تقع هولندا التي تعرف باسم مملكة الأراضي الواطئة في شمال غربي أوروبا، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 16 مليون نسمة، مليون منهم يدينون بالإسلام، وأغلبهم من أصول تركية و مغربية وجزائرية وآسيوية، ويتمتّع الشعب الهولندي بوعي سياسي كبير، ويعرف بمتابعته الدقيقة للأحداث الدولية والإقليمية، ففي سنة 1977 على سبيل المثال جمع الهولنديون مليون توقيع ضدّ القنبلة النيترونية الأمريكية.
وقد بدأ المسلمون يفدون من بلاد المغرب العربي وتركيا وغيرها من الأمصار الإسلامية إلى هولندا قبل نصف قرن، حيث تمكنوا من إقامة مساجد ومراكز ومدارس إسلامية.
وقد شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصل اليمين المتطرف الهولندي إلى قبّة البرلمان الهولندي بداية الانقلاب على الإسلام في هولندا خصوصاً والغرب عموماً.
حيث أصبح التهجّم على رسول الإسلام وعلى المقدسّات الإسلامية سمة لبعض الحاقدين على الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، علماً أنّ العديد من المفكرين الغربيين ما فتئوا يعلنون أنّ أعظم الرسل على وجه الإطلاق هو محمّد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي سابقة خطيرة هي الأولى من نوعها في هولندا قامت نائبة هولنديّة من أصل صومالي بسبّ رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -، وتنتمي هذه النائبة الصوماليّة إلى حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الهولندي، ومازالت هذه النائبة آيان هيرسي علي من مقديشو والتي لجأ أبواها المسلمان إلى هولندا سنة 1992 تواصل حملتها على الإسلام، خصوصاً بعد مقتل المخرج الهولندي فان كوخ صاحب فيلم الخضوع الذي يتهجم فيه علانية على الإسلام، والذي كان على علاقة طيبة بالصومالية الهولندية آيان هيرسي علي.
وكانت النائبة الهولنديّة هرسي علي قد أدلت بتصريحات صحفيّة مثيرة لجريدة هولنديّة وصفت فيها رسول الإسلام والدين الإسلامي بأخسّ النعوت والتي لا تليق مطلقاً برسول علمّ البشريّة أسمى المبادئ، وكانت هرسي علي من خلال هذه التصريحات تهدف إلى كسب تأييد الهولنديين، واستثمار هذا السبّ في الانتخابات العامة الهولندية، وقد استمرت تصريحاتها حتى بعد فوزها في الانتخابات مع حزبها اليميني المتطرف.
وأرادت هرسي العزف على الوتر الذي يأنس إليه الغربيون، حيث صرحّت أنّ رسول الإسلام حارب المرأة، وحرمها من العمل والخروج من بيتها، وفي كل لقاءاتها التلفزيونيّة كانت تتهم الإسلام بأخسّ النعوت، وقد رأى المراقبون في هذه التصريحات ونقلها بسرعة البرق في وسائل الإعلام الهولندية أنّ اليمين الهولندي يريد أن يفتح معركة مع الجالية المسلمة في هولندا، وكثيراً ما يختفي اليمين الغربي عموماً بأشخاص من أصول عربية ومسلمة ليهاجم من خلالهم الحضارة الإسلامية، ليقال هذه الحرب على الإسلام يقف وراءها ناس قدموا من الجغرافيا الإسلامية، ويدينون بالإسلام على شاكلة سلمان رشدي، وتسليمة نسرين، وهرسي علي ومئات آخرين.
وقد أبدت الجالية العربية والمسلمة عبر ممثليها في هولندا استياءها الشديد من تصريحات هرسي علي، وقرروا إيصال المسألة إلى أعلى المستويات في هولندا حتى لا يصبح رسول الإسلام الذي علمّ البشرية أروع المبادئ على ألسنة الباحثين عن موقع سياسي هنا، وجائزة أدبية هناك، وحفنة من الدولارات هنالك.
التهديد بحظر الحجاب في هولندا:
منذ أحداث الحادي عشر التي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ بروز قوة اليمين المتطرف في هولندا بدأت أحوال المسلمين في هولندا تتحوّل من سيئ إلى أسوأ، حيث فرضت الحكومة الهولنديّة سلسلة من الإجراءات والقوانين بدءاً بمراقبة المساجد، وفرض إلقاء الخطب باللغة الهولندية، واعتقالات بالجملة في صفوف المسلمين من أصول مغاربية، والتطوّر الخطير الحاصل في هولندا هو منع ارتداء الحجاب في المدارس الهولندية، حيث تحرص الفتيات المسلمات على التمسّك بحجابهنّ كرمز من رموز عقيدتهن ودينهن، وقد قررّت فاندير هوف وزيرة التعليم الهولنديّة حظر دخول الفتيات المحجبات إلى المدارس الهولندية، وأكدت "هوف" أن من حق المدرسة منع دخول المحجبات والسماح لهن بالدخول بعد خلع الحجاب، كما طالبت "هوف" أولياء أمور الطالبات المعارضين للقرار بسحب ملفات بناتهم والبحث عن مدارس أخرى تقبل الحجاب مثل: المدارس التركية والمغربية، يأتي قرار الوزيرة الهولندية في أعقاب قيام مدرسة تايموسيوس للتعليم الأساسي بمنع طالبة مغربية من دخول المدرسة إلا بعد خلع الحجاب.
والمفارقة البارزة في هذا الموضوع أنّ المسلمين في هولندا والذين قطنوا في هذا البلد منذ عشرات السنين يقدمون خدمات جليلة للاقتصاد الهولندي، حيث يعمل كثيرون في مختلف القطاعات الصناعية وغيرها، ولم يصدر منهم ما يخرق القوانين المعمول بها في هولندا، ولا يمكن للسلطات الهولندية اليمينية أن تحمّل المسلمين الهولنديين من أصول عربية وإسلامية مسؤولية ارتباط بعض العناصر المغاربية بتنظيمات قد تتبنى العنف ممن جرى اعتقالهم أخيراً في هولندا، وقد كان كل المسلمين منخرطين في الحياة الاجتماعية لم يصدر منهم أي سوء.
وتعليقاً على ما جرى في هولندا من حظر للحجاب في المدارس، وما جرى في فرنسا من اعتداءات على بعض المساجدº قال أحد الخبراء بالبيت الأوروبي: أنّ هناك في الأفق حملة منظمة ضد المسلمين في الغرب، وقد تصل الأمور إلى حدّ تخيير المسلمين بين الذوبان والاندماج الكامل في المعادلة الغربية بما في ذلك الانفتاح على القيّم الغربية التي لا يقبلها الإسلام، أو الرحيل إلى الموطن الأصلي.
فيلم كوخ الذي فجرّ الموقف:
أدى مقتل المخرج الهولندي الشهير فان كوخ في أحد شوارع أمستردام وهو شارع لينانس غاتان Linnaensgatan إلى تفجير الصاعق ضدّ الإسلام والمسلمين في هولندا، حيث بات أتباع التيار اليمين المتطرف يهددون بإلحاق كل أنواع الأذى بالمسلمين، وطالب بعضهم الحكومة الهولندية بطرد جميع المسلمين من هولندا.
ويعتبر كوخ - 46 سنة - والذي ينتمي إلى عائلة الرسّام الهولندي الشهير فان كوخ من أهم المخرجين السينمائيين الهولنديينº حيث أخرج أكثر من 23 فيلماً آخرها فيلم الخضوع underkaslelse، ويصور الفيلم حياة المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية، وفي مشاهد الفيلم نسوة مسلمات عاريات وقد كتب على ظهر إحداهن آيات قرآنية بخطّ عربي مبين هو الخط الكوفي، والآيات هي من سورة النور عن حدّ الزاني والزانية، كما أن الفيلم يتحدث عن فتيات مسلمات محجبات يعرضنّ مفاتنهنّ أو بالأحرى صدورهن وما أمر الله بستره للتأكيد على أنّ هناك أنثى وراء الحجاب.
وقد أيدتّ النائبة الهولندية من أصل صومالي هرسي هذا الفيلم معتبرة أنّه يعرّي واقع المرأة المسلمة التي ظلمها إسلامها، وللإشارة فإنّ فان كوخ المخرج الهولندي سبق له وأن ألفّ كتاباً يحمل عنوان " الله يعلم أحسن " يتهجّم فيه على الجهاد الإسلامي والمقاومة الإسلامية بكل أشكالها، كما أنّ كوخ محسوب على اليمين المتطرف الهولندي.
ولم تنحصر ردود العديد من الهولنديين على التصريحات المشينة ضدّ الإسلام والمسلمين بل إنّ بعضهم انتقل إلى الفعل، وفجرّ مدرسة إسلامية في مدينة إيندهوفن في هولندا، وهذا الهجوم على المدرسة الإسلامية حدث بعد يومين من محاولة الاعتداء على مسجد النصر ومسجد آخر في منطقة هويزن غرب هولندا.
وفي ملف قضية اغتيال المخرج الهولندي كوخ اعتقلت الأجهزة الأمنية الهولندية المغربي محمد بويري 26 سنة للاشتباه في قيامه باغتيال المخرج الهولندي، كما اعتقلت سبعة آخرين من أصول مغاربيّة.
وقد استثمر اليمين المتطرف الهولندي والتيارات الصحفية والسياسية المعادية للإسلام قضية اغتيال كوخ لترفع من سقف تصريحاتها المعادية للإسلام والمسلمين، محاولة اعتبار ما جرى لكوخ بأنّه بمثابة 11 سبتمبر - أيلول لهولندا، ومما زاد من مخاوف مسلمي هولندا هو أنّ اليمين المتطرف الهولندي بدأ يزحف باتجاه المواقع السياسية الأمامية في هولنداº وهو الأمر الذي يؤشّر إلى خطر كبير على الوجود الإسلامي في هولندا فيما لو أصبح ذات ثقل كبير في البرلمان الهولندي الذي يفرز المؤسسات التنفيذية، باعتبار أنّ نظام الحكم في هولندا برلماني، والحكومة تنبثق من الأغلبية البرلمانية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد