مشروع نشر القوة العسكرية المشكلة من نحو ثمانية آلاف جندي تنتمي إلى دول منظمة "إيجاد" التي تضم: كينيا وأوغندا، وإثيوبيا وإريتريا، والسودان وجيبوتي، والحكومة المؤقتة في بيدوا، بتفويض من الاتحاد الأفريقي.
وفي هذا القرار - الذي تم تبنيه بالإجماع - أدخل مجلس الأمن استثناء على حظر الأسلحة الذي يفرضه على الصومال منذ عام 1992، وذلك لإفساح المجال أمام تسليح هذه القوات وتدريبها، إلى جانب تسليح المليشيات الأخرى المدعومة من أديس أبابا.
تم تقديم القرار من قبل الولايات المتحدة - الحليف القوي لإثيوبيا، والمروجة لما يسمى الحرب على (الإرهاب)، والمعادية لأي وجود إسلامي في منطقة القرن الأفريقي -، وتبنته الدول الأفريقية الثلاث الأعضاء في المجلس (الكونغو، غانا، وتنزانيا)، ولولا ضغوط مورست على واشنطن من قبل الاتحاد الأوروبي لما حظر القرار انضمام قوات عسكرية من الدول الحدودية (إثيوبيا وإريتريا)، والتي ينظر إلى وجودها في الصومال على أنه مستفز.
ورداً على تبنيه من قبل مجلس الأمن رفضت المحاكم الإسلامية القرار، متوعدة بخوض المعارك ضد أي قوات أجنبية تدخل البلاد حتى تدحرها، وقال رئيس المجلس التنفيذي للمحاكم الشيخ شريف شيخ أحمد: "إن المحاكم لن تقبل بأي قوة أجنبية على الأراضي الصومالية"، معتبراً أن القرار انتقام أمريكي من الصومال، ولكنه جاء عبر مجلس الأمن كمجرد غطاء، وتوعد الشيخ شريف بهزيمة القوات الأجنبية، كما دعا المجتمع الدولي إلى احترام إرادة الشعب الصومالي، معرباً عن استغرابه لعدم إشارة مجلس الأمن إلى القوات الأجنبية الموجودة في البلاد.
ولم يقتصر رفض القرار على المحاكم الإسلامية، حيث انتقدته عدة أطراف - بينها منظمات غير حكومية -، واتهمت مجلس الأمن بالتحيز مدفوعاً من قبل واشنطن لصالح الحكومة الانتقالية، فقد حذرت المجموعة الدولية للأزمات "إنترناشيونال كرايزس جروب" ومقرها بروكسل من أن قراراً من هذا النوع يمكن أن يجر الصومال إلى حرب شاملة عبر تغذية النزاع الدائر بين إريتريا وإثيوبيا، وقالت المجموعة: إن تبنى القرار يهدف إلى تعزيز الحكومة الانتقالية، ومن شأنه أن يؤدى إلى مفعول عكسي تماماً.
وكان تقرير صادر عن الأمم المتحدة حذر من أن نشر تلك القوات من شأنه التعجيل بنشوب الحرب، وقالت مصادر في المفوضية الأوروبية إنها أبدت مخاوف مماثلة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن نشر القوات قد يكون غطاء لعملية عسكرية ضد الإسلاميين في الصومال، ويشعل نزاعاً إقليمياً هائلاً، وفي وقت سابق حذر خبراء الشئون الإفريقية بالمفوضية - في تقرير وزع على سفراء الاتحاد الأوروبي - من القرار الأمريكي الذي يدعو فيما يدعو إليه لتخفيف حظر بيع السلاح للصومال.
كما ندّد "المجلس الصومالي للوحدة والإنقاذ" بالقرار، وقال حسين سياد رئيس المجلس: إن واشنطن قدمت القرار إلى مجلس الأمن "بهدف عرقنة وأفغنة الصومال" في إشارة إلى الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، كما رفضته "رابطة علماء الصومال" حيث قال (الشيخ نور بارود جرجن): "إن الولايات المتحدة فشلت في العراق وأفغانستان، وستفشل في الصومال"، معتبراً أن الولايات المتحدة لا تدرس عواقب ما تفعله، مناشداً الصوماليين "الاستعداد لمحاربة كل قوة تريد دخول البلاد، إذ إن عصر إذلال الشعوب واستعمارها ولَّى".
كما حذرت الحكومة الإريترية مما أسمته "فوضى عارمة تجتاح الصومال" إذا قرر مجلس الأمن إرسال القوات الأفريقية التي تعارضها المحاكم الشرعية، وكان بيان للخارجية الإريترية دعا أعضاء مجلس الأمن إلى الامتناع عن أي قرار تكون له انعكاسات خطيرة على السلام والأمن، واعتبرت أسمرة أن تدخلاً أجنبياً سيزعزع استقرار الصومال، وسيزيد في حدة الحرب الأهلية.
وفي هذا الإطار يرى دبلوماسيون غربيون وعرب أن أي وصول فعلي لقوات عسكرية إلى الصومال ما زال أمامه شوط طويل، وقالوا: إن قرار مجلس الأمن ربما يهدف إلى أن يكون له أثر سياسي أكثر منه عملي في الوقت الراهن، كما أن هناك قضايا لم تحسم بعد تتعلق بالتمويل المادي والإمداد العسكري والتموين، وربما تؤدي المخاوف من أن وصول هذه القوات قد يجتذب الجهاديين الإسلاميين إلى الصومال إلى إحجام الاتحاد الأفريقي عن إرسال جنود إلى هناك.
وفي إشارة إلى أحد أهدافهم من القرار وصف المندوب الأمريكي "المستقيل" لدى الأمم المتحدة جون بولتون القرار بأنه إجراء وقائي، قائلاً: "إنه ربما لا يكون حلاً كاملاً للمشكلة، هذا أحد الأسباب التي تجعلنا نشجع وساطة الأطراف المختلفة والحوار بين كافة الفصائل، أعتقد أن ذلك شيء أساسي".
وفي خلفية التورط الأمريكي بالأزمة الصومالية عن طريق النظام الإثيوبي الذي بات يعرف بالوكيل الحصري للمصالح الأمريكية في القرن الأفريقيº تسعى الولايات المتحدة إلى تدخل ثالث في الصومال يرى فيه الكثير مقدمات لإشعال حرب مفجعة في منطقة القرن الإفريقي للحيلولة دون وجود أي قوة عربية أو إسلامية قوية في هذه المنطقة، حيث تزايد الاهتمام الأمريكي بالصومال منذ أن استولى المقاتلون الإسلاميون في المحاكم الشرعية على العاصمة مقديشو من أمراء الحرب الذين تدعمهم واشنطن وأديس أبابا.
وكان الرئيس الإريتري أسياس أفورقي قد حذر من هذا التورط الأمريكي الإثيوبي قائلاً: إن الولايات المتحدة تساهم في زعزعة الاستقرار والنزاعات في القرن الإفريقي وخاصة في الصومال، وأن حليفتها الكبرى في المنطقة حكومة إثيوبيا "أداتها ودمية بيدها"، وأضاف في حديث لوكالة "فرانس برس": أن التورط الخارجي هو التهديد الأكبر الذي يهدد الصومال.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي قد صرح قائلاً: إن التعاون بين بلاده والولايات المتحدة لمحاربة ما وصفه بـ"الإرهاب" في تطور مستمر أكثر من أي وقت مضى، وأوضح زيناوي خلال لقائه برئيس الوفد الأمريكي السناتور (روس فينغولد) في أديس أبابا أن التعاون المشترك بين البلدين الذي وصفه بالقوي سيعمل على حماية منطقة القرن الأفريقي من الهجمات الإرهابية.
في حين أشاد السناتور الأمريكي بدور إثيوبيا تجاه الأزمة في الصومال، وقال: إن الولايات المتحدة تدعم جهود أديس أبابا بشأن المشكلة الصومالية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد