بسم الله الرحمن الرحيم
لأنّه يعطي صورة مشرقة أخرى عن المحتوى الداخلي لشخصية كلّ منهما، فإذا كانت الروح جميلة، والأخلاق جميلة والعقل جميل، والسلوك جميل، فإن اللباس الجميل سيضفي جمالاً آخر على تلك الجمالات.
نعم، لو كان السؤال - ايّهما أهم. فلا شك أن جوهر الإنسان وعلمه ومنطقه وأخلاقه أهم بكثير، لان هذا من الجمال أيضا، بل هو أجمل الجمال.لكننا نلاحظ إقبالا شديداً على ما تضمّه أسواق الموضة وأجهزة التفنن بالصرعات من لدن الشباب والفتيات وان كان الاهتمام من قبل الفتيات أكثر لاعتبار أن الزي جزء من جمال المرأة.
ولا يعني ذلك أننا نقلّل من شأن الأزياء فللزيّ تعبيره عن الشخصية وعن الهوية، فالحجاب مثلاً زي تتميز به الفتاة أو المرأة المسلمة حتى أنّك إذا رأيت محجّبة تقول إنها مسلمة حتى ولو لم تسألها عن دينها، وكذا العمّة أو الجبّة التي يرتديها بعض علماء المسلمين فهي علامة فارقة على أنهم مسلمون. لكن الإسلام لم يقيد حرية المسلم في اختيار الزي الذين يرتديه، وترك لأهل كل عصر أن يلبسوا اللباس الذي يناسبهم شريطة أن يكون لباساً شرعياً لا يكشف
المناطق المحضورة من جسد المرأة والرجل، وان لا يكون متبرجا يوحي ويدعو إلى الإثارة.
لماذا إذا هذه المبالغة أو التهالك على الموضات والصرعات وكأنها كلّ الشخصية وليست جزءاً منها؟
نعتقد أن التركيز على ثقافة الشكل الخارجي الذي تمارسه أجهزة الإعلام لا سيما المرئية المقروءة له الأثر الكبير في هذا الإقبال (المجنون) على شراء البدلات واستبدالها، حتى بات التغزّل أحيانا بملابس الفتاة لا بخصائصها الجمالية. يقول شريط فديو يتحاور فيه شبان أميركان من الجنسين حول الأزياء والموضة أن حمىّ الموضة قد لا تسمح للفتاة وللشاب أن يتوقفا قليلا ليطرحا على نفسيهما بعض الأسئلة المعقولة عن التصرفات التي تبدو في غالب الأحيان غير معقولة. وأضاف الجنسان أن الموضة تلعب دور النموذج الذي يقارنون بموجبه ما يلبسون وما يطرح من جديد في أسواق الموضة وهو لهاث لا ينتهي.
ولابدّ للشباب والفتيات من التنبّه إلى النقاط التالية بشأن الموضة:
1- إن أول ما يواجهنا في مسألة الموضة هو (التقليد) وخطورة التقليد على الأزياء المستوردة تكمن في تاثيرها (الثقافي) و(النفسي) و(الأخلاقي) و(السلوكي). فهي أزياء صممت لغيرنا.. لنساء (كاسيات عاريات) همّهن الإثارة والفتنة والخلاعة والتبرج.
يقول (محمد أسد) النمسوي الذي اسلم، إن ارتداء المسلمات الزي غير الإسلامي يجعلهن يتصورن إنهن يستبدلن ثياباً بثياب، والحقيقة أنّ المسألة هي استقبال ثقافة وافدة وأخلاق وسلوك لا يقرّها الإسلام. وبالتالي فإن نفسية المرأة المسلمة - شاءت أم أبت - سوف تتأثر بالأزياء التي ترتديها. فالإسلام حين أباح للمرأة أن تتبرج لزوجها وان ترتدي ما شاءت من ملابس حينما يختليان، فانه حدد ذلك لها بهذا الحدّ، كما أباح لها أن ترتدي في حضرة النساء
الأخريات ما يحلو لها من أزياء.
2- وفي حمى الموضة تواجهنا أيضا النزعة الاستهلاكية المتمثلة بالبذخ والإسراف، فإذا كانت للموضة مواسم أربعة، أزياء للصيف وأخرى للربيع وثالثة للخريف وأخرى للشتاء، وإذا كان كل موسم يمطرنا بعشرات التصاميم والألوان والأشكال فإن ذلك مما سيرهق كاهل الفتاة أوالشاب ماليا، حتى بتنا نرى أن الفتاة تخجل من أن تلبس البدلة الواحدة مرتين في مناسبتين مختلفتين، أو أنّها تضطر لاستعارة بدلة أختها أو ابنة خالتها أو جارتها حتى لا يقال عنها أنّها لا تمتلك سوى بدلة واحدة، ولذا نرى أن المناسبات والأعراس أضحت حفلات استعراضية للأزياء التي تمثل صيحة الموسم.
3- إنّ مسايرة الموضة ومجارات الصرعات ليست دليلاً أو شرطاً من شروط الدخول إلى العصر أو عالم الحداثة، صحيح أن خير اللباس لباس أهل العصر، وقد تكون الأزياء العصرية مظهراً من مظاهر التمدّن، لكن المسايرة العمياء التي لا تعرف ماذا تأخذ وماذا تترك، هي مسايرة في الشكل دون المضمون، فكثيرا ما نرى شبانا وفتيات يتعاملون مع العصر بالمظاهر والأشكال فقط، فإذا كان الذين يصدّرون بضائعهم من الملابس والأحذية وقصات الشعر، أهل حضارة فلم ينصبّ اهتمامنا على اقتباس مظاهرهم فقط دون التعمّق في علمهم وإبداعهم ووسائلهم الحديثة ومؤسساتهم الثقافية.
إن تحويل الاهتمام من (المهم) إلى (الثانوي) ومن (الجوهري) إلى (الشكلي) هو واحد من مساوئ حمّى الموضة.
4- أما تقليد المشاهير والنجوم في السينما والمسرح والطرب في أزيائهم وما يبتدعون من موضات، فهو اعتراف ضمني أنهم أهل للقدوة، وهم ليسوا كذلك، فحياتهم الخاصّة - في الغالب - حياة لا تسرّ، فكيف أقلّد - كمسلم أو مسلمة - شخصيات اقل ما يقال عنها أنّها تتصرف بشكل معاكس لأخلاقنا وديننا؟ ثم أنها عملية تقليد متعبة، فالفنان أو المطرب أو الممثل له دخله الممتاز الذي يمكنه من ارتداء عدة بدلات في حفلة واحدة، فلم هذا اللهاث وراء تقليد المظاهر؟ أليست أزياؤنا جميلة؟ أليس لدى مصممات الأزياء عندنا تشكيلات وموديلات أجمل بكثير مما لدى الغرب والغربيين؟
أليست أزياؤنا تتناسب مع أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا؟ أليس هناك بعض الشعوب التي ما زالت تعتز بزيّها الرسمي حتى ولو سافرت أو هاجرت إلى بلاد غير بلادها، وما ذاك إلا لتصورها أن هذا تعبير عن هويتها وتراثها وفلكلورها الشعبي الذي انطبعت بطابعه .. فلم لا يكون عندنا مثل هذا الاحترام لأزيائنا؟
ثم أن بعض الموضات المستوردة مثيرة للضحك، مثيرة للقرف .. وقد لا تبدو في البلدان المصنّعة غريبة لكنها في أجوائنا الخاصّة تبدو مستهجنة وغير لائقة، ولذلك لابدّ من أن يراعي الشاب أو الفتاة مناسبة الموضة لأوضاعنا كما يراعون لون اللباس الذي يتناسب مع لون بشراتهم.
إن الانقياد وراء (حمىّ الموضة) كالسير في شارع بلا إشارات ضوئية .. هل تحسّبنا لمخاطرها ..
نعتقد في شبابنا وفتياتنا من هم أوعى من أن تنطلي عليهم اللعبة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد