تحت هذا العنوان كتب كلُّ من كولن براون وكيم سنجوباتا في جريدة (الإندبندنت) البريطانية الصادرة بتاريخ 25 مايو 2004، ليعرضا مدى تردي الوضع الأمني والإنساني في أفغانستان بعد ثلاثة أعوام من الاحتلال الأمريكي، وقدر المفارقة بين ما كانت تعِد به قوات الاحتلال من رخاء وازدهار في إطار ما تسميه عملية إعادة الإعمار، وما هو عليه واقع الحال في الوقت الراهن.
ويستند براون وسنجوباتا في مقالهما على فحوى تقرير برلماني بريطاني يتناول تردي أوضاع الأفغانيين وإهمال العمليات الإنسانية بسبب تدهور الحالة الأمنية، وفقدان قوات الاحتلال السيطرة على مناطق كبرى من البلاد لصالح مجاهدي طالبان.
أفغانستان تغرق في فوضى
يقول الكاتبان: "إن أفغانستان أمّة على حافة الفوضى بعد ثلاثة أعوام من الاحتلال وإعلان جورج بوش النصر في أولى الجولات من حربه على الإرهاب". فقد وجه تقرير برلماني تهمة التخريب لقوات الاحتلال لفشلها في إعادة إعمار أفغانستان في أعقاب حرب احتلالها عام 2001.
و علمت "الإندبندنت" أنّ مجموعة مشكّلة من كل الأحزاب من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني قد عادت من زيارة إلى أفغانستان، وصدمت اللجنة معربة عن قلقها الشديد لما شاهدته، وطالبت فور عودتها- باتخاذ تحرك عاجل لإنقاذ أفغانستان من الغرق أكثر وأكثر في الفوضى بسبب الإهمال الغربي.
من كابول إلى بغداد
وبينما يعرض كل من الرّئيس بوش وتوني بلير اليوم خططهم بشأن مستقبل العراق من خلال مسوّدة قرار الأمم المتحدة الجديد، يحذّر أعضاء اللجنة من أنّ أخطاء أفغانستان بنتائجها المأساوية من الممكن أن تتكرّر في العراق.
ولخص الكاتبان انطباع اللجنة عن الوضع في كابول من خلال جملة إيريك إيزلي عضو اللجنة التي قال فيها: "إن أفغانستان سلة مهملات.. إنها بلد منسي".. فبعد فترة قليلة من الحرب، تعهد السّيد بلير إلى الشعب الأفغاني قائلاً: "من الآن نحن لن نتخلّى عنكم".
لكن أعضاء البرلمان ووكالات الإغاثة العالمية - وعلى عكس أكاذيب بلير- يقولون إن هذا هو الذي حدث بالفعل (أي تخلي بلير عن الشعب الأفغاني)، فبتركيز واشنطن ولندن الشدّيد على العراق، انحل الوضع في أفغانستان، فقد تحطمت البنية التحتية، وارتفع إنتاج الأفيون بشدة، وسيطر مقاتلو طالبان على مناطق شاسعة من أفغانستان.
ومن المقرر أن يوجه تقرير اللجنة - التي يرأسها النائب العمالي دونالد أندرسن والذي سيصدر في يوليو القادم- لمنظمة حلف شمال الأطلسي والغرب تهمة الفشل في إنجاز وعدهم لإرساء نظام وديمقراطية في أفغانستان.
كما ستطالب اللجنة البرلمانية بلير بالضغط على دول حلف الناتو للوفاء بالتزاماتهم نحو أفغانستان وذلك في قمّة المنظمة في اسطنبول في نهاية يونيو القادم، وتعتقد اللجنة أن دول منظمة حلف شمال الأطلسي تمنع إرسال قوّاتها إلى أفغانستان لسد الحاجة إلى هذه القوات في العراق ذي الوضع الأكثر تدهورًا.
شركات أمن خاصة
وفي ظل تدهور الوضع الأمني مع نقص قوات الناتو من حيث القوة البشرية والمواد ومع تركيز الأمريكان فقط على الإمساك بأسامة بن لادن، تضطر المنظمات الدولية والدبلوماسيون الغربيون، بما في ذلك السفير البريطاني (روزاليند مارسدين) إلى الاعتماد على شركات الأمن الخاصّة للحماية.
يقول السّيد إيلزلي: "إنه وضع مقلق جدًا.. وصلنا إلى كابول ووجدنا سفيرنا يستخدم حراس شخصيين تابعين لشركة أمن خاصّة والذين يرتدون ملابس مدنية وهم مدجّجين بالسلاح".
فحالة الأمن في أفغانستان متدهورة جدًا حتى إن اللجنة أخبرت وزارة الخارجية بما شعر به العديد من أعضاء البرلمان العاملين في اللجنة من خطر، بمن فيهم الوزيرة السابقة جيسيلا ستيوارت، التي كانت تعرضت لخطر شديد أثناء مظاهرة في كابول.
كما استمعت اللجنة لقائد منظمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان اللواء ريك هيللير التابع للجيش الكندي، الذي أخبرها بأنّه طلب 10 مروحيات لقواته لكن لم يتم توفير ولو طائرة واحدة من العشر.
ويقول جون ستانلي عضو اللجنة ووزير الدفاع البريطاني السابق: "لقد أخبرنا جنرال منظمة حلف شمال الأطلسي الكبير بأن محاولات توسيع عمل منظمة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان تعاق بشكل كبير".
طالبان تمنع الانتخابات
وبرغم كل ذلك: "يمتدح حامد قرضاي، الرئيس الأفغاني -الموالي للاحتلال- القوّات البريطانية لدورها في نزع سلاح جنرالات الحرب وذلك في اجتماعه مع اللجنة البرلمانية"ويقول المسئولون الأفغان: إنّ الولايات المتّحدة تضغط بشدة في اتجاه إجراء الانتخابات في سبتمبر القادم وذلك قبل انتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، وذلك لكي تمنح الرئيس الأمريكي جورج بوش ليقول إنه استطاع إرساء ديمقراطية ناجحة في أفغانستان!.
وبرغم الضغط الأمريكي تأجلت الانتخابات الأفغانية، التي كان محددًا لها يونيو إلى سبتمبر القادم، وذلك بسبب حالة الأمن الغير مستقرة، وحتى الآن تقول تقارير الأمم المتّحدة إنّه بسبب هجمات مجاهدي طالبان لم يتم سوي تسجيل 1. 6 مليون ناخب فقط في إطار إعداد قوائم الانتخابات من إجمالي 10.5 مليون ناخب أفغاني مؤهّلين للتصويت.
ويختتم الكاتبان البريطانيان مقالهما بما قاله عضو البرلمان الديمقراطي ديفيد تشيدجي والمشارك في لجنة التقصي: "إنه أمر مخز أن يكون هناك ثلاثون جنديًّا فقط يخدمون في منطقة بحجم اسكوتلندا بما يؤكد استمرار سيطرة طالبان ولوردات الحرب على الوضع" بالإضافة إلى إهمال وترك المشاريع الإنسانية بسبب تزايد هجمات المقاتلين على عمال الإغاثة وقوات الاحتلال.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد