بسم الله الرحمن الرحيم
مظاهر عمياء للتقليد الأجوف لكل ما هو أجنبي ووافد، سواء من المغرب أو المشرق، وبين البنين وبنات، وفي جميع أجزاء الجسد، بدءًا بطريقة المشي، وانتهاءً باللبس والكلام، وذلك تحت أسماء ما أنزل الله تعالي بها من سلطان، في سلوك يحذر العلماء والخبراء من أنه جزء من غزو منظم لأفكارنا وعقولنا وأخلاقنا والتزامنا الديني.
والأمر هكذا، كانت البداية مع جولة بين الشباب والفتيات، هذه حصيلتها:
جذب انتباهي ولد - لم أعرف أنه ولد إلا عندما اقتربت منه- كان يرتدي ثوبًا ذا ألوان صاخبة ولم يكتف بذلك، بل كان يطيل شعره ويربطه برباط الشعر كما تفعل البنات، ويصبغ خصلات الشعر كل خصلة بألوان عدة وعندما سألته: لماذا هذا? رد قائلا: إن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - كان يطيل شعره، أما الخصلات فأنا أحب التفرد والتميز عن الآخرين!
وإذا كان بعض الأولاد يصبغون شعرهم للتميز فإن أغلب البنات يتجهن لوضع نقوش علي أيديهن وأكتافهن في صورة لوحات فنية تسمي التاتو ولا يقتصر نقشه علي الأجزاء الظاهرة من الجسد فقط بل يتعداها إلي أجزاء الجسم الداخلية كالبطن والفخذين وغيرهما.. وتختلف تلك النقوش في تجسيد إما الحيوانات المفترسة وإما الأليفة وإما الزهور بألوانها وأشكالها المختلفة وإما بأشكال ليس لها معني، وتكثر هذه النقوش خاصة في ليالي الزفاف.
صرعة البنات
في السياق نفسه فإن موضوع النقش قد انتشر بين الفتيات بصورة كبيرة فأصبحت كل مراكز تجميل النساء تضع أسعارًا خاصة لكل نقش، بداية من 80 جنيها للنقش البسيط ويرتفع السعر بزحمة النقش والمنطقة السكنية.
هذا ما قالته الحاجة نادية - مديرة أحد مراكز تجميل النساء بمدينة نصر.
وكانت موضة هذا العام لملابس البنات: «البدي» والبنطلون القصير أو ما يسمونه «تركوا» والجيب المرقعة والمشرشبة، أما موضة الأولاد فكانت البنطلون النازل.
وفي أحد الميادين العامة وجدت شابا في الثامنة عشرة من عمره يصبغ شعره بألوان غريبة، منها الأزرق الفاتح والقاتم، وعندما تكلمنا معه قال: أحب التقليد وأحب أن أكون «موديل» لأن البنات لا تعجب إلا بالولد الكول الذي يرتدي الغريب ويمسك بيده سلسلة فإنه يلفت أنظارهن وتتجاذب عليه البنات.
أما السيد عبد العزيز - مصفف بمحل كوافير رجالي- فقال: يأتي إلينا يوميا شباب يريدون قص شعرهم بطرق غريبة، بالإضافة إلي ترقيق حواجبهم وإزالة شعر الوجه بالفتلة حتي يصبح وجههم أكثر نضارة وأكثر جمالا!
وتنتقد أم محمود طريقة تفكير أولادها وتشبههم بالبنات في تصرفاتهم إذ يطلب منها الولد أن تصنع له ما يزيل به الشعر الزائد بحسده، كما أنه يرتدي ملابس غاية في الأنوثة ولكنها لا تدري كيف تتصرف.
وتقول عبير عبد النبي: ما المانع أن أرتدي ما يعجبني حتى لو اعترض أهلي عليها فلهم حياتهم الخاصة وأنا لي حياتي الخاصة?! ولماذا يصرون علي أني دائما مخطئة?! وماذا في تلك الملابس التي أرتديها?! ولمن تعرضها محلات الملابس إن لم نرتدها نحن الشباب والفتيات? وكانت عبير طبعا ترتدي بنطلونا قصيرا وبدي يجسد مفاتن جسدها!
ومن الغريب أيضا ما وجدنا عليه علياء، التي ترتدي بنطلونًا يجسد العورة بشكل مخجل وفوقه بلوزة قصيرة جدا، وتقول: لقد تعودت علي ذلك الملبس منذ الصغر ولم يقل لي أحد: إنه حرام!!
أما فاتن - وهي فاتن- فبرغم جمالها وبياض بشرتها ولون عينيها الخضراوين، إلا أنها تخلت عن حواجبها وزرعت حواجب أخري بقلم التحديد، وقالت: إن هذه هي الموضة فأستطيع بها ترقيق الحاجب أو تكثيفه كما تفعل نجمات هوليوود الغرب فلسنا أقل منهن جمالا.
ولقد شاهدت ولدًا يرتدي بنطلون «جينس» قد يُخلع منه فأغمضت عينيّ حتي لا آراه وهو يخلع.. لكن عندما سألت اكتشفت أن هذه هي الموضة فاتهمت نفسي بالتخلف.
ولا تري ديانا نجم -بكلية الآداب قسم لغات شرقية- عيبًا في أن يهتم الولد والبنت بمظهريهما، لكن العيب أن نجد نسبة عالية جدا من السفور يدفع إليها الفيديو كليب، وأن تكون تأشيرة دخول الوسط الفني والغنائي ارتداء المايوه وتلوين الأظافر والتشبه بنجوم الغرب.
شباب «روش»
وبلهجة غريب وطريقة حادة في الكلام قال أحمد عبد الفتاح -بكلية التجارة- علي ما تقوله أماني قائلا: ما المانع أن يكون الشباب لذيذًا «روش» يواكب عصره وأن يكون «ستايل»?! فالشباب بطبعه متمرد لا يريد أن يحكمه أحد وإن لم يكن الشاب كذلك فأعتقد أنه يعاني مرضا نفسيا. واستنكر أن يعيب عليه الجيل السابق.. موضحا أن نفس الجيل كان متمردا بالنسبة لسابقه، وهذه سنة الكون» كل جيل قديم لا يعجبه الجيل الجديد وهكذا تسير الدنيا ونحن كذلك إذا أصبحنا آباء فسوف نعترض علي ما يفعله أبناؤنا. ويضيف: إن لغة العصر هي التي أتاحت لنا استخدام تلك الألفاظ من «روشنة وهنج ونفض وكبر واستارت وروش طحن» وغيرها من الألفاظ المستخدمة.
ويتفق معه محمد يحيي -بكلية الحقوق- مع الرأي السابق» فيؤكد ضرورة مسايرة موضة العصر حتي لا يكون الشباب متخلفا خاصة أنه وجد كل شيء مفتوحا ومتاحا.
وعندما وقفت أتحدث مع أحمد علي بادرني بالقول: انظري خلفك. فعندما نظرت خلفي وجدتني أشبه ما أكون في كباريه أو مرقص بملابس.. تلك البنت التي تكشف من جسدها ما لا يصح كشفه برغم دخولها إلي الحرم الجامعي، فقال: ماذا يفعل الشباب تجاه هذه المناظر القبيحة?! فالشاب المحترم في الجامعة تُفرض عليه مناظر غير محترمة وإن لم يحافظ علي نفسه فسوف ينجرف مع التيار وسوف يرتدي ملابس أقبح مما تتخيلين ليغري بجسمه وعضلاته الجنس الآخر.
ويطالب كل من: هيام محمد ونورا سعيد ومحمد علي بضرورة تدريس مادة للقيم والأخلاق والمبادئ بالجامعات المختلفة، وبكل الكليات، بشرط أن تكون مادة امتحان تعوضهم عن التفكير السلبي الذي استحدثته ثقافة الروشنة وتقربهم إلي دينهم أكثر وإلي أعرافهم وتقاليدهم الجيدة.
ويري أحمد إبراهيم ومريم عبد المجيد أن منحني انحراف الشباب في طريقه إلي الانخفاض» بدليل وجود جماعات داخل الكليات المصرية تشترك في برامج صناع الحياة، بالإضافة إلي موجة الالتزام بين الشباب والفتيات بصورة طيبة رغم كل المثيرات حولهم. لكن مريم عابت علي الولد الذي يرتدي «بادي» وتحته تي شيرت ويتشبه بالبنات، برغم أن هذا الملبس لا يجوز للبنات خارج المنزل.
المرض وليس العرض
وفي تعليق للدكتور حاتم آدم -استشاري الصحة النفسية -يؤكد أن كل ما نذكره ويعانيه المراهقون هو عرض وليس مرضًا، فلماذا دائما نبتر الأشياء ولا نحاول البحث عن أساس المشكلة التي تكمن في الغزو الثقافي والفكري لعقول المراهقين واستغلاله في تحطيم الموروث الثقافي والقيمي والديني لدي الشباب مستقبل الغد?! ويري أن المراهق في هذه الأزمة ليس طرفًا، بل مجني عليه من قًبل أجهزة الإعلام المختلفة وافتقاره للقدوة داخل الأسرة والجامع والكنيسة والجامعة والمدرسة والنادي?! فالدراما تعرض أعمالا كاملة لتعلمهم وسائل الانحراف المختلفة، وتعرض حل المشكلات في نهاية العمل علي استحياء» فتعلمه كيف يسرق، وكيف يغتصب، وكيف ينصب، وكيف يرتشي، وكيف يصبح ثريا في وقت قليل جدا، وكيف يتعاطي المخدرات? وكيف يتزوج عرفيا.. وكيف.. وكيف..
ويري د. حاتم أننا كمجتمع مسلم لم نكن نعاني مرحلة المراهقة وأزماتها» لأن الشباب المسلم يقضي وقته فيما يفيده ويفيد وطنه، لكن مع الغزو الثقافي فُرضت علينا عادات بالية، حاول مجموعة من الشباب تجريبها، فأصبحت موضة بينهم، خاصة في المدن الكبري كالإسكندرية والعاصمة. لكن مع ذلك لا يري أن كل شباب مصر يعاني ويعاني أهله معه مرحلة المراهقة، بدليل وجود نماذج في القري تفرغ كل طاقاتها في العمل وتتجه للزواج المبكر فلا تؤرقها مشكلات المراهقة التي يتحدثون عنها، ومن هذه النماذج نموذج قرية شكشوك بالفيوم» حيث الشباب يستيقظون قبل صلاة الفجر ويذهبون للبحر للصيد وتكسب الرزق، ثم يعودون مرة ثانية بعد صلاة الفجر، وطبعا يخرج للصيد كل أفراد الأسرة. وفي مدينة دمياط التي يعمل كل شبابها في أعمال النجارة لدرجة أن ورش النجارة موجودة داخل البيوت لذلك لا تجده يعاني المراهقة، وإن عاناها فلا يفجر كما يفجر ابن المدينة.
مراهق يقاوم المحتل
ويشير الدكتور حاتم آدم إلي أن نموذج المراهق الفلسطيني والعراقي وغيرهما في الأراضي المحتلة لا يعرفان لغة الروشنة -كما يقولون- لأنه لا يعرف إلا لغة واحدة، هي لغة الصمود والكفاح ومقاومة المعتدي والمحتل ولا يعرف نقش التاتو لأنه يعرف فقط الحزام الناسف والعمليات الاستشهادية، فالمجتمع إذن لديه القدرة الجبارة علي توجيه تفكير المراهق لأشياء نافعة أو العكس. لكن لا ينفي ذلك ضرورة تلبية احتياجات المراهق الضرورية والتعرف إلي سمات المرحلة من الناحية النفسية والانفعالية والجسدية والثقافية، حتي يمكن التعامل معه بصورة صحيحة. ومن تلك الحاجات حاجته إلي إثبات الذات» لذلك قد نجده يرتدي ملابس لافتة ليثبت ذاته من خلالها، بالإضافة إلي حاجته إلي إشباع الميول والرغبات الجنسية» حيث التشوق للجنس الآخر لذلك نجده يتزوج عرفيا» لأنه لم يجد الطريق الصحيح بوجود زواج شرعي سهل.. لذا فعلي المجتمع تسهيل الزواج الشرعي، كما أن حاجته تكون ملحة إلي اعتناق فكر ديني وأخلاقي حتي في البلاد التي تنكر وجود الله، فإنهم يتحدثون عن الطبيعة، فضلا عن حاجته للاستقلال المادي» لذا لابد من تعلم مهنة والبحث عن مصدر للتكسب. ويري ضرورة النظر إلي الشطط والشطح بعين الشفقة والرحمة وألا ننظر إليهم بعين الغل والانتقام» حتي لا نتسبب في إحداث أزمة حقيقية داخل نفسية المراهق.. وهكذا تمر مرحلة المراهقة بصورة سوية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد