بسم الله الرحمن الرحيم
قال موشيه دايان في أعقاب حرب يونيو 1967: " إن العرب لا يقرأون "، وكان يعلق على سؤال حول كشفه عن خطة الحرب القادمة بين العرب وإسرائيل في كتاب له نشره بعد العدوان الثلاثي عام 1956، ولعل الأصح أن نقول: " إن المسلمين لا يقرؤون " وإلا فكل من نعتبرهم أعداء لنا هم صرحاء في أهدافهم، ويعلنونها عبر كتبهم ومجلاتهم ونشراتهم، وما علينا إلا مراقبتها بدقة لنصل إلى ما يرمونه قبل سنوات - بل وعقود - من تحققها.
وهذه الملاحظة تنطبق بشدة على مخططات المنصرين، فهم من خلال ما ينشرونه لا يخفون أهدافهم مطلقاً، ولكننا نجهلها إلا عندما تتحقق على أرض الواقعº لأنه لا توجـد لدينا مؤسسة تدرس بعمق ما يرمون إليه من خطط ومشاريع، بل ونحن نستخف بالقادرين على إجـراء دراسة كهذه، ثم نفاجأ بعد عقود بأن المناطق كذا وكذا قد أصبحت نصرانية..!!
واليوم يجري العمل التنصيري الصامت - والنشيط في آن واحد - عبر 3 آلاف منظمة تنصيرية على هامش العالم الإسلامي، حيث حدد المنصّرون - بدقة - القبائل الأمية الفقيرة المستهدفة باعتبارها مجموعات يمكن أن تقبل على التنصر.
وهناك جهود منظمة ضخمة للتنسيق والبرمجة لأجل إيصال صوت المسيحية إلى الشعوب التي لم يصلها، وقد عقدت لأجل هذه مؤتمرات ضخمة للمنصرين خلال ربع القرن الماضي، وكان أهم هذه المؤتمـرات مؤتمر " لوزان " بسويسرا، الذي انعقد سنة 1974 لوضع استراتيجية عالمية لإيصال صوت المسيح إلى كل إنسان على وجه الأرض بمجيء سنة 2000 م.
وتم عقد مؤتمر ضخم آخر للغـرض نفسه في يوليو 1989 " بمانيلا " عاصمة الفلبين، شارك فيه 4000 شخص من 190 دولة في أنحاء العالم.
والدراسة التي نتتبعها اليوم هي بعنوان " 700 خطة لتنصير العالم "، وهي دراسة في غاية الخطورة، ظهرت في الولايات المتحدة مؤخراً حول خطط المنصرين لتحويل الكرة الأرضية كلها إلى النصرانية، وقد ألفها كاتبان مسيحيان بارزان هما ( دافيد باريت ) محرر دائرة المعارف المسيحية، و( جيمز ريبسوم ) خبير شؤون التنصير.
وقد اشترك كلاهما - حسبما يقول الكاتب - في وضع 36 مشروعاً تنصـيرياً من بين المشـاريع التنصيرية الثلاثمائة والثمانية والخمسين " 358 " التي نفذت خلال الفترة 1953 - 1988.
ودافيد باريت اسم خطير في عالم التنصير العالمي، وهو يلعب دوراً رئيسياً في تخطيط برامج الكنائس الغربية، وهو في الوقت نفسه مستشار الفاتيكان لشئون التنصير العالمي.
788 مشروعاً:
ويجري هذا الكتاب مسحاً شاملاً لـ 788 مشروعاً تنصيرياً في تاريخ المسيحية، منذ ظهورها قبل 19 قرناً إلى اليوم، وهو مقسم إلى 4 أجزاء، و 28 فصلاً، ويحتوي على 10 ملاحـق، و27 قائمة ورسم بياني وبيبليوغرافيا.
والكتاب - كما يقول المؤلفان - لا يتناول إلا نبذة من المشاريع التنصيرية في تاريخ المسيحية، وهما يصفان هذه النبذة التي يتناولونها ، بـ " الجزء البارز على السطح من جبل الجليد " ( المعروف أن جبال الجليد التي تمتد عبر أميال في المحيطات تكون غاطسة تحت الماء، ولا يظهر منهـا على السطح إلا جـزء صغير جداً )، وهو بالتالي يتناول أكبر المشاريع وأضخمها، والتي تحتفظ بـ 5000 منصِّر أو أكثر خارج حدود بلادها.
الاستعمار الأوروبي:
يقول المؤلفان أن 66 جيلاً قد ظهرت على سطح الأرض منذ ظهور المسيحيـة، ولكن المسيحيين لم يشدوا الأزر لنشر دينهم إلا في الأجيال الأخيرة، فكان من نصيب كل جيل قبل القرن التاسع عشر 2.6 مشروعاً تنصيرياً، أما بمجيء القرن التاسع عشر فقد جاءت " الأجيال الواعية " - ولا ننسى أن زمـن هذه الأجيال الواعية هو عين ذروة الاستعمار الأوربي -، وارتفع معدل المشاريع إلى 28 مشروعاً لكـل جيل ابتداء من القرن التاسع عشر، وأكثر الأجيال المسيحية وعياً - في رأي المؤلفين - هي التي ظهـرت في هذا القرن العشرينº إذ بلغ عدد المشاريع التنصيرية 69 مشروعاً للجيل الأول، وأخذ يتصـاعد سنة بعد أخرى، إلى أن وصل إلى 321 مشروعاً لجيل السبعينات، أما معدل الجيل الحالي فهو 1200 مشروع تنصيري عالمي.!
وكانت المشاريع التنصيرية في الأجيال السابقة تنطلق من بلاد متاخمة للبحر الأبيض المتوسط، ثم انتقل مركزها إلى أوروبا وروسيا وأمريكا الشمالية، وقد انطلق من الولايات المتحـدة الأمريكية وحدها 247 مشروعاً تنصيرياً منذ عام 1900.
فهرس البلايا:
ورافق كثرة هذه المشاريع كثرة فشلها أيضاً - حسب اعتراف المؤلفين، اللذين خصصا باباً لذلك بعنوان: " فهرس البلايا " ذكرا فيه 340 سبباً لفشل 534 مشروعاً تنصيرياً عالمياً، ومن هذه الأسباب الرئيسية التي ذكراها:
- الجريمة الكنسية.
- البلطجة الكنسية.
- تقديم الإغراءات للتنصير.
- استخدام أموال " مغسولة " أي أموال غير مشروعة تم تمريرها عبر مشاريع تنصيرية.
- الجاسوسية اللادينية على نظام واسع.
- الإمبريالية.
- الإرهاب.
وقد تكون هذه الأساليب الإجرامية مسؤولة حقاً عن فشل بعض مشاريع التنصير، إلا أنها بعينها قد أدت إلى نجاح مشاريع أخرى، وإلى انتشار المسيحية في بلاد كثيرة، ومن شواهد هذا ما ذكره المؤلفان في سياق أهم الأيام والسنين في تاريخ التنصير:
فسنة 323 هي السنة التي بدأ فيها الإمبراطور قسطنطين نشر المسيحية بالسيف، مستخدمـا كل أجهزة الدولة، وسنة 1523 م هي السنة التي أمر فيها الملك الإسباني تنصير الهنود الحمر بالأمريكتين بالقـوة، وهو ما مكن الرهبان الفرنسيسكان من تنصير مليون هندي أحمر في المكسيك خلال سبع سنوات فقط، وكانوا ينصرون أحياناً 14000 شخص في يوم واحد..!
قوة المال:
واستخدم المنصرون إلى جانب القهر والسلطة السياسية قوة المال، ووسائل الدعاية، ويخبرنا المؤلفان في صدد ذكر الأوضاع المالية للكنائس العالمية أن المسيحية العالميـة المنظمة تنفق الآن أواخـر الثمانينات 145بليون دولار سنوياً، ويعمل في أجهزتها 4.1 ملايين عامل متفرغ، وهي تدير 13000 مكتبة عامة كبرى، وتنشر 22000 مجلة بمختلف اللغات عبر العالم، كما تنشر 4 بلايين نسخة من الكتب في العام الواحد، وتدير 1800 محطة إذاعية وتلفزيونية في أنحاء العالم، وتستخدم المنظمات الكنسية 3 ملايـين جهاز كمبيوتر، والكتاب يصف أخصائيي الكمبيوتر المسيحيين بأنهم جيش مسيحي من نوع جديد.
4000 وكالة تنصيرية:
والعمل التنصيري الخارجي هو أهم ما يشغل الكنائس المنظمة هذه الأيام.
ففي الوقت الحاضر هناك 4000 وكالة تنصيرية ( أي منظمات تعمل خصيصاً في حقل التنصير ) يعمل بها 262.300 داعية متفرغين، وهم يكلفون الكنائس 8 بلايين دولار سنوياً، وكل سنة يصدر 10000 كتاب وبحث جديد حول التنصير الخارجي.
ويقول المؤلفان في صدر ذكر الإحصائيات: أن الكنيسة قـد وظفت 160 مليون سنة عمل للتنصير على وجه الأرض خلال القرون العشرين الماضية، بتكلفة إجمالية تبلغ 350 بليون دولار، بمعدل 2.200 دولار للداعية الواحد في السنة، أما المشاريع التنصيرية السبعمائة والثمانية والثمانون 788 التي تتناولها هذه الدراسة فقد استهلكت ملايين سنة عمل، و45 بليون دولار.
وطبقاً لهذه الدراسة ينشط في أنحاء العالم الآن 387 مشروعاً تنصيرياً عالمياً، و254 منها تحرز التقدم والنتائج المرجوة، والدراسة تصف 254 مشروعاً من هذه المشاريع بمشاريع واسعة النطـاق، وهي التي ينفق كل واحد منها على العلم التنصيري عشرة آلاف ساعة عمل، أو أكثر من عشـرة ملايـين دولار سنوياً، على مدى عشر سنوات.
و33 مشروعاً من هذه المشاريع هي ما تطلق عليه الدارسـة وصف " المشاريع الضخمة "، وهي التي ينفق كل واحد منها مئة ألف سنة عمل، أو مئة مليون دولار سنوياً، أو ألف مليون دولار عبر عمرها، وأكبر هذه المشاريع الضخمة ينفق الآن 550 مليون دولار سنوياً على أنشطتها التنصيرية في أنحاء العالم.
وتقول لنا الدارسة: إن الكنيسة تمتعت دائماً بمصادر ضخمة، ولكنها لم تحسن استخدامها دائماً، وتذكر الدارسة في هذا الصدد مشروعاً تنصيرياً معيناً جمع له 336 مليون دولار سنة 1918م، ولكنه انهـار خلال أسبوع واحد من قيامه، وهي تذكـر كذلك مشروعاً ضخماً للتنصير جمع له مبلغ 150 مليون دولار في الولايات المتحدة، ثم انهار فجأة سنة 1988 نتيجة فضيحة أخلاقية وإدارية تتعلق ببعض كبار المنصرين، والإشارة هنا إلى القسين الأمريكيين: باكـير ، وجيمي سواغارت قائـدي منظمـة مجالس الله.
3000 وحدة:
وتعترف الدارسة بأنه رغم هذه الجهود الضخمة لا تزال هناك شعوب لم تصلها رسالة المسيحية، أو لم تنجح المسيحية في أوساطها، وقد قام الباحثون الكنسيون الآن بالتعرف الدقيق على هذه الشعوب التي لم تصلها المسيحية، وبالتالي تمكنوا من تقسيمها إلى 3000 وحدة متميزة، ويوجه 5000 منصر - ذو تدريب وكفاية - جهودهم المستمرة نحو تنصير هذه الشعوب، وهم يتحركون من مراكز يشعرون فيها بالأمان السياسي، وهم يتمتعون بأحدث وسائل الاتصال.
وأكبر عقبة يواجهها المنصرون هي أنه لا يسمح لهم بالتحرك القانوني في كثير من مناطق العالم، وأنهم يواجهون معارضة إيديولوجيات دينية أو قومية تمنع نشاطهم.
وسائل سرية:
ويقول المؤلفان: إن كل بلاد العالم تقريباً كانت مفتوحة للمنصرين الأجانب حتى سنة1900، أما اليوم فهناك نحو 65 دولة في العالم قد أغلقت أبوابها في وجوه المنصرين، وهناك معدل 3 دول تنضم إلى هذه القائمة سنوياً.
وقد تغلب المنصرون على هذه الصعاب وهم يديرون أجهزة سرية واسعة النطاق، بينما يعكف خبراؤهم على البحث عن وسائل سرية جديدة، وأساليب للدخول إلى مجتمعات مغلقة، والمنصرون لا يعبؤون بقضية أن أساليبهم هذه غير أخلاقية وغير قانونية.
ويقول المؤلفان وهما يتناولان هذا الجانب السري من نشاط المنصرين: " إنهم لم يتورعوا عن العمل غير الشرعي أو السري، وهو أمر يشهد عليه تاريخ الحركة التنصيرية، وقد بررت مجلة "فصلية الإرساليين التبشيرية " هذا النشاط السري بقولها: " الرب لا يكذب، ولكنه يحافظ على أسراره "، ويمكن ترجمة هذه العبارة بالعربي الفصيح كالآتي: المنصرون يكذبون للمحافظة على أسرارهم.
والمنصرون المبعوثون إلى هذه المجتمعات المغلقة التي تمنع النشاط التبشيري هم أنواع شـتى، حسب ظروفهم، وحسب ظروف المجمتع الذي يعملون فيه، ولكل نوع مصطلح خاص به، له مفهومه المعروف في الوسط التنصيري.
ومن أهم هذه المصطلحات:
ضارب الخيمة - المقيم - السري - العامل في الظلام - السائح - ناقل الرسائل - المهرب - غير المقيم.
وظائف علمانية:
ويعرف المنصرون من خلال بحوثهم وتجاربهم العملية أن أكثر البلاد انغلاقاً على نفسه يحافظ على بعض العلاقات مع الغرب كالعلاقات التجارية والدبلوماسية والفنية والسياحية، وبالتالي يتم ارسال المنصرين إلى هذه المجتمعات المنغلقة لكي يعملوا في وظائف علمانية كفنيين، ودبلوماسيين، وأطباء، وعمال اجتماعيين، بينما هم في الحقيقة يعملون لحساب منظمة تنصيرية، ولتحقيق أهدافها في ذلك المجتمع.
ويطلق على هؤلاء وصف "ضاربو الخيام "، وهذه القناة منظمة جداً.
وتوجد منظمة تنصيرية تسمى "ضاربو الخيام الدولية " ومركزها بمدينة سياتل الأمريكية، وهي وكالة تتخصص في توفير العناصر البشرية المناسبة لمختلف المنظمات التنصيرية.
ولديها سجل حافل بمختلف الوظائف الممكنة، وهي تنشر إعلانات في الجرائد لجذب المتطوعين، ومن أول النصائح التي يتلقاها المستجيبون لإعلاناتها: أن يتحلوا بالسرية في عملهم وحياتهم.
أما " السري " فهو منصر متفرغ يعمل بصورة غير قانونية في بلد ما يحظر النشاط التنصيري، ويقول المؤلفان: إن غالبية العمل التنصيري تتم في المجتمعات المنغلقة بهذا الأسلوب.
أما " العامل في الظلام " ( وهو أصلاً مصطلح تستخدمه الوكالات الاستخبارية لعناصرها المندسة في منظمة مستهدفة ) فهو في المصلطلح التنصيري عامل تنصيري أجنبي غير متفرغ يقيم في بلد ما بصورة غير قانونية.
أما " ناقل الرسائل " فهو زائر من الخارج ينقل الرسائل بين المتنصرين المحليين والمنصـرين السريين النشيطين في بلد ما، والسائح أيضاً يقوم بهذه المهمات، ويدخل مئة مليون مسيحي إلى البلاد المحظورة عبر العالم سنوياً لأغراض مختلفة، ويتم إقناع آلاف منهم بأن يعملوا " كناقلي رسائل " للوكــالات التنصيرية الغربية.
و" المهرب " هو خبير متفرغ يعمل كمتنقل بين مختلف المحطات التنصيرية لنقل المواد والمعلومات والأموال، وأشهر هذا النوع من العمال السريين هو المنصر المعروف بـ "الأخ اندرو" مؤلف كتاب مهرب الله ( أي المهرب في خدمة الله ).
هذه الأنواع السالفة هي كلها أوصاف للمنصرين الأجانب، ويقصد به عموماً المنصرون من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية.
ويوجد إلى جانب هؤلاء نشطاء تنصيريون من المسيحيين المحليين في المجتمعات المنغلقة المستهـدفة للتنصير.
ويقسم هؤلاء النشطاء المحليون إلى أقسام عديدة منها:
- غير مسجل.
- التحت السطحي.
- ناقل الرسائل.
- الفدائي.
والتحت السطحي على سبيل المثال هو عنصر محلي يماثل في عمله المنصر الأجنبي الذي ينعت بـ " العامل في الظلام "، وهو يحمل رسائل ناقلي الرسائل الأجانب، ويقوم بإيصالها إلى أهدافها المحلية.
شبكة تنصيرية ضخمة:
ويقول المؤلفان بشيء من الافتخار: "هناك شبكة تنصيرية ضخمة تحت السلطة تعتمد أساساً على الكلمات الشفهية، فلا توجد هنا رسائل مكتوبة، ولا مكالمات هاتفية".
وتعمل هذه العناصر الأجنبية والمحلية في وئام شديد، ويذكر المؤلفان كمثال على ذلك: "عملية اللؤلؤ "التي نفذت سنة 1981، وخلال هذه العملية قام المنصرون الأجانب بإنزال ( مليون ) نسخة من الإنجيل على الشواطىء الصينية بواسطة السفن والقوارب، وقام نحو 20 ألف مسيحي صيني بنقل هذه الكمية بأقصى سرعة إلى داخل البلاد، ويقول المؤلفان في هذا الصدد:
قام بتخطيط العملية وتنفيذها مهربون أجانب، وناقلوا الرسائل المحليونº معتمدين على شبكة معقدة لناقلي الرسائل الأجانب والمحليين، وعمال سريين من مختلف البلاد، وذلك لإخبار آلاف من المسيحيين الصينيين العاديين، وعدد كبير من القسيسين غير المسجلين وغيرهم من العاملين تحت السطح والعاملين في الظلام.
وأحياناً يتم القبض على هؤلاء العاملين، وتجري معاقبتهم في البلدان التي تحظر نشاطهم، وبالتالي ينضم هؤلاء إلى "لائحة الشهداء " في سبيل المسيحية، ويصل عدد المنصرين الذي يتم التعرض لهم بصورة أو أخرى نحو 230000 شخص عبر العامل سنوياً حسبما يقوله المؤلفان.
وكمثال لما يحدث عندما يتعرض المنصرون لأخطار في البلاد التي يعملون بها بصورة غير شرعية يذكر لنا المؤلفان حادث اعتقال "عاملين في الظلام" في نبيال سنة 1988 وهما ميرفين بود الكندي البالغ من العمر آنذاك 22 سنة، وماكبرايد الأمريكي البالغ من العمر آنذاك 33 سنة، وكان كلاهما يعمل لمنظمة تنصيرية أمريكية تدعى عملية التعبئة.
ولم يكد الحدث يقع حتى بدأت علاقات المنصرين وصلاتهم تأتي بثمارها، فأخذت الصحف الغربية تنشر أخباراً مثيرة، وبدأت التعليقات الجارحة تتوالى، ولم يتساءل أحد: ماذا كان هذان الأجنبيان يعملان في دولة جبلية نائية، وهل لتلك الدولة الحق في القبض على من يخالف قوانينها أم لا؟.
بدلاً من هذا انصبت كل التعليقات على أن نيبال انتهكت الحقوق "المدنية " و"الإنسانية " لمواطنين من كندا والولايات المتحدة، وكان من أمثاله ما كتبه الصحفي الأمريكي جاك اندرسون في عموده الأسبوعي قائلاً:
تخيل أن يزج بك في السجن لمجرد بيع كتب دينية! وانبرى أعضاء الكونجرس من أمثال روبرت ووكر، وأعضاء مجلس الشيوخ مثل ريتشارد لوغار وكليربورن بيل يمارسون الضغوط المكشوفة على الحكومة النيبالية، ولم تتخلف منظمة العفو الدولية فاشتركت هي الأخرى في الحملة على الحكومة النيبالية.
رخصة مفتوحة:
وغنى عن البيان أن غالبية دول العالم الثالث لا تقوى على مجابهة حملات إعلامية وسياسية منظمة ومكثفة من هذا النوع الذي أتقنه المنصرون، وتقف معهم حتى منظمة الأمم المتحدة التي تعترف بحق رجال الدين في العمل بحرية، ولكن هذا يعطي رخصة مفتوحة للمنصرين المتمتعين بإمكانية مالية وتخريبية هائلة، بينما لا تتمتع الدول الضعيفة بشيء لمقاومة ضغوطهم.
ويتخطى المؤلفان حدود العقائد المسيحية المعروفة حول عمر العالم فيستغرقان في عمليات حسابية جزافية أشبه بالقصص العلمية الخرافية، فالمعتقد المسيحي هو أن عمر العالم يبلغ 4000 سنة تقع بعدها القيامة.
وكان السيد المسيح قد ظهر حسب المعتقد المسيحي بعد 4004 سنة من ظهور أول إنسان على وجه الأرض، وكان الحواريون والرسل خلفاء المسيح ينتظرون القيامة في زمنهم، ولا نزال نصطدم من وقت لآخر بتنبوءات جماعات مسيحية هنا وهناك في هذا العصر بأن القيامة ستقع في يوم كذا، إلا أن المؤلفين يعرضان عن هذا المعتقد المسيحي فيضعان خريطة للعالم ترجع 5.5 مليون سنة كانت قد مرت على ظهور أول إنسان على وجه الأرض حيث ظهر السيد المسيح، وأن 118 بليون إنسان كانوا قد عاشوا على ظهر الأرض حتى ذلك الوقت، وقد ذهب كل أولئك إلى الجحيم لأنه لم يؤمن أحد منهم بالمسيح!!
وبدأت حالة البشرية تتغير سنة 33 م حين أعلن عن قيام مملكة السماء بمجيء السيد المسيح، وكانت الجنة حتى ذلك الوقت خالية، فأخذ المؤمنون بالمسيح يسكنون أرجائها أول مرة منذئذ، وكان قد استوطنها 8 ملايين مسيحي حتى سنة 1990 وهم على كثرتهم لا يمثلون إلا5.70% من عدد سكان الأرض الذين سيكون الجحيم مصيرهم لعدم إيمانهم بالمسيح المخلص ( هذا ولكن المؤلفين متفائلان فهما يعتقدان أن 8.57% من سكان الأرض سيكونون قد دخلوا حظيرة المسيح بمجيء سنة 2100 م، أما في السنة 4 بليون فسيكون 99.90% من سكان الأرض مسيحيين، وتكون الجنة قد استوعبت حتى ذلك الوقت 9 ديسليون نسمة ( ديسليون واحد يساوي عشرة زائد 33 صفر )، وبالتالي ستتحق المهمة العظيمة: أي مهمة التنصير الملقاة على عاتق كل مسيحي، وعندها سيتحرر المنصرون من واجب نشر دعوة المسيح..!!
الهندسة الجينية:
ويطلق المؤلفان العنان لتفكيرهما، فيتخيلان أنه بعدت سنة 2500 سيمكن للمنصرين الاعتماد على الهندسة الجينية لخلق المسيحيين في المعامل الكنسية حسب المواصفات المطلوبة.
وهما لا يغفلان حتى المستوطنات البشرية في أرجاء أخرى من مجرات الكون في ذلك الزمن السحيق كلها ستخضغ آنذاك لمملكة المسيح..!!
ولا يمكننا ألا أن نسخر من هذين المؤلفين اللذين أطلقا عنان أفكارهما بدون أخذ القوى الأخرى في الاعتبار، فالمسيحية لن تعمل في فراغ، وبدون مواجهة مع قوى أخرى على وجه الأرض، ولكن لا يسعنا إلا أن نقول في الوقت نفسه: إن استعدادات المنصرين الحالية للعمل التنصيري المدروس في أرجاء العالم - وخصوصاً في المناطق المتخلفة الفقيرة - هي غاية في الخطورة من ناحية التمويل والتخطيط والتنظيم، ولا يكفي أن نطلق تصريحات وبيانات من وقت لآخر لتنبيه الناس على خطورة هذه الإمبراطورية السرية، بل يجب أن نقوم بأعمال إيجابية للنهوض بمستوى هذه المجتمعات التعليمية والصحية والاقتصادية لكي نقضي على الفجوات التي يتسلل منها المنصرون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد