بسم الله الرحمن الرحيم
قال وليم جيفورد: متى توارى القرآن، ومدينة مكة من بلاد العربº يمكننا أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه.
وقد سبق للقسيس المبشر زويمر رئيس إرسالية التبشير في البحرين أن ألف كتاباً أسماه مهد الإسلام، وفي هذا الكتاب يقول زويمر: إنه يقوم بإحصاء الجمعيات التبشيرية في جزيرة العرب بعد أن وضع لها خطة تضمن لجهودها النجاح في تنصير المسلمين، وإخراجهم من دينهم.
وفي مناقشة زويمر لتقرير أحد المبشرين الذين يعتمدون في تبشيرهم على الطب: أنكر على هذا المبشر إغفاله ذكر المدارس، وما لها من تأثير قوى في هذا المجال، لأن المدارس هي من أحسن الوسائل لترويج أغراض المبشرين، ونشر دعوتهم بين أبناء وبنات المسلمين.
ويقول زويمر: إنه جمع تلاميذه المسلمين مرة ووضع بين أيديهم كرة تمثل الكرة الأرضية، ثم سلط عليها نوراً قوياً، وبرهن لهم بذلك على أن الأمر بصيام شهر رمضان ليس آتياً من عند الله لأنه يتعذر أداء الفريضة في بعض البلاد.
وقال أيضاً: إن المحاضرات التي يلقيها القساوسة والمبشرون تهدف إلى إظهار الممالك الإسلامية منحطة ومتأخرة بالنسبة إلى الأمم والممالك المسيحية، وفي هذا ما يشكك المسلم في دينه، ويسهل على المبشرين تنصيره.
ويقول زويمر عن نتائج أعمال التبشير في جزيرة العرب: إن من المتعذر تعيين نتائج هذه الأعمال الخيرية، إلا أنه مما يدعو إلى الاغتباط والسرور أننا اقتطفنا ثمرات أعمالنا في كل منطقة من مناطق التبشير.
تصوير المبشرين للإسلام والمسلمين:
وطريق التبشير لتوهين المسلمين لم يكن الدعوة إلى المسيحية، والعمل على ارتداد المسلمين إلى النصرانية مباشرة، وإنما كان طريقه تشويه الإسلام، ومحاولة إضعاف قيمه، ثم تصوير المسلمين في وضعهم الحالي بصورة مزرية بعيدة عن المستوى الحضاري في عصرنا الحاضر.
فالمونسينيرر كولى في كتابه البحث عن الدين الحق يصور الإسلام على هذا النحو: الإسلام في القرن السابع للميلاد، برز في الشرق عدو جديد، ذلك هو الإسلام الذي أسس على القوة، وقام على أشد أنواع التعصب.
لقد وضع محمد السيف في أيدي الذين اتبعوه، وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق، ثم سمح لأتباعه بالفجور والسلب؟ ووعد الذين يهلكون - يستشهدون في سبيل الله - في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات - الجنة -.
وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وإفريقيا وإسبانيا فريسة له، حتى إيطاليا هددها الخطر، وتناول الاجتياح نصف فرنسا، لقد أصيبت المدنية، ولكن هياج هؤلاء الأشياع المسلمين تناول في الأكثر كلاب النصارى.
ولكن انظر هاهي ذي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سدّاً في وجه سير الإسلام المنتصر عند بوانيه م، ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين تقريباً في سبيل الدين، فتدجج أوروبا بالسلاح، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الإنجيل على القرآن، وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة.
ويقول و . س . نلسون: وأخضع سيف الإسلام شعوب إفريقيا وآسيا، شعباً بعد شعب.
هذا في وصف الإسلام ومبادئه، أما محمد رسوله فيقول عنه أديسون: محمد لم يستطع فهم النصرانية، ولذلك لم يكن في خياله منها إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به للعرب؟
وفي وصف المسلمين، يقول هنرى جيسب المبشر الأمريكي: المسلمون لا يفهمون الأديان، ولا يقدرونها قدرها، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإن التبشير سيعمل على تمدينهم.
كما يقول في وصفهم جوليمين في كتاب تاريخ فرنسا: إن محمداً مؤسس دين المسلمين قد أمر أتباعه أن يخضعوا العالم وأن يستبدلوا بجميع الأديان دينه هو.
ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين المسلمين وبين النصارى، إن هؤلاء العرب قد فرضوا دينهم بالقوة، وقالوا للناس: أسلموا أو موتوا، بينما أتباع المسيح ربحوا النفوس ببرهم وإحسانهم.
ماذا كانت حال العالم لو أن العرب انتصروا علينا؟ إذن كنا مسلمين كالجزائريين، والمراكشيين.
وهكذا المسلمون متأخرون، ولصوص، وقتلة.
وهكذا رسولهم سارق، ومحرف فيما سرق.
وهكذا الإسلام دين السيف، وليس دين الإيمان، وهو دين مادى وليس ديناً روحيّاً، لأنه يسمح لأتباعه بالفجور والسلب والقتل، هذا ما يصور به التبشير الإسلام والمؤمنين به والتابعين لرسوله.
على أنه لم يفت المبشرين كذلك - بجانب تشويه الإسلام والمسلمين بغية توهينهم، وإضعاف وحدتهم - أن يثيروا للغاية نفسها النزعات الشعوبيةº مثل الفرعونية في مصر، والفينيقية على ساحل فلسطين ولبنان، والآشورية في العراق، والبربرية في شمال إفريقيا وهكذا.
سبل المبشرين إلى بلوغ غاياتهم:
وتنوعت أساليب التبشير في توصيل هذا التصوير المشوه للإسلام ورسوله والمسلمين إلى أجيال المسلمين جيلاً بعد جيل منذ أن استقر في الشرق العربي والإسلامي، فكانت:
- المدرسة ـ الكلية ـ الجامعة.
ـ النـدوة ـ الرياضة.
ـ النزل ـ بيوت الشباب.
ـ الكتاب.
ـ الصحافة.
ـ المخيم.
ـ المستشفى.
ـ دار النشر والطباعة.
وإن من أشهر المؤسسات التعليمية في الشرق العربي جامعة القديس يوسف في لبنان، وهى جامعة بابوية كاثوليكية وتعرف الآن بالجامعة اليسوعية.
والجامعة الأمريكية ببيروت التي كانت من قبل تسمى الكلية السورية الإنجيلية، ثم كلية بيروت وهى جامعة بروتستانتية.
والكلية الأمريكية بالقاهرة التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية، وقد كان القصد من إنشائها أن تكون قريبة من المركز الإسلامي الكبير وهو الجامع الأزهر.
وكلية روبرت في استنبول التي أصبحت تسمى بالجامعة الأمريكية هناك.
والكلية الفرنسية في لاهور، وأسست في لاهور باعتبار أن هذا البلد يكاد يكون البلد الإسلامي في تكوينه في شبه القارة الهندية.
ومن المنشور الذي أصدرته الجامعة الأمريكية في بيروت في ردّاً على احتجاج الطلاب المسلمين لإجبارهم الدخول يومياً إلى الكنيسة:
يتضح من المادة الرابعة منه طابع هذه المؤسسة وأمثالها، ونص هذه المادة ما يلي:
إن هذه كلية مسيحية، أسست بأموال شعب مسيحى، هم اشتروا الأرض، وهم أقاموا الأبنية، وهم أنشأوا المستشفى وجهزوه، ولا يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يساندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء ليوجدوا تعليماً يكون الإنجيل من مواده، فتعرض منافع الحقيقة المسيحية على كل تلميذ، وكل طالب يدخل مؤسستنا يجب أن يعرف مسبقاً ماذا يطلب منه؟
كما أعلن مجلس أمناء الكلية في هذه المناسبة إن الكلية لم تؤسس للتعليم العلمانى، ولا لبث الأخلاق الحميدة، ولكن من أولى غاياتها أن تعلم الحقائق الكبرى التي في التوراة، وأن تكون مركزاً للنور المسيحي، وللتأثير المسيحي، وأن تخرج بذلك على الناس وتوصيهم به.
وكما يستخدم المبشرون دور التعليم - بعد أن يموهوا بأسمائهم على الرأى العام – للتبشيرº يستخدمون كذلك الوسائل الأخرى التي أشرنا إليها هنا سابقاً للغاية نفسها، وبخاصة الصحافة، فكتاب التبشير والاستعمار يذكر نقلاً عن مصادر للتبشير ما يلي:
يعلن المبشرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على الأخص للتعبير عن الآراء المسيحية أكثر مما استطاعوا في أي بلد إسلامي آخر، لقد ظهرت مقالات كثيرة في عدد من الصحف المصرية - إما مأجورة في أكثر الأحيان، وإما بلا أجرة في أحوال نادرة -.
ومما يؤكد هذا الاتجاه التخريبي بين أبناء المسلمين وبناتهم في هذه الجامعات التبشيرية المشبوهة أن الجامعة الأمريكية في بيروت تقوم بتشجيع الطلبة المسلمين فيها على الانحرافات الدينية والعقدية، وليس من قبيل المصادفة أن أكثر المتخرجين في هذه الجامعة المشبوهة هم من دعاة القومية والإلحادية، بل ليس لدى هذه الجامعة مانع من أن يتحول طلبتها وطالباتها من المسلمين إلى الشيوعية، فالشيوعية مذهب أوروبى على أية حال، فهي - رغم العداوة الظاهرة - أقرب إليهم من الإسلام الذي يعتبرونه عدوهم الأول والأخير.
وأذكر لقاء مع المرحوم الملك فيصل كنت قد سافرت إليه في مهمة خاصة لحاكم إمارة الشارقة، وفي مدينة الطائف فتح الملك النبيل قلبه وبدأ يحدثني عن مأساة المسلمين في اليمن الجنوبية.
قال رحمه الله: في الوقت الذي كان فيه زعماء جبهة تحرير الجنوب العربي يفاوضون بريطانيا على الاستقلال في جنيف، كانت أسر هؤلاء المفاوضين تنقل في سيارات مغلقة إلى مطار عدن لتحملهم الطائرات إلى السعودية، ثم سلمت مرافق الحكومة، ومعسكرات الجيش - من وراء الشعب اليمنى الجنوبي وزعمائه - إلى صبيان الشيوعية.
وقد أكد لي ذلك كثير من زعماء اليمن الجنوبي ورجاله الذين هاجروا إلى إمارات الخليج والسعودية.
إن النزعة الصليبية كامنة وراء هذه الحركة الإجراميةº فالشيوعية إفراز صليبي أولاً وأخيراً، أو كما يقول المثل: أنا وأخي على ابن عمى، وأنا وابن عمى على الغريب، والغريب هنا هو الإسلام وحده.
بل إن طالباً سودانياً مسلماً كان يدرس في الجامعة الأمريكية في بيروت، وكان هذا الطالب السوداني المسلم محافظاً على أداء فرائضه الدينية، وفي أحد الأيام لاحظه أحد المدرسين في هذه الجامعة يتوضأ للصلاة، فصاح فيه غاضباً: كيف تغسـل قدميـك في حوض نغسل فيه وجوهنا؟
إنها حيلة الذئب المعروفة مع الحمل، فقال له الطالب السوداني: كم مرة تغسل وجهك في اليوم؟
قال الأستاذ الأمريكي مرة واحدة، في كل صباح طبعاً.
فقال له الطالب السوداني: أما أنا فأغسل رجلي خمس مرات على الأقل في اليوم، ولك أن تحكم بعد ذلك أيهما أكثر نظافة رجلي أم وجهك؟
والشىء نفسه تكرر مع طالب باكستاني ذهب إلى بريطانيا لدراسة الدكتوراه، وكان المشرف على دراسته المستشرق المعروف جب، أو منتجومرى واط - لا أذكر أيهما بالضبط -، لقد رأى هذا الطالب الباكستاني المسلم يصلى، فإذا به ينفجر غاضباً في وجهه قائلاً: إنني ما قبلت الإشراف على رسالتك إلا لأمنعك من مثل هذا العبث.
__________________________
الهوامش:
انظر كتاب الغارة على العالم الإسلامى الفصل الخاص بجزيرة العرب.
المبشرون والمستشرقون في موقفهم من الإسلام ـ د. محمد البهى ص وما بعدها.
المبشرون والمستشرقون ومواقفهم من الإسلام.
انظر في ذلك أيضاً المبشرون والمستشرقون، وكتاب الفكر الإسلامي المعاصر وصلته بالاستعمار الغربي للدكتور /محمد البهى.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد