يقع إقليم دارفور، أكبر أقاليم السودان، أقصى غرب السودان، وتمثل حدوده الغربية الحدود السياسية للسودان في تلك الجهة مع ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد.
وتبلغ مساحة إقليم دار فور أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع (510 ألف كيلو متر مربع)، حيث تمثل مساحته خمس مساحة السودان (20% من مساحتها)، وتسكنه عرقيات إفريقية وعربيةº أهمها "الغور" التي جاءت تسمية الإقليم منها، و"الزغاوة"، و"المساليت"، وقبائل "البقارة" و"الرزيقات".
وتعتبر قبائل المساليت و فور والزغاوة من أكبر الجماعات العرقية الأفريقية التي تسيطر علي دارفور، ولأبنائهما تاريخ طويل من الصراع حول الأراضي وحقوق الرعي مع الرعاة من القبائل العربية، فإن هذا الصراع لم يظهر بصورة واضحة حتى السبعينات بفضل وجود آليات تقليدية لحل المنازعات، وجدت نتيجة القوانين الموروثة من عهد الإدارة المصرية(1898 ـ1956).
ونظرا للمساحة الشاسعة للإقليم وضعف الحكومات المركزية في الخرطوم فقد انتشر السلاح في الإقليم وتفاقمت النزاعات القبلية .
ويبلغ عدد سكان إقليم دار فور نحو6. 7 مليون نسمة، وجميع سكانه مسلمون "سنّة"، وقد انقسم الإقليم منذ عام 1994م إلى ثلاثة أقاليم متجاورة ومختلطة الأعراق وهي الغرب والشمال والجنوب، وتبلغ نسبة الجماعات الإفريقية نحو60% بينما تبلغ نسبة العرب الـ 40 % الباقية.
ويقطن في الريف 75% من سكان دارفور، بينما يمثل الرعاة الرحل حوالي 15%، والباقون يقيمون في بعض المدن، مثل الفاشر، ونيالا، وزالنجي.
وقد انضمت منطقه دارفور إلى السودان عام 1916م إلا أن ذلك لا يعني أنها لم تكن تابعة للسودان قبل ذلك، حيث إنها خضعت للعهد المصري من خلال الزبير باشا ود رحمة في الفترة من 1884م إلى 1898، ثم دانت للدولة المهدية من 1884 إلى 1898، وبقيت مستقلة كفترة انتقالية قصيرة في الفترة من 1898 إلى 1916 تحت حكم السلطان علي دينار إلى أن عادت للخضوع للحكم الثنائي منذ عام 1916 وحتى استقلال السودان عام 1956.
ويعاني السودان من مخاطر كبيرة تهدد كيانه المستقل وتؤجج الإثنيات، والعرقيات المتعددة والتي يصل عددها إلي572 عرقية تلك المخاطر خاصة مع وجود أكثر من30 حركة تمرد في السودان تسعي جميعها للانفصال وتكوين دويلات مستقلة مما يعني في النهاية انتهاء وحدة البلاد.
وتنقسم القبائل في دارفور إلى قسمين هما: "القبائل المستقرة" وهي تلك القبائل الموجودة في المناطق الريفية مثل: "الفور" و"المساليت" و"الزغاوة"، و"الداجو" و"التنجر" و"التامة"، وغالبيتهم من الأفارقة، ويتكلمون لغات محلية إضافة إلى العربية، وبعضهم من العرب، والقسم الثاني هو: "القبائل الرحل" وهي تلك القبائل التي تتنقل من مكان لآخر بحسب وجود الماء والرعي، وهي قبائل وفدت للمنطقة مثل: "أبالة" و"زيلات" و"محاميد" و"مهريه" و"بني حسين" و"الرزيقات" و"المعالية"، و غالبيتهم عرب يتحدثون اللغة العربية، ومنهم أيضا أفارقة.
جذور التمرد:
والتمرد في دارفور جذوره تاريخية وتعود لمئات السنين، والغريب أنه لم ينجم عن اضطهاد عرقي ولا اضطهاد ديني ولكنه نتج عن موقع دار فور المتاخم لتشاد ومصر وليبيا وأفريقيا الوسطي مما جعلها منطقة للقبائل الرحل مثل قبيلة الزغاوة التي عرفت بالترحال، والقتال ولكنها استقرت في دار فور منذ عدة قرون بعد أن اعتنقت الإسلام وتحول أفرادها إلي التحدث بالعربية ومع ذلك ظلت مصدر قلق نظرا لقوة وشراسة أبنائها، وعليه فإن أكثر من 85% من الصراعات القبلية في السودان يدور في دار فور.
وعلاوة علي التمرد في الجنوب فإن السودان به نحو30 مجموعة متمردة تتوزع علي معظم الأقاليم تقريبا منها المجموعات التي تنتمي للبيجا في الشمال الشرقي وهم من المسلمين الصوفيين وولشيلوك والنوبة، ودارفور علاوة علي حركات التمرد الجنوبية، والتمرد في أعالي النيل.
والأمر في السودان لا يقتصر علي دار فور فحسب، فمنذ عام 1983 تشهد مناطق عديدة في السودان وبينها جبال النوبة التي تمتد على مساحة 80 ألف كيلو متر في وسط السودان حربا أهلية بين المتمردين في تلك المناطق والحكومات المتعاقبة في الشمال . وقد حصدت تلك الحروب أرواح أكثر من مليوني شخص. وما زال سكان جبال النوبة يطالبون بحكم ذاتي يعقبه استفتاء لتقرير المصير.
أما في جنوب السودان التي تعد من أكثر المناطق طلبا للانفصال بقيادة جون جارانج فقد كان الغزو الإنجليزي للسودان وإقامة الحكم الثنائي فيه هو بداية التحول في تاريخ جنوب السودان إذ مهد الطريق للدول الأوروبية لدخول السودان وسعي الحكم الأجنبي الاستعماري منذ البداية جاهدا لمحاربة الإسلام والحد من انتشار اللغة العربية وكان من الواضح أن هذه السياسة تسعي إلي فصل الجنوب عن الشمال بإيهام الجنوبيين بأنهم مضطهدون من قبل الشماليين ووضع العديد من السياسات لبث التفرقة بين الشمال والجنوب.
وهناك أيضا مشكلة في شرق السودان، وتمرد من قبائل البجا، وتتهم الحكومة السودانية اريتريا باستغلال مجموعات من البجا لإثارة قلاقل في تلك المنطقة وذلك بهدف ممارسة ضغوط علي الحكومة السودانية خاصة في ظل توتر العلاقات بين البلدين.
أصل الحكاية:
كانت أسباب النزاعات في دارفور ترجع دائمة لأسباب طبيعية مثل الاختلاف علي الرعي والأرض، وليس لأسباب عقائدية لأن سكان دارفور كانوا منذ دخولهم الإسلام مخلصين له، ومن اجله حاربوا في صفوف الخلافة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولي مما جعلهم عرضه لانتقام بريطانيا بعد الحرب وشهدت دارفور التمرد تلو الآخر منذ الستينات من القرن الماضي بإيعاز من أبناء الإقليم المقيمين في الخارج فكان هناك تمرد حركة سوني وتمرد جبهة نهضة دارفور، وجبهة الدكتور دريج وحرير وأخيرا تمرد حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان والتحالف السوداني الديمقراطي الفيدرالي، وهذا الأخير كان محركه الأول هو الرغبة في اقتسام عائدات البترول برغم ان الديون الخارجية للحكومة المركزية تصل إلي 24 مليار دولار بينما يبلغ إجمالي عائدات البترول السنوية ملياري دولار، ومما يؤكد ذلك أن هذا التمرد لم يظهر إلا بعد ظهور البترول في جنوب ووسط السودان.
وفي العقود الأخيرة تكاتفت عدة عوامل وأدت إلي اشتعال الصراع بصورة واضحة، وأهم هذه العوامل: -
1- فترات القحط والجفاف.
2- التنافس علي الموارد الضئيلة.
3- سهولة الحصول علي الأسلحة وهو ما أدى إلي إراقة المزيد من الدماء في نزاعاتهم المحلية.
4- إلي جانب عامل سياسي مهم حدث في عام 1994 عندما أعيد التنظيم الإداري لإقليم دارفور وتم بمقتضاه منح أفراد الجماعات العرقية مناصب في السلطة، وهو ما رأته طائفتا المساليت و فور بمثابة تقويض لدورهما في الإقليم الذي يشكلان أغلبية سكانه.
كل هذه العوامل السابقة أدت إلي اشتعال الصراع، حيث نشبت الاشتباكات الطائفية المسلحة في غربي دارفور وغيرها في عامي 1998، و1999 حين بدأ العرب الرحل في النزوح مع قطعانهم نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد، ونتيجة لذلك اندلعت الاشتباكات بين الطائفتين، حيث أحرق ما يزيد على 60 قرية من قري طائفة (مساليت)، وقرية عربية واحدة .. كما قتل ما يقرب من (69) من أبناء المساليت في مقابل (11) عربيا، ونزح نحو (خمسة آلاف) من أبناء المساليت إما إلي بلدة (جنينة) أو(تشاد).
ورغم المصالحة والاتفاق علي دفع تعويضات للجانبين عن طريق زعماء القبائل المحلية، إلا أن الاشتباكات تجددت في عام 1999 عندما نزح الرعاة الرحل مجددا نحو الجنوب قبل الوقت المعتاد لذلك، واتسمت الاشتباكات في ذلك الوقت بالمزيد من سفك الدماء، حيث تعرضت 125 قرية من قري المساليت للإحراق والهجمات، وسقط العديد من القتلى والجرحى، وكان من بين القتلى عدد من زعماء القبائل العربية، وتدخلت الحكومة السودانية عسكريا، وتم عقد مؤتمر مصالحة آخر تم فيه الاتفاق علي تعويض خسائر طائفة مساليت وخسائر العرب.
وفي أوائل عام 2003 دخل الصراع منعطفا جديدا، حيث قام متمردون من جيش التحرير السوداني وحركة العدل والمساواة بمهاجمة أهداف حكومية في إقليم دارفور متهمين الحكومة السودانية بالتحيز لصالح العرب ضد الأفارقة السود المساليت والفور.
التنظيمات المسلحة:
هناك ثلاثة تنظيمات مسلحة في دار فور ترتبط بشكل أو بآخر بالقتال الجاري الآن في دارفور، وتعتبر "جبهة تحرير السودان" وجناحها العسكري "جيش تحرير السودان" التنظيم الأكثر نشاطا والذي تنسب له معظم العمليات العسكرية، ويترأسها محامٍ, سوداني شاب هو عبد الواحد محمد نور الذي ينتمي إلى قبيلة الفور، بينما يحتل "أركو مناوي" موقع أمينها العام، ومعظم القادة العسكريين في صفوف الحركة كانوا ضباطا سابقين في الجيشين السوداني والتشادي.
وتنتقد الحركة التهميش الذي تعرض له إقليم دارفور واستبعاد أبنائه من قسمة السلطة، وانعدام الخدمات الأساسية فيه، كما تنتقد هيمنة ما تسميه بالوسط النيلي على أقدار السودان، وتنادي بحكم ذاتي موسع، وإعادة بناء السودان على أسس جديدة.
التنظيم الثاني هو "حركة العدالة والمساواة" التي يقودها "خليل إبراهيم" المقيم الآن في لندن، بينما يقود عملياتها العسكرية "التيجاني سالم درو" وهو ضابط سابق اختلفت المصادر حول هويته الأصلية وهو هل تشادي أم سوداني.
وتدعو "حركة العدالة والمساواة" إلى فصل الدين عن الدولة وبناء سودان جديد مدني وديمقراطي، كما تتحدث عن تحالف المهمشين ضد سلطة المركز وإتاحة دور أساسي للمهمشين في عملية إعادة الصياغة هذه.
التنظيم الثالث هو "حزب التحالف الفيدرالي" الذي يتزعمه أحمد إبراهيم دريج، وهو سياسي سوداني من غرب السودان ينتمي إلى قبيلة الفور، وقد لعب دريج أدوارا بارزة في السياسة السودانية منذ النصف الثاني للستينيات إلا أن حزبه بقي جهويا على الدوام يحمل مطالب دارفور.
ومن الواضح أيضا أن المجموعات القائدة للعمليات العسكرية ما زالت في مرحلة تذويب الخلافات العسكرية والسياسية وإن كانت تلتقي مع بعضها البعض، وأيضا مع الحركة الشعبية التي يقودها قرنق في مسعى مشترك -هو محاولة إنشاء حزام أو طوق دائري يعتمد على تجميع الأطراف للقضاء على مركزية الوسط السوداني.
وعلى الرغم من أن حركتي "تحرير السودان" و"العدالة والمساواة" قد قامتا ببعض المعالجات التوضيحية أو التصحيحية لنفي صفة القبلية أو الإثنية عنهما لأنهما يدركان أنهما لا يمكن النظر إليهما خارج سياق الصراع القبلي في دارفور.
ميليشيات الجنجويد:
يقصد بكلمة "جنجاويد": الرجل الذي يركب جوادا ويحمل مدفعا رشاشا، وغالبا ما يرتدون ثيابا بيضاء مثل أهل السودان، ويركبون الخيل، ويهاجمون السكان والمتمردين معا في دارفور.
وعلى حين تتهم حركات التمرد الثلاثة في دارفور ووكالات الإغاثة الدولية الجنجاويد بأنهم أعوان الحكومة وتابعوها، وأنهم عرب يشنون هجمات عنيفة على الأفارقة السود، تنفي الحكومة ذلك، وتقول: إنهم يهاجمون قواتها أيضاً.
وينسب إلى هذه الميليشيات أنها تقوم بعمليات قتل واغتصاب وتشويه ونهب وإحراق البيوت، وتشريد الأشخاص، وكان نتيجة ذلك أن فر نحو مليون نسمة من ديارهم بينما قتل مالا يقل عن (10) آلاف شخص، بالإضافة لتعرض الآلاف لخطر المجاعة في المخيمات.
دار فور مملكة إسلامية:
كانت دارفور مملكة إسلامية مستقلة تَعاقب على حكمها عدد من السلاطين، كان آخرهم السلطان علي دينار، وكان للإقليم عملته الخاصة وعلَمه، حتى سقطت في الحقبة التركية.
وقد قاوم أهل دارفور الحكم التركي الذي استمر نحو 10 سنوات، كما شهد الإقليم عدة ثوراتº أشهرها ثورة السلطان هارون التي دحرها غردون باشا عام 1877، وثورة مادبو بمدينة الضعين، وثورة البقارة. وعند اندلاع الثورة المهدية سارع الأمراء والزعماء لمبايعة المهدي ومناصرته حتى نالت استقلالها مجددا.
ولم يدم استقلال الإقليم طويلاº حيث سقط مجدداً تحت حكم المهدية عام 1884 الذي وجد مقاومة عنيفة حتى سقطت المهدية عام 1898، فعاد السلطان علي دينار ليحكم دارفور.
وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى أيد سلطان دارفور تركيا التي كانت تمثل مركز الخلافة الإسلاميةº الأمر الذي أغضب حاكم عام السودان، وأشعل العداء بين السلطنة والسلطة المركزية، والذي كانت نتيجته الإطاحة بسلطنة دارفور وضمها للسودان عام 1917.
وقد تأثر إقليم دارفور -كما يقول الكاتب مأمون الباقر- بالثقافة الإسلامية قبل دخول المستعمرينº فأقيمت المدارس الدينية لتعليم القرآن والشريعة الإسلامية، وتم إرسال العديد من أبناء الإقليم إلى الدراسة في الأزهر الشريفº حيث خصص "رواق دارفور" منذ تلك الفترة.
ويذكر التاريخ عن السلطان علي دينار أنه كان يكسو الكعبة المشرفة سنويا، ويوفر الطعام لأعداد كبيرة من حجاج بيت الله الحرام، فيما يعرف بـ"قدح السلطان علي دينار" أو "أبيار علي".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد