ونفى د. التيجاني وجود أي دور للسودان في دعم التمرد في تشاد، وهي الاتهامات التي يطلقها القادة التشاديون لصرف النظر عن تزايد حدة المعارضة للنظام هناك، وتحميل السودان المسؤولية عن متاعب النظام التشادي الداخلية.
حول قضايا السودان الساخنة كان لنا هذا الحوار مع وزير الأوقاف السوداني د. التيجاني أزهري، فإلى نص الحوار:
س: في البداية ما تعليقكم على الاتهامات التشادية للسودان بالتدخل في شؤونها الداخلية ودعم التمرّد؟
السودان لم يتدخل في شؤون تشاد من قريب أو بعيد، ولم يدعم المتمردين على النظام هناك، وهذه الاتهامات ليست جديدة، فقد سبق ووُجِّهت للسودان منذ فترة طويلة، ونفاها السودان، بل وطالب بتشكيل دوريات مشتركة بين البلدين لحماية الحدود الطويلة جداً والوعرة بين البلدين، وهو ما رفضته انجامينا بدون أن نجد لهذا الموقف تفسيراً إيجابياً إلا محاولة تصعيد التوتر مع السودان، وهو أمر لا يصب في مصلحة الطرفين، وقد حذّرنا النظام التشادي قبل ذلك كثيراً من خطورة الاحتماء بالخارج، ومحاولات تدويل قضايا المثلث الحدودي بين تشاد والسودان وليبياº كون هذا التدويل يحمل مخاطر جمة على الجميع، وعلى الرغم من هذا وجدنا الإخوة في تشاد يحاولون تصدير مشاكلهم الداخلية إلى السودان، وتحميله مسؤولية التمرد، وهو أمر عجيب وغير مفسرº فقد طلبنا في فترة سابقة تشكيل لجان تحقيق تابعة للاتحاد الإفريقي مكلفة بالبحث في هذه المسألة، وتحديد الطرف الذي يتدخل في شؤون الآخر، ولكن تشاد لم تتعاطَ إيجابياً مع جميع المقترحات.
س: بالعودة إلى مشكلة دارفور ومدى تعرّض السودان لضغوط إقليمية ودولية للقبول بوجود قوات أممية في الإقليم، ما تعليقكم على ذلك؟
أودّ في البداية أن أؤكد أن دارفور ستظل جزءاً عزيزاً من السودان، وأن ما يحدث في الإقليم حالياً من اضطرابات هو أمر طارئ ومصنوع وقابل للاحتواء، لكن بوعي وبتعقل يصبح حل هذه الأزمة أمراً ميسوراً، ونستطيع بدعم من الإقليمين العربي والإفريقي تجاوز هذه الأحداث التي يتم طرحها في الإعلام الغربي بشكل مبالغ فيه، ولا يعبر عن الواقع، وإنما يعبر عن استراتيجيات غريبة عن المنطقة، ويأتي في إطار المحاولات الأمريكية لدخول السودان عبر خيار التقسيم الذي هو جزء أساس من مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو أمر خُطّط له جيداً بعد انتهاء الحرب الباردة لضمان هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وضمان بقائها قوة واحدة مسيطرة على العالم عبر السيطرة على مناطق ذات موارد طبيعية هامة، وأنا أعتقد أن قضية دارفور لا تزيد عن كونها قضية انتخابية في الولايات المتحدة الأمريكيةº إذ تسعى إدارة بوش لتفجير القضية في وسائل الإعلام لاكتساب تأييد النخب الإفريقية، واللوبي الإفريقي المؤيد تقليدياً للديمقراطيين، خصوصاً أننا على أعتاب انتخابات الكونجرس، وبمجرد انتهاء هذه الانتخابات ستهدأ الضجة المفتعلة حالياً حول الإقليم المضطرب.
محاولة أمريكية للسيطرة:
س: لكنكم تجاهلتم الحديث عن الضغوط الإقليمية والدولية الخاصة بقبول قوات أممية في دارفور؟
هذه أيضاً من المشاكل المفتعلة الخاصة بالإقليم، ولكن إذا بحثنا الأمر من الناحية القانونيةº فالسودان عضو في الأمم المتحدة، وتاريخنا مليء بالمشاركة في قوات حفظ السلام الدولية، ولكن المسألة لا تُطرح من الزاوية القانونية بل من الجانب السياسي، ورغبة في الاتجاه إلى الحل الدوليº إذ يسعى الأمريكان بكل الطرق لإيجاد موطئ قدم في دارفور كمقدمة للسيطرة على المنطقة كلها، أما على الجانب العربي فالأمر لا يصل إلى الضغوط، بل كانت هناك عروض لوجهات النظر المختلفة حول القوات الدولية، وشرح السودان للدول العربية مخاطر هذا التدويل على القضية، وهو ما كان له أثر كبير في تغيير وجهات نظر العديد من الدول التي كان غائباً عنها كافة المعلومات الخاصة بخطورة التدويل.
غياب عربي:
س: لكننا سمعنا أخباراً متواترة أن غياب بعض العرب عن قمة الخرطوم - وخصوصاً من جانب مصر - كان بسبب رفضها قبول قوات دولية في دارفور؟
أحب أن أنبّه فقط إلى نقطة هامة، وهي أن قمة الخرطوم لم تكن استثتاء من القمم العربية، فمتوسط حضور القادة في القمة كان (14) رئيساً بعكس القمم السابقة التي لم يزد الحضور فيها على (12) قائداً، وأظن أن انشغال القادة والرؤساء بملفات خطيرة في بلدانهم هي التي حالت دون حضورهمº فالرئيس مبارك رئيس أكبر دولة عربية لما جاء إلى السودان بعد انتهاء القمة بأقل من أسبوع، وقتها زار الجزائر التي تحدث البعض عن أنها قادت الحملة ضد تدويل قضية التطورات في دارفور، وأدلى بتصريحات تدعم مهمة الاتحاد الإفريقي لحل أزمة دارفور في محيطها الإفريقي إدراكاً منه أن القوى الساعية للتدويل لا تسعى لصالح أو خير المنطقةº لذا فالحديث عن عقاب عربي للسودان لرفضه التدويل أمر غير واقعي أو منطقي، وأقولها صريحة: إن السودان لن يسمح بنشر قوات دولية في دارفور إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام يمنع محاولات البعض للعبث بوحدة واستقرار السودان.
س: الرئيس البشير قال ذات يوم: إن قضية دارفور ليست معقدة، وإن سبب تفجيرها كان صراعاً على "جمل"، فلماذا تطورت الأمور إلى هذه الدرجة؟
مشكلة السودان أنه عانى طويلاً من حرب الجنوب التي أثّرت على التنمية في عديد من مناطقه، كما عانى أيضاً من تربّص كثير من القوى الدولية به، ورغبتها في عدم حدوث استقرار في السودانº فعندما اقتربنا من حل مشاكل الجنوب تم تفجير الصراع في دارفور وشرق السودان، وتلقفت دول عديدة هذه القوى للتآمر على السودان، ولكن هذه القوى التي فتحت لها قوى إقليمية دولية أبوابها اكتشفت أنها تحولت لأداة في يد هذه القوى للإضرار بالسودان، وهو الأمر الذي جعلها تفيق، وأقولها مطمئناً: إننا سنصل إلى حل قريب لقضية دارفور بدعم من المحيطين: العربي والإفريقي، فلولا الولايات المتحدة الأمريكية لتم حل أزمة دارفور في خمسة أيامº لأنها في المقام الأول قضية مصنوعة لتحقيق أهداف استراتيجية أمريكية ساعية للسيطرة على المناطق الاستراتيجية ذات الثروات الطبيعية.
محطة انطلاق للموساد:
يتحدث الكثيرون عن دور صهيوني فاعل ووجود مكثف للموساد في أزمة دارفور، وتتردد اتهامات عن استخدام الأراضي التشادية كمحطة انطلاق لأنشطة معادية في الإقليم؟
هذا أمر مؤكد، وإسرائيل وأجهزتها الاستخباراتية موجودة في كل دول المنطقة لتحقيق أهدافها المتمثلة في الالتفاف حول العالم العربي، وتستغل وجود دول معادية للسودان لتكريس وجودها، ولا أستبعد أن تكون إسرائيل قد استخدمت علاقاتها مع هذه الدول لدعم التمرد في دارفور وغيرها، وإمداده بالأسلحة والعتاد، وخصوصاً أن القوات السودانية قد ضبطت أسلحة إسرائيلية وغربية في الإقليم، من ثم فإسرائيل موجودة في المنطقة بكثافة خصوصاً في منطقة البحيرات العظمى، وتعمل على استعداء الدول على مصر والسودان، وتستغل قضية المياه لتحقيق أهدافها، لكني أطمئنك إلى أن هذه القضية المعقدة التي تحتاج تكاتفاً مع جميع دول المنطقة يمكن حلها عبر دعم عربي فاعل لمصر والسودان، واستغلال رغبة أثيوبيا وأوغندا في البحث عن حل إقليمي لها.
س: تسود علاقات السودان حالات شدّ وجذب خصوصاً مع أريتريا وأوغندا إلى أين وصلت تلك العلاقات بين البلدين؟
مشكلتنا مع أرتيريا أنها لعبت دور الوكيل عن قوى دولية راغبة في زعزعة استقرار السودان، ثم إنها دولة هشة من حيث المؤسسات، وتخضع فقط لرغبات الرئيس أفورقي، ونحن من جانبنا سعينا كثيراً لاحتواء التوتر بيننا وبين أسمرة، لكننا كنا نصطدم في هذه المسألة بشيء من التعنت الأريتري، وفي الفترة السابقة شهدت علاقات البلدين تطوراً إيجابياً تمثل في موافقة كل من الخرطوم وأسمرة على تطبيع علاقات البلدين، وعدم العودة إلى أجواء التوتر السابقة، أما فيما يخص أوغندا فعلاقاتنا بها طبيعية، ومسألة جيش الرب متفق على حلها بين جميع الأطراف، ولكن تبقى معالجة القضية على الأرض، فيما هناك اتفاق شامل على الاستراتيجيات.
رؤوس عديدة:
س: نعود إلى قضايا السودان الداخلية ومنها تعدّد الرموز الكبيرة في الساحة السياسية، هناك من أمثال البشير - الترابي - الميرغني - المهدي، وهي ظاهرة معقدة، ولا شك أنها أثرت سلباً على تفاقم مشاكله؟
هذه مشكلة كبيرة ومعقدة، خصوصاً أن هذه الرؤوس بينها خلافات سياسية، وصعب أن تجد هناك إجماعاً بينها على أي قضية سياسية، كما أن البحث عن حل لها في النخب السياسية السودانية مرهق للغاية، ولكن هذه المشكلة ستُحلّ بمرور الزمن، وباعتلاء الأجيال الشابة صدارة المشهد السياسي في السودان، مشكلة هذه الشخصيات أن هؤلاء جميعاً تعدّوا مرحلة السبعين من العمر ما عدا البشير، أي أن لكل واحد منهم شخصيات قوية بارزة، مما يصعّب من مهمة جمع هؤلاء خلف قضية سياسية واحدة، لكن تتلاشى هذه المشكلة لدى أجيال التكنوقراط الشباب.
س: حذرت كثير من الدوائر من خطر تنصيري كبير في دارفور، ما تقييمك لهذا الأمر؟ وهل حقق نتائج ذات قيمة؟
لا يوجد خطر تنصيري في السودان على الرغم من وجود مئات من المنظمات التنصيرية، وهذا يعود إلى العمق الإسلامي الذي يحكم إيمان السودانيين بالإسلام، وعلى الرغم من وجود صعوبات إلاّ السودان غير قابل لأن يكون معقلاً للتنصير، كما أن القضية لها وجه إيجابيº إذ إن استتباب الأمن في السودان قد جعل الكثير من المسيحيين واللادينيين يقبلون على اعتناق الإسلام وليس العكس.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد