قمة الثمانية والشرق الأوسط الكبير


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عقدت مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى قمتها في الفترة ما بين 8 - 10يونيو  2004م بمدينة سي أيلاند بولاية جورجيا الأمريكية، وعلى رأس أولوياتها مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط، الذي عدّل إلى "الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا".

وقبل بدء القمة أجرت الدول الكبرى تعديلاً جوهرياً في مبادرة إصلاح الشرق الأوسط التي أعلنت خلال اجتماع قمة الثماني، بما يعكس وجهات النظر العربية والاتحاد الأوروبي، وأعلنت باريس أن مشروع الشرق الأوسط الكبير أصبح الآن مشروعاً مرضياً بعد أن اعترف بوضوح بأن مسيرة السلام في الشرق الأوسط تعد عنصراً مركزياً لنجاح المشروع.

وقالت مصادر أوروبية إن النسخة الجديدة من المبادرة التي ترعاها الولايات المتحدة تؤكد أن التغيير في منطقة الشرق الأوسط مشروط بإنهاء العنف الإسرائيلي - الفلسطيني.

كما ركزت النسخة الجديدة على الاحترام والحوار والمشاركة بوصفها أساليب مؤدية إلى تحقيق الإصلاح، وتأكيد أن زخم التغيير يجب أن يأتي من داخل المنطقة.

وقالت تلك المصادر إن الاتحاد الأوروبي عكف على مهمة شاقة من أجل إجراء تغييرات بالمشروع الأمريكي الأصلي حتى يتسنى إضافة وجهة النظر الأوروبية ـ في أداء المهمة.

والجانب الأمريكي الذي كان رافضاً مبدئياً التركيز علي الصراع العربي - الإسرائيلي في خطة الشرق الأوسط وافق الآن على أنه تجب الإشارة في جدول الإصلاح الإقليمي الذي أعلنته مجموعة قيادات الدول الصناعية الكبرى خلال اجتماعها إلى أهمية وضع نهاية للأعمال العدائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي استمرت على مدار أعوام طويلة.

وتم أيضاً التأكيد في بيان مجموعة الثماني حول الشرق الأوسط أن الصراع العربي - الإسرائيلي يعد بمثابة أولوية استراتيجية رئيسية، والاتحاد الأوروبي وضع عمداً النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني في المقدمة لأن الواضح أن حل الصراع يعد قضية محورية لإرساء سلام ورخاء في منطقة الشرق الأوسط.

مجموعة الثماني أكدت أيضاً أنه يتعين عدم السماح بأن يشكل عدم إحراز تقدم في وضع نهائي للأعمال العدائية بين الإسرائيليين والعرب عقبة أمام الإصلاح، ففي رأيها أنه يمكن أن تمضي جهود سلام الشرق الأوسط والإصلاح الديمقراطي والتغيير قدماً على نحو متواز.

كما وافقت الولايات المتحدة أيضاً على تخفيف خطتها الأصلية في أعقاب الانتقادات الحادة من جانب دول عربية وعدد من الحكومة الأمريكية.

لذلك ترى فرنسا مثلاً أن مشروع القرار الأمريكي حول الشرق الأوسط الكبير أصبح قراراً متوازناً ومرضياً بعد أن اعترف بوضوح بأن مسيرة السلام في الشرق الأوسط تعد عنصراً مركزياً لنجاح المشروع، يذكر أن فرنسا كانت قد أعربت عن تحفظها حيال مشروع الشرق الأوسط، مطالبة بعدم فرض الإصلاحات على دول المنطقة من الخارج، الإسلاميون غيروا نظرة الغرب للإصلاح.

وهكذا أصبحت واشنطن مهيأة الآن لكي تترك لكل دولة حرية اتخاذ ما تراه من إجراءات على طريق الإصلاح، وتتخلى عن المطالبة بالتعجيل بها.

والخوف من وصول الإسلاميين إلى الحكم سواء من جانب الأنظمة أو الغرب كان وراء ذلك التغير، والخاسر الوحيد من هذا التحول هو الشعوب العربية والإسلامية المتعطشة للإصلاح والديمقراطية.

ويرى المراقبون أن الأنظمة العربية وكل من الأمريكيين والأوروبيين توصلوا إلى حل وسط، يتم بموجبه تفعيل أطر مواجهة الحركات الإسلامية في المنطقة من قبل الأنظمة، في مقابل التخلي عن الإلحاح في طرح قضايا الإصلاح من قبل الأمريكيين.

أي أن السبب الرئيسي في تراجع الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا عن الضغط على الأنظمة العربية لتطبيق ما أطلق عليه مبادرات إصلاحية للشرق الأوسط هو الخوف من التيارات الإسلاميةº سواء المعتدلة منها أو المتطرفة.

ويقول مراقبون إن قرار قمة تونس العربية الأخيرة بإدانة العمليات الفدائية الفلسطينية التي تستهدف مدنيين إسرائيليين اتٌّخذ مقابل قيام واشنطن بتعديل وثيقة الإصلاحات المقترحة في الدول العربيةº استجابة لرؤية الأنظمة العربية غير المتحمسة للقيام بإصلاحات سريعة.

وتطلب مبادرة الشرق الأوسط الكبير من الحكومات العربية وحكومات جنوب آسيا تطبيق إصلاحات سياسية واسعة، ومساءلتها عن سجلها في حقوق الإنسان، وتطبيق إصلاحات اقتصادية، كما تقترح المبادرة تقديم دعم عسكري وتجاري للدول التي تشملها المبادرة والتي تنفذ الإصلاحات المطلوبة.

الصيغة الجديدة التي تدارستها قمة الدول الصناعية تؤكد على خصوصية كل دولة من ناحية، وعلى عدم وجود معيار واحد ينطبق على الجميع من ناحية أخرى بشأن الإصلاح.

 

دول عربية وأفريقية في القمة

وقد دعيت عدة دول عربية إلى المشاركة في قمة مجموعة الثماني، ولا يعرف الأساس الذي اعتمد لاختيارها، وكانت مصر من بين الدول التي وجهت إليها الدعوة، لكن الرئيس مبارك اعتذر "لارتباطات لديه"، وقد اعتذر الرئيس التونسي كذلك، وأغلب الظن أن السعودية لن تحضر، وأن دولاً أخرى شاركت مثل اليمن والأردن.

مصر تقول إنها لا ترفض الإصلاح ولا ترفض الحوار حوله لكنها ترفض "إذابة الجامعة العربية"، وتقول أيضاً: إن مجموعة الثماني تقدمت بأوراق كثيرة وكان فيها أمر خطير، وهو أنها تريد أن تجمع بين دول عربية وغير عربية مثل أفغانستان وباكستان وتركيا وهي دول صديقة ولكن ظروفها مختلفة عن الدول العربية، في إشارة إلى مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي أطلقت في قمة جورجيا، وهناك إحساس لدى مصر بأن هذه الفكرة قد تؤدي إلى إذابة الجامعة العربية.

ومن جانبه أعلن البيت الأبيض دعوة 5 دول أفريقية لحضور قمة مجموعة الثماني، وهي: غانا ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا وأوغندا، والدعوات أرسلت إلى زعماء السعودية ومصر والأردن واليمن والمغرب.

ووجه الرئيس الأمريكي جورج بوش دعوة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان لحضور قمة مجموعة الثمانية الكبار المقبلة لبحث مبادرته للشرق الأوسط الكبير لإجراء إصلاحات إقليمية سعياً وراء كسب تأييد للمبادرة بعدما رفض بعض القادة العرب دعوة بوش لحضور القمة.

وفي أول كلمة تلفزيونية يوجهها للشعب العراقي أعلن رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي الجمعة 4-6-2004 أن رئيس البلاد الجديد غازي الياور ونائبيه سيشاركون في قمة مجموعة الثماني التي ستعقد في الولايات المتحدة من 8 إلى 10 يونيو 2004.

 

رفض عربي بقيادة مصر

ورقة العمل التي طرحها الرئيس مبارك على القمة العربية في تونس حول مبادرات الإصلاح في العالم العربي تضمنت تحفظات رئيسية على مبادرة الشرق الأوسط الكبير.

أولى الملاحظات على هذه المبادرة هي أن الموقف الأمريكي ما زال بعيداً عن الرؤية العربية "فما زالت الولايات المتحدة ترى أن الأولوية للإصلاح السياسي بجميع أبعاده" خلافاً للموقف الأوربي الأقرب للموقف العربي وهو "ضرورة تحقيق إصلاح متوازن يبدأ بالإصلاح الاقتصادي".

أما التحفظ الثاني فهو حسب نص ورقة العمل التي تلاها مبارك أمام القادة العرب - "التجاهل التام" من قبل "واضعي النص المعدل للمبادرة الذي صدر منتصف الشهر الجاري لما يتطلبه الإصلاح من تدرج للحفاظ على الاستقرار، وللحيلولة دون سيطرة قوى التطرف والتشدد على مسار الإصلاح".

والتحفظ الثالث هو أن المبادرة "تسعى منذ وضعها إلى إيجاد إطار أوسع من إطار الجامعة العربية"، وبرغم تطور الورقة من اقتراحها بادئ الأمر أن يتبع الإصلاح في العالم العربي نموذج منظمة الأمن والتعاون في أوربا ثم تحويله إلى اقتراح باتباع نموذج منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي فإن كل هذه المفاهيم تستهدف وضع هياكل بديلة لجامعة الدول العربية".

أما التحفظ الرابع، فهو "أن المبادرة ستسعى للفصل بين جهود دعم الإصلاح من جهة، والتعامل مع القضايا السياسية ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للمنطقة العربية - خاصة قضية العراق - من خلال النص صراحة على أن عدم إحراز تقدم في التعامل مع القضايا السياسية يجب ألا يحول دون المضي قدماً في تنفيذ خطط الإصلاح".

والتحفظ الخامس هو أنه "مع كل ما تقدم تسعى المبادرة لإدخال الناتو (حلف شمال الأطلسي) كطرف في دعم جهود الإصلاح".

وأضاف مبارك: "إذا كان الغطاء المقترح لتدخل الناتو هو دعم الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب فإن سبيلنا في تحقيق ذلك يقوم على تصحيح الفكر، وتدعيم ثقافة المجتمعات العربية، والسعي إلى تسوية القضايا السياسية والاقتصادية والتي تنتج عنها حالة الإحباط والتطرف والضعف".

 

بوش واستغلال المشروع انتخابياً

الولايات المتحدة سعت إلى إقناع مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى بالالتزام بدعم الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية بالشرق الأوسط، وهو مشروع طموح خففت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش منه بعد الانتقادات التي أثارها.

وشكل "الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا".. "الطبق الرئيسي" خلال مأدبة غداء بين قادة مجموعة الثماني (الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وكندا، وروسيا) وقادة 6 دول إسلامية تمت دعوتها في هذه المناسبة، وهي: أفغانستان، والجزائر، والبحرين، والأردن، وتركيا، واليمن، ينضم إليهم الياور.

وجعل بوش من هذه الفكرة أحد محاور معركته على الإرهاب، وقدمها على أنها الشق السلمي لتحركه ضد التطرف، بعد استخدام القوة في أفغانستان والعراق، وقال بوش: "على المدى القصير سنعمل مع كل حكومة في الشرق الأوسط تحشد قواها للقضاء على الشبكات الإرهابية"، وأضاف "على المدى الأبعد ننتظر من أصدقائنا في المنطقة مستوى أفضل من الإصلاحات والديمقراطية".

وفي حين يسعى بوش إلى جعل العراق واجهة إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط، زاد هذا النزاع الذي ينظر إليه الرأي العام العربي على أنه حملة استعمارية من تشكيك هذا الجزء من العالم بأي مبادرة أمريكية، وتريد واشنطن الآن خصوصاً أن تعرب مجموعة الثماني عن اهتمامها بجهود إحلال الديمقراطية والتحديث في هذه المنطقة، مشددة في الوقت ذاته على أن هذه المشاريع يجب أن تصدر عن الدول المعنية أنفسها.

ويبخل المسئولون الأمريكيون بالتفاصيل حول الجوانب الملموسة لهذه المشاريع، لكنهم يأملون الاستفادة من انعكاسات قمة الدول العربية التي انعقدت في تونس في مايو 2004، واعتمدت وثيقة "التطوير والتحديث" لإدخال إصلاحات في العالم العربي.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply