بسم الله الرحمن الرحيم
قد تعكس الصورة بعض جمالها أو كله على المضمون، وقد تسيء الصورة للمضمون أو قد يسيء المضمون للصورة أو يجمل مساوئها. فالشاب الوسيم أقدر على أن يحتل مكانة اجتماعية مميزة من القبيح، رغم أن المضمون النفسي قد يكون مغايراً لما في الخارج. وقد ينعكس الموضوع فينعكس جمال أو قبح المضمون على الصورة، فالتقوى النابعة من الأعماق قادرة على أن تهب جمالاً لشخص غير جميل، والخيانة التي تفوح رائحتها المنفرة قادرة على أن تحجبنا عن جمال مظهر الجميل. وقد يتحد المضمون والصورة فيصبحان جمالاً أو قبحاً واحداً.
وفي عالمنا المعاصر حيث الدراسات والأبحاث ووسائل الفن وأدوات الجمال تسهم بدور خطير في التلاعب بأذواق الناس، أصبح من السهل أن ينقلب الحق والصدق والجمالº باطلاً وكذباً وقبحاً خصوصاً أن الطاقات المختلفة تتمركز في أيدي من صمت أسماعهم وعميت أبصارهم وزاغت سبلهم عن الحقيقة التي بها خلاص المجتمعات البشرية. وبهذا أصبح العبء الذي يجب أن يتحمله الرساليون أكبرº خصوصاً أن الهوة الفاصلة بينهم وبين أدوات التغيير الحديثة كبيرة ويراد لها أن تبقى كذلك.
في زمن الدعاية والإعلام ينبغي أن نتمتع بوعي كاف يكشف لنا طبيعة الهجمة الإعلامية التي تتعرض لها مجتمعاتنا. ولكي نعي بعض ما يمارس على مجتمعاتنا من تلاعب بالذوق والأخلاق الاجتماعية نسرد الملاحظات التالية:
أولاً: إن قبولنا لدخول وسائل الإعلام إلى منازلنا هو قبول غالباً بدخول مظاهر الفساد مهما كانت المبررات، خصوصاً إذا كان تعاملنا بعد هذا الاستسلام هو تعامل عفوي، نتقبل فيه على أقل الاحتمالات القصص العاطفية ومظاهر العنف تارة في صورة أفلام أو مسلسلات، وتارة في صورة أفلام الرسوم المتحركة التي تنخر في سلوكيات الأطفال دون أن نشعر ونحن غافلون، والصور الأخرى كثيرة يطول النقاش فيها و المفاسد أكثر.
ثانياً: إن هذا الفساد يفرض نفسه و يمر من قنوات تسهل نقل مظاهر الفساد وتجعلنا نقف عاجزين عن تحدي زحف مظاهر الفساد، وعند الإشارة لبعض قنوات مرور الفساد يمكننا أن نسرد معادلات المقايضة التالية:
1- الوصول إلى المعلومة والخبر بشرط قبول الدعاية شبه العارية والأخبار المضللة.
2- التسلية و القضاء على الملل من خلال برامج فاسدة، أو مستنزفة للوقت.
3- عرض الإباحية والفساد على أنها مظهر حضاري ينبغي قبوله.
ثالثاً: إن ما نرفضه من مظاهر الفساد اليوم سرعان ما يتحول مع التكرار إلى شيء مألوف نعتاده، مما يؤدي إلى فقدان المناعة والرفض بل قد تحدث تحولات في تفكيرنا تؤدي إلى القبول والتأييد، وهذا ما يشهد عليه التحول في الكثير من المواقف الاجتماعية بين جيل وآخرº فكثير مما يرفضه الآباء يمكن أن يقبله الأبناء وهذا التحول في المواقف ليس دائماً مبرراً.
من خلال ما سبق نخلص إلى أن الفساد يمر من خلال قنوات تجعله مقبولا ً،وهذا ما يجب أن ندركه أولاً كي نعي أن التحدي ليس في تبيان أحقية أو مصداقية منهج معين بقدر ما هو عملية دعاية وترويج يسخر لها أحدث آليات الدعاية والإعلام وتعرض بعدة طرق بحيث يمكن تمرير الفساد في قوالب مقبولة والنتيجة تغلغل الفساد وتحوله إلى ذوق وسلوك عام في المجتمعº لذا ينبغي ملاحظة النقاط التالية للنجاح في تقديم الدور الرسالي المطلوب:
1- التفاعل مع وسائل الإعلام ومحاولة التأثير فيها من خلال المطالبة ببرامج تتوافق مع أخلاقياتنا والمشاركة في البرامج المفتوحة لتوجيهها وجهة صحيحة.
2- السعي لامتلاك تلك الوسائل سواء على المدى البعيد أو القريب وإعداد الكفاءات المناسبة لذلك.
3- الاهتمام بطريقة العرض والقوالب التي نقدم من خلالها ثقافتنا وأفكارنا وعدم القبول بعرض أفكارنا في قوالب أو مظاهر سيئة لان ذلك سيؤدي لتشويه تلك الأفكار وعدم رواجها.
4- دراسة اثر البرامج المختلفة في وسائل الإعلام غير الملتزم من حيث فاعليتها في تغيير الأخلاقيات والذوق العام ونشر نتائج تلك الدراسات والتحليلات.
5- إعادة تقييم موقفنا من وسائل الإعلام من خلال دراسة التحولات في تعاملنا مع وسائل الإعلام في ضوء المسار الزمني لبروز تلك الأدوات وتحولنا من الرفض إلى القبول بالعادات التي تنتشر في مجتمعاتنا. على أن يتم هذا التقييم من خلال الابتعاد بتقييمنا عن تأثرنا بالإعلام قدر المستطاع.
وأخيراً: ننوه إلى أنه قد يدخل الفساد بيوتنا مختبئ خلف عباءة الحضارة والتقدم والفن والجمال، وقد يطرد الدين منها لغياب وعينا بأهمية الاهتمام بالأساليب الجمالية والإبداعية والحضارية التي يجب أن يعرض من خلالها، فيخرج الدين متهماً بالتخلف والقبح والعنف... وما شابه. لذا فواجبنا الربط بين عظمة المضامين الدينية والقوالب التي يعرض فيها الدين كي لا نسيء إلى الدين من حيث لا ندري.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد