صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن مشروع إعادة البناء بعد الحرب، وهو تقرير مقدم إلى اللجنة الاستشارية للشؤون الأفريقية لوزير الخارجية الأمريكية (APAP) في شهر يناير من العام 2004م.
ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية يقع في العاصمة الأمريكية واشنطن، يتبع الحزبين الجمهوري والديمقراطي أسس منذ عام 1992م، ويقول المركز إنه يكرّس جهوده لتزويد قادة العالم بالرؤى الاستراتيجية وطرح الحلول السياسية للقضايا العالمية الراهنة و كذلك المتوقعة.
يرأس المركز جون جي. هامر نائب وزير الدفاع السابق ويرأس مجلس أمنائه السناتور السابق سام نن وتنصب جهوده على مجموعة التحديات الجديدة للأمن القومي والعالمي، والاحتفاظ بصورة دائمة بمجموعة من الخبراء في كل المناطق الجغرافية الرئيسية من العالم، وتطوير الطرق الجديدة للحكم في عصر العولمةº ولتحقيق هذه الغايات فقد طور المركز برامج للدراسات حول التكنولوجيا والسياسات العامة والتجارة والتمويل الدوليين والطاقة.
يتكون تقرير استراتيجية العمل لسودان ما بعد الحرب من مقدمة وخمسة أجزاء وملحق ختامي، خصص الجزء الأول من التقرير إلى المقدمة التي استعرضت وضع الجنوب السوداني والتحولات في مسار المفاوضات والحل السياسي بهذا الشأن، وتناول الجزء الثاني عملية السلام من خلال رؤية للوضع الراهن، والتحديات الخطرة التي تواجهها، وتناول الجزء الثالث والذي حمل عنوان عملية (إعادة البناء) التخطيط للسلام وإعادة البناء، وكذلك السياق العام لإعادة البناء، وفي الجزء الرابع والذي حمل عنوان (رؤية استراتيجية)، تناول تأمين السلام، وتنشيط مبادرات دبلوماسية واقتصادية ومبادرات لحفظ السلام لتعزيز السلام، وتحرير هياكل الحكم في شمال وجنوب السودان، وتفعيل جهود إعادة البناء لتعزيز انفتاح وتكامل المجتمعات السودانية، والجزء الخامس ضم خاتمة، كما تناولت استراتيجية العمل لسودان ما بعد الحرب ملحقاً سمي بـ "تخطيط إعادة بناء السودان".
يأتي صدور هذا التقرير بعد أن أقر الكونجرس في أوائل عام 2003 قيام اللجنة الاستشارية للسياسة الأفريقية (APAP) لكي تعيد النظر في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة وإعطاء المزيد من الاهتمام للشؤون "الأمريكية الأفريقية، ومن ثم رفع التوصيات لوزير الخارجية حول خطط التنفيذ". يرأس هذه اللجنة ولتر كانشتاينر مساعد وزير الخارجية السابق للشئون الأفريقية وسكرتيره التنفيذي جي ستيفن موريسن مدير برنامج أفريقيا بالمركز.
وقد أناطت اللجنة الاستشارية مشروع إعادة البناء بعد الصراع بالمركز بدراسة التحديات الخطيرة لصناع السياسة الأمريكية والقوى الكبرى الأخرى والمنظمات الدولية في حالة التوصل إلى تسوية سلمية في السودان.
ومنذ منتصف عام 2002 بدأت تتضح -بصورة جلية -نهاية الحرب بالسودان عبر التسوية السلمية، واكتسبت الزخم بتوقيع بروتوكول مشاكوس في يوليو2002 واتفاقية الترتيبات الأمنية في سبتمبر 2003 بين الأطراف المتحاربة، وقد زاد هذا التطور من الحاجة إلى تقليل المهددات الخطيرة لتعزيز ودعم أي اتفاقية يتم التوصل إليها مع إقرار جميع المراقبين اللصيقين بأن مثل هذه الاتفاقية ستكون غير كاملة وغير سليمة من العيوب ومليئة بالنقاط الغامضة والمتناقضة.
تهدف هذه الدراسة إلى تحديد الأولويات المباشرة لتنفيذ الاتفاقية لكبار المانحين للطرفين والمنظمات الدولية والتي ستدعى للمساهمة في إعادة البناء وهو أمر سيكون معقداً ومرهقاً كما جاء في خطة عمل الاستراتيجية لسودان ما بعد الحرب.
لقد أكد تقرير الاستراتيجية أن محادثات السلام الجارية أفضل الفرص المتاحة منذ عقود لإنهاء الحرب الأهلية في السودان والتي هي أطول الصراعات في القارة الأفريقية، وإن أية اتفاقية سلام يتم التوصل إليها عبر التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية سيشكل إنجازا تاريخياً.
كما أكد التقرير أن استقرار السودان وإعادة بنائه بعد الحرب سيكون مهمة شاقة وستكون المساومة الأساسية للاتفاقية سبباً لنشوء التوتر والاضطراب وفي نفس الوقت تدعو الاستراتيجية لبناء المؤسسات الوطنية السودانية لحفظ وحدة السودان من خلال خلق كيان جنوبي ذاتي الحكم.
لقد أكد التقرير على أن حاجات السودان ستكون ضخمة لعملية إعادة البناء والتي ستتخللها تحديات معقدة وكبيرة منها الشعور السائد بعدم الثقة والشك الذي سيعيق أي تعاون بين الشمال والجنوب لتعزيز جهود إعادة البناء، وكذلك عدم التماثل بين الشمال والجنوب من حيث القدرات والمهارات الفردية للعاملين ووجود المفسدين والمخربين في الطرفين و"النقاط الساخنة" أو المناطق غير المستقرة والتي تتطلب تواجداً مدنياً أو عسكرياً وكذلك التحركات الداخلية الكبيرة للسكان "والدين القومي المتعاظم" كما وصفه التقرير، وكلها قضايا نابعة من إساءة ممارسات الحكم وسوء التصرف في الموارد وتدخل دول الجوار في الشأن السوداني.
ويمكن تلخيص تقرير استراتيجية عمل لسودان ما بعد الحرب بالنقاط التالية:
- إن اتفاقية سلام بين الطرفين ستثير التساؤل حول الموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة الضامنون الخارجيون بعد انتهاء الحرب، وذلك لتأكيد نهاية العداء وبناء الثقة بين الأطراف وتقديم مكاسب حقيقية للشعب السوداني، كما أكد التقرير على أن الولايات المتحدة عملت في تعاون تام مع بريطانيا والنرويج وكينيا والأمم المتحدة لإنهاء الحرب، وطالب بتوسعة وضمان استمرارية هذا النموذج لتعاون متعدد الأطراف خلال مرحلة إعادة البناء وذلك لضمان سلام السودان.
- إن إنهاء حرب الشمال والجنوب ستكون بداية تجربه تمتد لست سنوات تؤدي إلي استفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان، وهذه الفترة ستكون طويلة ومليئة بالتوترات وخلالها ستحدث وقائع لا تحصىمن شأنها جميعاً إغراء الأطراف للرجوع عن التزاماتهما، بالإضافة إلى الصراعات الأخرى في السودان مثل الصراع الحاد الجاري الآن في إقليم دارفور من شأنها كلها أن تعصف بجهود السلام إذا استعرت الحرب أو دعمت من قبل الرافضين لعملية السلام في أي من المعسكرين.
- لا يغطي هذا التقرير كل الحاجات المتعاظمة لإعادة البناء في السودان ولكنه يركز على أربع أولويات ينبغي معالجتها بواسطة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وذلك لدرء خطر العودة للحرب أو الوصول إلى حالة انهيار الدولة في السودان:
أولاً: ينبغي أن يتعاون المجتمع الدولي مع السودانيين لتأمين السلام وعدم العودة إلى الحرب وكذلك لتأمين استمرارية جهود إعادة البناء.
ثانيا: ينبغي أن تظهر الولايات المتحدة والقوي الكبرى الأخرى والأمم المتحدة التصميم عن طريق تقديم مبادرات دبلوماسية واقتصادية وأمنية لتعزيز السلام.
ثالثاً: ينبغي أن يبدأ المانحون في الضغط لتحرير الحكم الشمولي (الاستبدادي) في جنوب وشمال السودان على السواء.
رابعاً: ينبغي أن تعزز برامج إعادة البناء انفتاح وتكامل المجتمعات السودانية وبناء العلاقات بين الشماليين والجنوبيين وبين المجموعات الأخرى في الشمال والجنوب.
ولتعزيز هذه الاولويات يوصي التقرير بـ:
- القيام بنشر قوات دولية للرد السريع وحفظ ومراقبة السلام بناء على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
- تأمين نجاح الوحدات المشتركة المتكاملة للقوات المسلحة السودانية بعد توقيع السلام.
- تأمين وجود سلطة أعلى مناسبة ومتناسقة للإشراف على الوظائف الأمنية الدولية.
- تأمين الوجود المستمر والفاعل للعمل الدبلوماسي.
- تقديم مساعدات اقتصادية ضخمة.
- دعم عمليات حفظ السلام خلال الفترة الانتقالية.
- إعداد قواعد لقياس مدى تقدم كل من حكومة الوحدة وحكومة جنوب السودان نحو أساليب الحكم السليمة.
- بناء القدرات في كل أنحاء السودان وفتح العمليات السياسية.
- تطوير آليات الإشراف بشفافية على تدفق عوائد النفط والموارد الوطنية والإقليمية الأخرى.
- الإعداد لمؤتمر دستوري.
وختاماً إن صدور تقرير استراتيجية العمل لسودان ما بعد الحرب لا يحدد ما إذا كان السودان سيبقى موحداً أم سينقسم إلى دولتين منفصلتين. ومهما كانت النتيجة فإن هدف وجود سودان مسالم ومنفتح حيث تحترم فيه روح بروتوكول مشاكوس وعناصر اتفاقية السلام ينبغي ألا يتغير.
ويختتم تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية بأن على الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمانحين الرئيسيين اتخاذ الخطوات المحددة في هذا التقرير لتحقيق الهدف المذكور أعلاه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد