ترينيداد و توباجو ونظرة للمسلمين هناك (2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

اليوم نواصل الرحلة من حيث انتهينا في الحلقة السابقة عند الحديث عن دخول الإسلام لتلك البلاد فهيا بنا نستكمل المسير.

فيما يتعلق بوضع المسلمين هناك فقد أسست أول جمعية لهم في 1923 باسم"جمعية تقوية الإسلام"، ولكن بعد أن سيطرت الجماعة القاديانية على هذه الجمعية تأسست في 1935 "جمعية أنجمان لجماعة السنة" التي تشتهر باسم "الاسجاه",وأسست هذه الجمعية في 1960 فرعاً لها وهو "رابطة المبشرين المسلمين لأميركا الجنوبية" للدعوة إلى الإسلام في المجتمع الكبير، وتمثل "الاسجاه" الغالبية الساحقة من المسلمين بنسبة 80%، وتتبع لها شبكة مدارس ابتدائية وثانوية تعنى أيضاً بتعليم الإسلام.

وقد تكونت جمعيات إسلامية أخرى استهدفت نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة بين المسلمين، والانطلاق بالمسيرة الدعوية لجذب أتباع الديانات الأخرى لصالح الإسلام والمسلمين في البلاد، وتخليص العقيدة الإسلامية من الشوائب الفكرية الدخيلة التي نشرها أتباع النحل الضالة مثل جمعية "أهل السنة والجماعة" التي تصدت للفكر المنحرف الضال الذي وفد إلى ترينداد من شبه القارة الهندية, كما تكونت "رابطة مسلمي ترينداد" ومن أهدافها الالتزام بما جاء في الكتاب والسنة النبوية المطهرة.

وبظهور بوادر الدعوة الإسلامية العلنية في ترينداد وتوباجو، وزيادة أعداد المُقبلين على اعتناق الإسلامº وسعي المؤسسات الإسلامية هناك لاستيعاب 390 ألف نسمة لاعتناق الإسلامº بدأت الحرب ضد الإسلام والمسلمين بهدف تقليص الوجود الإسلامي المتنامي في البلاد، وكشرت الصليبية عن أنيابها وذلك بمحاولة يائسة للمؤسسات التنصيرية لجذب هؤلاء الهندوس نحو المسيحية بشتى الوسائل.

وبدأ المسلمون جهاداً لمقاومة الانحرافات الفكرية التي تعمل على تشويه العقيدة الإسلامية، أو محاولة إبعاد المسلمين عن العمل بعقيدتهم وشريعتهم الإسلامية.

كما عملوا على صدّ المدّ التنصيري، وعلى مقاومة فرق الضلال الفكري المتمثّل في الهجمة الشرسة من أتباع هذه النحل الضالّة التي تستهدف تضليل المسلمين، والتسرّب إليهم تحت شعارات إسلامية، وقد حققت المؤسسات الإسلامية هناك انتصاراً كبيراً على خصوم الإسلام والمسلمين, حيث نجحت في التصدي للفكر المنحرف, وتمكنت من إعادة الذين تنصّروا أو انحرفوا عن المنهج الإسلامي الأصيل إلى حظيرة الإسلام من جديد، كما استوعبت العديد من أتباع الديانات الأخرى لصالح العقيدة الإسلامية في ترينداد وتوباجو، وقد بلغ عدد المساجد 100 مسجد ملحق بكل منها مدرسة قرآنية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم، وتعلّم اللغة العربية، بينما بلغ عدد المدارس الإسلامية هناك 70 مدرسة إسلامية لتربية النشء المسلم تربية إسلامية صحيحة.

وحرص المسلمون في ترينداد على دعم الجمعيات الإسلامية، وتمكينها من أداء رسالتها، فطُبعت العديد من الكتب التي تعمل علي تعرية أهداف النحل الضالة، وتحذير المسلمين من أخطارها، وكشف المغالطات التي تروّج لها هذه النحل الضالة، وكان من أهم إنجازاتها ترجمات صحيحة لمعاني القرآن الكريم باللغتين الأسبانية والإنجليزية، وتوزيعها علي المسلمين هناك, وبذلك أصبح الفكر الإسلامي خالياً من الشوائب المُغرضة والمعادية للإسلام في ترينداد وتوباجو.

ومع تعدد الجمعيات الإسلامية النشطة في ترينداد وتوباجو وجد أنه لا بد من تنسيق العمل الإسلامي هناك, فتم إنشاء المجلس الأعلى للتنسيق الإسلامي في ترينداد لتوحيد جهود الجمعيات الإسلامية في البلاد، ووضع خطة عمل جديدة ومعاصرة للدعوة الإسلامية، والانفتاح على العالم الخارجي، وإيجاد صيغة مقبولة للتعاون مع المؤسسات الإسلامية في دول أمريكا الجنوبية.

وكان من أهم ما ترتب على توحيد جهود الجمعيات الإسلامية انعقاد المؤتمرات والتي كان منها المؤتمر الذي عُقد بمقر المسجد الجامع - مسجد المتقين - بمدينة "كونوسيا" المؤتمر الإسلامي العالمي الذي شاركت فيه وفود تمثّل العالم الإسلامي، وقد لاقي هذا المؤتمر إقبالاً من المسلمين ومن أتباع الديانات الأخرى الذين وفدوا من مختلف المدن للاستماع إلى الندوات والمحاضرات الإسلامية، وقد أعلن عدد لا بأس به من أتباع الديانات الأخرى اعتناقهم للدين الإسلامي, وقام المجلس الأعلى للتنسيق الإسلامي بإعداد مخيّمات حول المسجد لتوعيتهم بتعاليم الإسلام.

لقد أثبتت تقارير المهتمين بأحوال تلك البلاد أن الوجود الإسلامي في ترينداد وتوباجو له ثقل سياسي واقتصادي كبير، فمنهم الوزراء، وأعضاء مجلس الشيوخ، وأعضاء البرلمان، كما أن السلطات هناك قد وافقت على اعتبار الأعياد والمناسبات الإسلامية عطلات رسمية للمسلمين مدفوعة الأجر, والتزمت حكومة ترينداد وتوباجو بدفع ثلثي ميزانية التعليم الإسلامي هناك، وأن الجمعيات الإسلامية قد تمكنت من ترشيد جميع المسلمين في البلاد.

لقد خاض المسلمون في ترينداد جهاداً كبيراً استمر عدة سنوات، وكان من أهم ثمار هذا الجهاد هو بقاء الإسلام نقيّاً، وبقاء المسلمين بالرغم من كل هذه التحديات الشرسة حتى أصبح لهم شأن بين مسلمي دول الكاريبي، وما زال القوم يطمعون فعون إخوانهم من المسلمين بعد عون الله حتى تستمر تلك المسيرة المباركة لرفع راية الإسلام عالية خفاقة في تلك البلاد.

سدد الله خطى المسلمين، وأعانهم على نشر دعوته، وإعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله كل على شبر من الكرة الأرضية، وإلى الملتقى إن شاء الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply