بسم الله الرحمن الرحيم
تمر أمتنا الإسلامية في الوقت الحاضر بمرحلة في غاية الخطورة هي محاولة إرساء التغريب في أرضها وإحكام الهيمنة عليها من قِبَلِ أعدائها. والتغريب هنا هو تحويل الثقافة العربية والإسلامية من عقيدة وسلوك، وعادات وتقاليد إلى ثقافة وعادات وتقاليد تابعة للغرب مخالفة تماماً لعقيدتنا وتراثنا الإسلامي، ومن ثم تصبح الهيمنة على أمتنا والسيطرة عليها واحتواؤها سهلاً ميسوراًº بحيث تخضع خضوعاً تاماً لما يريده الغرب، الذي يحاول جاهداً دون كلل أو ملل بث أفكاره وثقافته بكل السبل التي يستطيع الدخول من خلالها.
وهذا التغريب قائم على أبحاث ودراسات حشدت لها كل الطاقات والإمكانات لكي تطبق على المسلمين، منها ثقافية وفكرية، ومنها نظم سياسية واقتصادية بعيدة كل البعد عن الإسلام وتشريعاته، مما يؤدي في النهاية بالمجتمع الإسلامي إلى أن يتشبع بالفكر الغربي وثقافته وحضارته المعادية للإسلام، فيقضي على شخصية المجتمع وولائه لدينه وأمته، ويصبح من السهل قيادته وتنفيذ كل ما يطلب منه. والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن أهمها ما يتعلق بشؤون المرأة.
ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ولها تأثيرها المباشر في تنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكاً، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها والتركيز عليهاº وذلك من خلال الدعوات البراقة الكاذبة التي انخدع بها كثير من أبناء وبنات أمتنا... تلك الدعوات المسماة بالتحرر وانتزاع الحقوق، وطلب المساواة بينها وبين الرجل!
فإذا استجابت المرأة المسلمة لدعوتهم تلك فسيؤدي ذلك حتماً إلى إفسادها ثم إلى فساد المجتمع وتدميره بأقصر الطرق وأسرعهاº لما لها من تأثير فعال في ذلك، مما لا يستطيع أن ينكره عاقل.
ومن المؤسف حقاً أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل، فتبنت أفكارهم المضللة تلك، والدعوة لها، وعشن بتبعية كاملة لهم فكرياً واجتماعياً وسلوكياً، مقلدات المرأة الأوربية تقليداً أعمى دون إدراك أو تفكير بحيث ينطبق عليهن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)(1).
ولقد غاب عن وعي أولئك النسوة أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوربية مختلفة تماماً عمّا واجهته المرأة المسلمةº فالمرأة هناك تعيش مجتمعاً قائماً على قوانين من وضع البشر وليست شرائع ربانيةº فكان هناك انتهاك وهضم لحقوق المرأة مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل على حقوقها.
أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام حقوقها كاملة منذ أربعة عشر قرناًº فيحق لها أن تفخر وترفع رأسها عالياً بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها كثير من النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن.
لقد كرم الإسلام المرأة أحسن تكريم، ورفع مكانتها ووضعها في المكان اللائق بها، ولم يفرق بينها وبين الرجل، بل ساوى بينهما في الحقوق والواجبات، والثواب والعقاب. ولا أدري والله ما هي الحقوق التي تطالب بها المرأة المسلمة؟ وقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها الدنيوية والأخروية.. أما الدنيوية: فمنها حق التعلم والعمل، وحق التملك والتصرف بملكها وتجارتها دون تدخل من زوج أو أب. كما أعطاها حق اختيار الزوجº وحق الخلع إذا لم توفق بزواجها. ومن حقها أيضاً المحافظة على اسم عائلتها بعد الزواجº وذلك بعكس المرأة الأوربية التي تحمل اسم عائلة زوجها بعد الزواج. وأيضاً أُعطيت المسلمة حق الإرث فهي ترث وتورث، يقول تعالى : ((لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ والأَقرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنهُ أَو كَثُرَ نَصِيباً مَّفرُوضاً)) [النساء: 7].
وأما حقوقها ومساواتها مع الرجل في الأجر فقد بينه قوله تعالى : ((فَاستَجَابَ لَهُم رَبٌّهُم أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ, مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى)) [آل عمران: 195]. وقوله تعالى : ((إنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ والقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً)) [الأحزاب: 35]. وبعد ذلك: ماذا تريد المرأة أكثر منه تعالى : ((قُل يَا أَيٌّهَا الكَافِرُونَ(1)لا أَعبُدُ مَا تَعبُدُونَ)) [الكافرون: 1، 2].
فعلى المرأة المسلمة أن تقف سداً منيعاً إلى جانب الرجل المسلم في وجه ما يخطط للأمة الإسلامية من خلالها، فلا تكون عوناً لأعدائها وأعداء أمتهاº بل يجب عليها أن تعي وتدرك ما يدور حولها من خطط لإبعادها عن دينها ورسالتها في هذه الحياة وتهميش دورها في بناء مجتمعها الإسلامي، وإشغالها بتوافه الأمور، وإضاعة وقتها في تتبع ما تبثه الفضائيات، وما تنشره المجلات الهابطة من عروض للأزياء وآخر الموديلات من مكياج وعطورات، ومتابعة أخبار الفنانين والفنانات!
إنه من المؤلم حقاً أن نرى إلحاح الإعلام المرئي والمقروء على جعل تلك الشخصيات الفنية قدوة لأخواتنا وبناتنا المراهقات.. وما كثرة استضافتهن على شاشات التلفزيون وصورهن على أغلفة المجلات وداخلها، غير تأكيد على ذلكº وكأن الدنيا قد خلت إلا من هؤلاء!
إن أكثر ما يغيظ الغرب هو تمسك هذه الأمة بدينهاº فدعوتهم إلى تحرر المرأة المسلمة والمتمثل عندهم بخلعها الحجاب واختلاطها بالرجال حتى يعم الفساد في المجتمع الإسلامي ما هو إلا دليلاً كبيراً على ما يكنه الغرب لنا من عداءº فلن يهنأ لهم بال ولا يستقر لهم حال حتى نترك ديننا ونعيش بتبعية كاملة لهم منفذين رغباتهم وأمانيهم التي لا تنتهي إلا باتباع ملتهم كما أخبرنا به سبحانه وتعالى بقوله: ((وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم)) [البقرة: 120].
فالواجب على المرأة المسلمة أن تعود إلى إسلامها وتتمسك به بكل قوة، وتعيش تعاليمه كلها منهجاً وسلوكاً، وتطبقها على نفسها أولاً ثم على من هم تحت رعايتها. فلا بد أن تعلم المرأة المسلمة قبل كل شيء أن الإسلام كلّ لا يتجزأº عقيدة، وعبادة، ومنهج حياةº فإذا أرادت أن تأخذ منه ما يطابق هواها وتترك ما يغايره فإن هذا ينقض العقيدة وسلامتها. يقول تعالى : ((وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلا مُؤمِنَةٍ, إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم)) [الأحزاب: 36]. لذلك يجب عليها أن تلتزم التزاماً كاملاً بما أمرها الشرع من حقوق وواجبات، والبعد عن كل ما نهاها عنه قبل أن يستشري الداء ويزيد البلاء، فيعمنا الله بعقابه في الدنيا من قبل أن نلقاه. كما قال تعالى : ((وَاتَّقُوا فِتنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَّةً وَاعلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)) [الأنفال: 25].
ومن الواجب على المرأة المسلمة أيضاً أن تعمل على تثقيف نفسها والتسلح بالعلم الشرعي، وذلك من خلال حضورها لبعض الدروس الشرعية المتاحة في مجتمعها، وسماعها للأشرطة المأمونة المتوفرة في السوق، وكذلك تلاوتها للقرآن وتدبر آياته وحفظ ما تيسر منه، وخصوصاً آيات الأحكام، وكذلك الآيات الكونية، والاطلاع على كتب التفسير والسيرة حتى يساعدها ذلك على أداء مهمتها في الدعوة لهذا الدين العظيم، ذلك الدين الذي جعلنا خير أمةº لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما قال تعالى : ((كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَاًمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ)) [آل عمران: 110] فإن وجدت في نفسها الكفاءة والقدرة للدعوة لهذا الدين العظيم في محيط مجتمعها فينبغي ألا تدخر جهداً في ذلكº فهذا واجب عليها. فإن لم تستطع فبإمكانها الدعوة بين أقربائها وجيرانها، فإن لم تستطع فيكفيها أن تنشئ أبناءها على العقيدة السمحة، وتربيهم التربية الصالحة، وتبث في نفوسهم حب هذا الدين والولاء له والبراء من أعدائه، وأن تشرح لهم معنى قوله تعالى : ((لا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادٌّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...)) [المجادلة: 22] لأننا اليوم في أمسّ الحاجة لكي يعلم أبناؤنا ما يخططه لنا الغرب الصليبي واليهود الحاقدون ومن شايعهم في محاولتهم الخبيثة لتذويب شخصية شبابنا المسلم في بوتقة الانحراف، وإبعادهم عن هويتهم الإسلامية الصحيحةº ففي هذه الظروف التي نراها الآن وتعيشها الأمة الإسلامية وقد تداعت عليها الأمم كما تداعت الأكلة على قصعتها، نرى أمتنا وقد هانت على أعدائها وتكالبوا عليها لتضليل أبنائها ونهب ثرواتها وخيراتها.. فهم كما نرى يصطنعون الأحداث في بلادنا ويضعون لها الحلول.. يخططون وينفذون ما يريدونº ففي مثل هذه الظروف يجب أن تتكاتف الأيدي جميعاً.
فلتكن المرأة المسلمة عوناً للرجل تسانده وتشجعه بالدعوة لهذا الدين والذود عنه، فلا تضيع وقتها فيما لا يعود عليها ولا على أمتها بالخيرº فالعمر هو الوقت، والمسلم سوف يسأل عن عمره فيما أفناه، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن رزقه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)(2).
فعلى المرأة المسلمة الحذر كل الحذر من أن تقع في شراك أدعياء تحرير المرأةº فإنهم يهدفون من وراء ذلك الطعم اصطيادها وتحللها من دينها وقيمها وأخلاقهاº وحينها تكون ذيلاً لهم وتابعة ذليلة لمناهجهم.
إن الأمر جد خطيرº فلا بد من تعبئة كل القدرات وتهيئتها وتضافر الجهود وبذل الطاقات من أجل صحوة دينية نسائية صادقة هادفة تقوم على أسس هذا الدين ومبادئهº فقد آن الأوان لكي نرد لهذا الدين عزته، وللمؤمنين كرامتهمº فنحن أحق بأنفسنا من التبعية للأجنبي الغريب، بل نحن أحق بقيادة هذا العالمº لأن ديننا صالح لكل زمان ومكان، وهو ينشر العدل والأمن والسلام بين البشر وميزانه: ((إنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم)) [الحجرات: 13] و (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى).
فللّه العزة ولرسوله والمؤمنين... ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
الهوامش :
(1) البخاري: كتاب الأنبياء، حديث (50) وكتاب الاعتصام، حديث (14). ومسلم: كتاب العلم، حديث (6).
(2) الترمذي: كتاب القيامة، حديث رقم (1).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد