بعد خمس سنوات من الاحتلال هل بدأ عهد جديد لطالبان؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد خمس سنوات من هجمات 11 سبتمبر والحرب الأمريكية على حركة طالبان ها هي الحركة تعود بقوة إلى الساحة الأفغانية التي لم تغب عنها يوماً، لتصبح جبهة حرب ثانية بعد العراق تقض مضاجع الأمريكيين.

ماذا جرى في الخمس سنوات الماضية منذ هجمات 11 سبتمبر، ومنذ أن أصبحت أفغانستان - وبشكل خاص حركة طالبان ومن ورائها تنظيم "القاعدة" - هي المستهدفة الأولى؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى التصاعد الأفقي والمتميز لهجمات المقاومة الأفغانية في فصلي الربيع والصيف عام 2005 - 2006؟ هل هي الخطة العسكرية المحكمة؟ أم التأييد الشعبي والتفافه حوله؟ أم الحصول على الأسلحة المتطورة؟ أم الخلافات داخل الحكومة الأفغانية؟ أم أخيراً انعدام الاستراتيجية لدى أمريكا في مكافحة "الإرهاب" بعد تراكم الأخطاء القاتلة؟

معظم العالم من شرقه إلى غربه يعتقد بأن السياسة الأمريكية في أفغانستان مُنيت بفشل سياسي، وحتى غالبية الأمريكيين يعتقدون ذلك وفقاً لما أظهرته آخر استطلاعات الرأي العام، ويبدو أن هذا الوصف أزعج إدارة جورج بوش المتورطة في نفس الوقت في الوحل العراقي، رغم مجادلتها بأن سياستها المتبعة شكلت نجاحاً كبيراً خاصة في محاربة الإرهاب!

فعلاً تم اجتياح أفغانستان بعد قيام تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة، أدى إلى الإطاحة بنظام حركة طالبان خلال بضعة أسابيع، وإلى اختباء مسئولي تنظيم القاعدة الذي تسنده طالبان، ثم ساهم في بدء ما يسمى بالعملية "الديمقراطية" في أفغانستان، غير أن هذه الأخيرة لا تزال تشهد عشية الذكرى الخامسة لسقوط طالبان أعمال عنف مرتبطة بحركة المقاومة في الجنوب والجنوب الغربي، وازدادت وتيرتها منذ الربيع الماضي 2005.

لكن ما هي الأمور الأخرى التي يمكن وضعها في خانة النجاحات التي تبشر بها الإدارة الأمريكية ليل نهار؟ إن كل النجاحات والتصريحات التي وضعتها الإدارة في حساب انتصاراتها "المزعومة" هي موضع شك أو سلبية تماماً، رغم ما قيل عنها.

سعت سلطات الاحتلال الأميركي في أفغانستان في البدء إلى استئصال تنظيم القاعدة وقياداته وعناصره، باعتبارهم المسئولين المباشرين عن أحداث نيويورك وواشنطن، لكن عندما ووجهت الولايات المتحدة بمقاومة مسلحة منظمة من الطالبان بالتنسيق مع القاعدة، وجدت أنها في ورطة وغير قادرة على القضاء عليهما معاً، لذا تجد الولايات المتحدة نفسها في موقع استثنائي: معالجة ملف القاعدة، وفي نفس الوقت تحييد قوة حركة طالبان من خلال بناء جيش أفغاني جديد قد يشكل في المستقبل القريب البديل الممكن والمتاح في بلد لم يعش الاستقرار منذ أربعة عقود.

لم تفلح واشنطن في التقليص من خطر قدرة المسلحين على مهاجمة الولايات المتحدة من جديد في عقر دارها، أو تحقيق أهداف عدائية ما ضدها في أنحاء العالم، والآن أصبحت حركة طالبان تتجول بحرية في أفغانستان طولاً وعرضاً، والقيام بعمليات ضد القوات العسكرية الأمريكية والأطلسية والأفغانية المحلية، وتجنيد المتطوعين الجدد في صفوفها.

ومهما كانت درجة إنجاز الأهداف الأمريكية بهذا الخصوص في أفغانستان لا يمكن القول: إن الغزو أدى إلى تقدم مهم في الأهداف الأمريكية المعلنة في هذا الإطار.

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصل بعد إلى الهدف المخطط مسبقاً من حيث تشكيل حكومة مستقرة موالية للأمريكيين في أفغانستان، فالنظام القائم في كابول ضعيف على جميع الأصعدة: الجيش والشرطة والاستخبارات، وفي أحزابه السياسية، وفي مؤسساته الفاقدة للشرعية، المشكوك في شعبيتها، يخترقها الفساد، وتنخرها المحسوبية والإقطاعية، ويهيمن عليها أمراء الحرب وبارونات المخدرات.

في الوقت الراهن لا يزال نظام كرزاي يعتمد تماماً على دعم الجيش الأميركي والقوات الأطلسية، وعلى قواته المتمركزة في كابول وأطرافها بعيدا عن الأقاليم الأخرى التي تشهد اضطرابات أمنية، وخلافات سياسية كبيرة.

يقول الأستاذ نظيف شاراني وهو من أصل أفغاني، وخبير في الأنثروبيولوجي في جامعة إنديانا الأمريكية: "ثمة مشكلة أخرى وهي التنافر، فالدولة قد وصلت في النهاية إلى ثلاثة أو أربعة حكومات وهي مكتب الأمم المتحدة في كابول، والسفارة الأمريكية هناك، والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تقوم بإدارة معظم المساعدة الدولية، وحكومة كرزاي، والآن الحكومة الخامسة وهي البرلمان خليط من الأيديولوجيات والاهتمامات المتضاربة".

لعل أول أسباب نجاح حركة طالبان تفوقها في حشد المقاتلين في صفوفها، وفشل الاحتلال الأمريكي وأعوانه في ضبط الجيش الأفغاني، وإلزامه بالمهنية المطلوبة، فالإدارة الأمريكية منشغلة بتحقيق أهدافها الخاصة في المنطقة، في مواجهة المد الإيراني، والحدود المفتوحة الباكستانية الإيرانية، والأطماع الصينية بخصوص النفط بأوراسيا.

وفضلاً عن فشلها الذريع رغم الدعاية المغرضة في تحقيق مشاريع التنمية، واستتاب الأمنº فإنها انشغلت بأهدافها "التغريبية" و"التنصيرية" التي فضحت نواياها أمام أعين وأفئدة الأفغانيين، ومن هنا تعرضت كل المنشآت الأمريكية التعليمية، والاقتصادية، والترفيهيةº لهجمات حركة طالبان.

وفي ظل هذا الفشل كان طبيعياً أن تركز القوات الأمريكية على قضايا فرعية هرباً من مواجهة الفشل، وتبريراً له في الوقت ذاتهº كان نشر "الديمقراطية" وفضائلها في أفغانستان شريطاً يتردد على كل الألسنة، خصوصاً من الرئيس جورج بوش الذي أدلى بأكثر من حوار لصحيفة أو قناة تلفازية يشيد فيها بالديمقراطية الناشئة في أفغانستان، متناسياً عن عمد أن مستشاريه ومعاونيه من المحافظين الجدد يفضلون هذه "الديمقراطية" فقط في حال أعطت النتائج الملائمة التي تخدم مصالح أمريكا ومصالحهم.

* تصاعد قوة الطالبان والدعم الشعبي من جديد:

من أهم أسباب التفاف الأفغان حول الطالبان - وخاصة من العرق الباشتوني - ما ذكره المحلل الاستراتيجي بارنيت روبين من جامعة نيويورك من أن العلماء المسلمين في أفغانستان الذين ساهموا في إيجاد طالبان، ويملكون شبكة وطنية من الأتباعº يمكنهم من خلالها تعبئة العامة بطرق لا تستطيع الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية القيام به، لم يصلوا بعد إلى إجماع على شرعية الحكومة، هذه الحقيقة تمثل فشلاً خطيراً للنظام المدعوم من الولايات المتحدة.

ولعل من أسباب تصاعد حدة ووتيرة هجمات حركة طالبان في الأسابيع الأخيرة رغبة الحركة في بعث رسالة قوية للقوات الأمريكية وقوات الناتو، والضغط في الوقت ذاته على شعوبها للوقوف ضد حكوماتها، وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن "حركة طالبان الأفغانية حذرت القوات البريطانية التي وصلت أخيراً إلى أفغانستان، بأن البلاد ستتحول إلى نهر من الدماء".

ويشار في ذلك الصدد إلى أن البرلمان الكندي لم يوافق على تمديد مهمة القوات الكندية في أفغانستان إلا بفارق ضئيل من الأصوات بلغ أربعة أصوات فقط.

ومن سمات المرحلة القادمة، والتي تعتبر الخطوة الأخيرة قبل معركة التحريرº نجاح حركة طالبان في السيطرة على كثير من أنحاء أفغانستان، وفي هذا الصدد يؤكد الملا داد الله أحد القادة العسكريين لطالبان: "الحمد لله طالبان لها سيطرة كبيرة على أفغانستان، فالأمريكيون يسيطرون فقط على المراكز الكبرى، وباقي أطراف البلاد خارج سيطرتهم، وحتى هذه المراكز الكبرى التي يسيطرون عليها، لا يستطيع المسئولون الكبار فيها الخروج من منازلهم، والأمريكان يسيطرون على أربعة إلى خمسة مراكز كبرى، والباقي تحت سيطرتنا بفضل الله".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply