بسم الله الرحمن الرحيم
كل شيء تغير في سرعة الضوء، يوم الخميس وفي بضع ساعات فقط في عاصمة قرغيزستان "بيشكيك" تم اقتحام القصر، هرب المستبد الموالي لروسيا، وبدأ نظام جديد في التشكل، أو ما الذي جرى؟.
الثورة سافرت بحافلة، وقطعت مسافة 500 كيلومتر، وعبرت طريق الحرير انطلاقاً من الجنوب مخترقة الجبال المرتفعة متوجهة نحو العاصمة "بيشكيك" قبل أن تحط الرحال أمام قصر الرئاسة، ليشهد العالم ملحمة التغيير السلمي.
حدث هذا "الزحف" في إثر انتخابات مزورة ومزيفة في فبراير ومارس، وانتشار للفساد المدعوم من قبل عشيرة الرئيس المستبد عسكر أكاييف الذي هرب إلى خارج البلد.
قبل شهرين شد أكاييف الرحال إلى قبلته موسكو لتقديم ابنه إلى الرّئيس فلاديمير بوتين، حيث كان يخطّط لنقل وراثي للسلطة، كما نسق أموره مع جناح "ألياف" في آذربيجان، ليسافر بعدها سراً إلى موسكو ثانية الأحد الماضي، وطبقاً للصحيفة الروسية " Vremia Novosti" حاول الاجتماع ببوتين لكن هذه المرة لم يتمكن من ملاقاته، فاجتمع بالدبلوماسيين الروس بدلاً من ذلك.
ويتوقع مراقبو آسيا الوسطى أن تشهد كازاخستان وأوزبكستان الملحمة نفسها، وإن اختلفت بعض التفاصيل، ويتساءل هؤلاء ما إذا كانت ثورة "الليمون" في قيرغيزتان بداية نهاية لرؤساء هاتين الدولتين، بفعل قوة الشارع، وهل يمكن أن يكون ما حدث لقيرغيزيا في آسيا الوسطى إشارة اختبار للقمع الاستبدادي؟
إنه الاقتصاد يا غبي:
يكفي أن نشير بشكل عابر للوضع الدافع للانفجار الاجتماعي والثورة السلمية، فقد أرغم على الأقل 700,000 قرغيزي من مجموع عدد السكان الذي يبلغ حوالي 5 مليون على الهجرة بحثاً عن العمل، ويشتغل أكثرهم بطريقة غير شرعية في مواقع البناء في روسيا وكازاخستان، ويعتمد اقتصاد قيرغيستان الراكد على مناجم الذهب، الأجهزة الكهرومائية، وبعض السياحة، ويقدر الدين الخارجي 2 بليون دولار وهو يعادل الإنتاج القومي الإجمالي.
من المنظور الجغرافي الاستراتيجي فإن الجيران من آسيا الوسطى بالإضافة إلى روسيا، والصين، والولايات المتحدة لا يمكنهم ببساطة تحمل حالة الفوضى، أو انقسام عرقي في قيرغيزتان، حيث إن هذه الأخيرة تعتبر كأثر جانبي للحرب على "الإرهاب" بيدقا رئيسياً بالنسبة لروسيا، والولايات المتحدة، والصين في اللعبة الكبيرة الجديدة، وذلك راجع بصفة أساسية إلى موقعها الإستراتيجي المحصور بين الصين وكازاخستان.
وتوصف القاعدة العسكرية الروسية في Kant على بعد20 دقيقة عن العاصمة "بيشكيك" من قبل موسكو كـ"رادع للإرهاب الدولي"، في حين تشكل القاعدة العسكرية الأمريكية المجاورة في مطار Manas المدني نظرياً سنداً لقاعدة "باغرام" العسكرية الأمريكية في أفغانستان، لكنها في الحقيقة موجهة وبشكل فعال كأداة نفسية لإرباك الصينيين، ولقربها من إقليم Xinjiang تريد بيكين أيضاً أن تؤسس لها قاعدة عسكرية قرغيزية خاصة!.
وقد باغتت هذه الثورة الروس وجاءتهم على حين غرة من الكرملين إلى الجنرالات، وأبدوا تخوفهم من أن الثورة تنطوي على مخاطر أهمها أن الإسلاميين "المتطرفين" سيستغلون فراغ السلطة لتقديم أنفسهم "كأبطال الطبقة المحرومة"، حيث ظلت موسكو تضرب على الوتر الحساس أن التهديد الذي تتعرض له آسيا الوسطى مصدره "الإسلام الراديكالي"؟!.
ويرى المحللون الغربيون - ومعهم الروس - أن تطورين جديين يمكن أن يتفرعا عن "ثورة الليمون":
الأول: احتمال فرض الحركة الإسلامية لأوزبكستان وحزب التحرير السلمية لجدول أعمالهم، فباستنادهما لنفوذهما داخل قيرغيستان يمكن أن يوسعوا دائرة تأثيرهم إلى جنوب كازاخستان وغرب طاجيكستان وحتى Xinjiang في الصين.
الثاني: احتمال تردي الأوضاع إلى سيناريو مقلق أكثر بكثير، وهو تكرار تجربة الحرب الأهلية الطاجيكيةِ 1992- 97 في قيرغيستان.
إلا أن الشيء الواحد المؤكد: أن ثورة "الليمون" ستستغل حتماً من قبل إدارة بوش باعتبار أن قضية "انتشار الحرية والديمقراطية" نجحت في آسيا الوسطى، وقد أثارت الترسانة الكاملة للمؤسسات الأمريكية - معاهد ومراكز - حركات المعارضة في صربيا وجورجيا وأوكرانيا، ووصل مداها إلى "بيشكيك"، فجيش صغير من الشباب القرغيزيي ذهب إلى كييف بتمويل من الأمريكان، ليستعمل كوقود للثورة "البرتقالية"، أصبح "مصاباً" بالفيروس الديمقراطي!
وعملياً فإن كل ما يرتبط بالمجتمع المدني في قرغيزستان ممول من هذه المؤسسات الأمريكية، أو من طرف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث إنه على الأقل 170 منظمة غير حكومية مهتمة بتطوير أو ترقية الديمقراطية، تشكلت أو تم تبنيها من الأمريكان.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد